معارك داخلية وأزمات كبرى.. هل يفقد الألمان الثقة بحكومتهم وسياسييهم؟ (Abdulhamid Hosbas/AA)
تابعنا

تواجه الحكومة الائتلافية في ألمانيا تحديات كبرى تهدّد وحدتها، التي طالما روّجت إمكانية تحقيقها، وسط خلافات متصاعدة أدّت إلى استياء شعبي واسع.

فالعام الماضي شهدت ألمانيا إنشاء تحالف بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والديمقراطيين الأحرار، وحزب الخضر، في ما وُصف بأنه "تحالف التقدم"، لكنه في الحقيقة لم يحرز أي تقدم يُذكَر.

فقد أدى ذلك التحالف بين أحزاب تختلف بشدة على القضايا الرئيسية، إلى تعثر عملية صنع القرار وتعطيلها في لحظات حاسمة، ولم يتمكن التحالف من بلورة رؤية واحدة تجمع تلك الآراء المتباينة وتسمح بسلاسة اتخاذ القرارات.

أحدث مثال على ذلك الخلاف ما يتعلق بقرار التخلص التدريجي من الطاقة النووية، الذي حدّدَته حكومة أنغيلا ميركل قبل رحيلها، وحُدّد الموعد النهائي لذلك بحلول نهاية عام 2022، لكن حالياً تَعثَّر القرار بعد أن أعاد وزير المالية كريستيان ليندنر طرحه للنقاش، مؤكداً أن أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي يواجه خطراً يستدعي إعادة التفكير.

أزمة طاقة بلا حلّ

أحدثت الحرب الروسية على أوكرانيا أزمة طاقة في ألمانيا مع تراجع إمدادات الغاز الروسي، وهو ما وصفه وزير المالية بأنه "أزمة اقتصادية خطيرة للغاية"، داعياً إلى تأجيل خطط التخلص التدريجي من الطاقة النووية.

وهو ما يعارضه حزب "الخضر" الذي يؤكد أن المخاطر الناجمة عن استخدام الطاقة النووية، بخاصة التخلص من النفايات النووية، تفوق أي منافع خاصة بتوليد الكهرباء من الطاقة النووية، وهكذا في ظل أزمة طاقة متزايدة تختلف الأحزاب المتحالفة حول قرار مصيري.

نقطة الخلاف المصيرية الأخرى هي التضخم الاقتصادي وأفضل الطرق لمواجهته، في ظل ركود شبّهه المحللون بركود أزمة النفط عام 1974.

فقد بلغ التضخم 7.9 بالمئة على أساس سنوي وفق المعايير الوطنية، و8.7 بالمئة وفق معايير الاتحاد الأوروبي، وهو أعلى مستوى تشهده البلاد منذ إعادة توحيدها، وفق الإحصاءات الرسمية.

أزمة الطاقة أيضاً تهدّد بفقدان 500 ألف وظيفة، بما يزيد العبء الاقتصادي على المواطنين، ورغم ذلك يتمسك كل من الحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر بموقفه، دون تقديم حلول.

خلافات تزيد العبء

لتخفيف الأعباء الاقتصادية بلا إخلال بمبدأ التقييد الجوهري للديون الوطنية والتزام الميزانية الفيدرالية، التي تواجه بدورها انتقادات، اقترح حزبا الخضر والديمقراطي الاشتراكي فرض ضريبة أرباح زائدة.

أي إن الأرباح الفائضة التي حقّقَتها شركات الطاقة العملاقة خلال السنوات الماضية، يمكن تخصيصها للاحتياجات المتزايدة للدولة، لكن الفكرة رُفضت رفضاً قاطعاً من الحزب الديمقراطي الحر.

حكومة مخيبة للآمال

لكل ذلك التضارب الذي يؤثّر مباشرة في الشعب الألماني، تجاوز مستوى عدم الرضا عن الحكومة الائتلافية 50 بالمئة بداية العام الجاري.

وتناقص خلال الأسابيع الأخيرة وفق استطلاع رأي أجرته INSA، إذ وصل عدم الرضا إلى 55 بالمئة، كما عبّر 49 بالمئة عن خيبة أملهم الشديدة من أداء المستشار الألماني أولاف شولتز.

وهكذا تواجه ألمانيا أزمة سياسية عميقة متزامنة مع أزمة الطاقة والركود الاقتصادي، وسط خلافات تضع مصير الحكومة الائتلافية في مهبّ الريح.

TRT عربي - وكالات