المرضى الغزيون العالقون في الضفة ينتظرون العودة إلى قطاع غزة. / صورة: TRT Arabi (Faiz Abu Rmeleh/TRT Arabi)
تابعنا

طلبت سلطات الاحتلال ترحيل مرضى غزة الذين قدموا لتلقي العلاج قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي من مستشفيات القدس بحجة "الإقامة غير القانونية"، فيما اضطرت المستشفيات بالتعاون مع محافظة القدس إلى نقل المرضى ومرافقيهم إلى الضفة الغربية.

إدارة مستشفى المقاصد في القدس صرحت أنه جرى نقل 21 مريضاً غزياً، من بينهم أطفال، إلى بلدة العيزرية بالضفة، وصلوا إلى المستشفى للعلاج من أمراض مختلفة قُبيل اندلاع الحرب، بالإضافة إلى 20 مرافقاً لهم، لافتةً إلى أن بعضهم أُجري لهم حديثاً عمليات جراحية، وآخرين أُجريت لهم بعض الفحوصات ويحتاجون لاستكمال المتابعات، ولكن لم يتمكنوا من إنهاء فترة العلاج، وأُجبروا على مغادرة المستشفى بسبب الحرب.

سلطات الاحتلال رفضت تجديد التصاريح الطبية للمرضى رغم ظروفهم الصحية الصعبة، متحججة بـ"مخالفتهم للقانون"، وتقول إدارة مستشفى المقاصد لـTRT عربي، إن الشرطة الإسرائيلية اقتحمت المستشفى بحثاً عن المرضى والمرافقين من غزة في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني.

السيدة آمنة النجار في مستشفى المقاصد بالقدس، حيث التقتها TRT عربي قبل نقلها إلى الضفة. (Faiz Abu Rmeleh) (TRT Arabi)

قلق وآلام

آمنة النجار، جاءت من مدينة جباليا إلى القدس في بداية أكتوبر/تشرين الأول، قبل اندلاع الحرب لتلقي العلاج بمستشفى المقاصد، حيث التقتها TRT عربي قبل نقلها إلى الضفة، إذ تقول المريضة إنها خضعت في المستشفى لعملية جراحية في المفصل، ثم اندلعت الحرب في أثناء علاجها، ولم تستطع العودة.

وصفت آمنة الساعات التي انقطع فيها الاتصال في غزة بالأصعب، إضافة لألم جرحها وعبء التنقل من مكان لآخر في هذا الوضع الصحي الصعب، كان ألم القلق على أحبابها، تتحدث آمنة عن شعورها آنذاك قائلة: "عشنا أصعب يومين، كان فكرنا مشغولاً بالتفكير في مصير أحبابنا في قطاع غزة، ولم نتمكن من النوم لحظة واحدة".

تنفرج أسارير وجه السيدة، وتستدرك: "لكن الحمد لله، عاد الاتصال، وكان سماعنا لصوتهم بمنزلة عيد بالنسبة لي"، مشيرةً إلى أن حلمها العودة إلى غزة، رغم أن المؤسسات بالقدس الشرقية توفر جميع احتياجاتهم.

ويقول المستشار الإعلامي لمحافظة القدس السيد معروف الرفاعي، إن المحافظة وفرت المبيت وكل الاحتياجات لمن غادروا المستشفى إلى بلدة العيزرية، وعددهم 41 غزّياً بين مرضى قيد العلاج في أقسام المقاصد المختلفة ومرافقيهم.

مستشفى المقاصد بالقدس. (Faiz Abu Rmeleh) (TRT Arabi)

ويشير الرفاعي خلال حديثه مع TRT عربي، إلى أن محافظة القدس تقوم بالإشراف التام على جميع احتياجات الغزيين، وأن طاقم المحافظة يستمر في علاج هؤلاء المرضى من خلال التنسيق مع مديرية الصحة في العيزرية.

ويبيّن قائلاً: "أطباؤنا يجرون الزيارات لبعض الحالات التي تحتاج المتابعة، مرتين في اليوم، ويوفرون الأدوية والعناية اللازمة لهم"، لافتاً إلى أنه حتى اللحظة لا يوجد أي تنسيق لنقلهم من العيزرية الى أريحا من ثم إلى غزة.

من العيزرية.. حلمهم العودة إلى غزة

في العيزرية التقت TRT عربي السيدة آمنة مرة أخرى، حيث تقيم هي وبقية المرضى في قاعة أفراح وفرتها لهم محافظة القدس، وعن كيف جرت عملية نقلهم من القدس، قالت: "الوفد المنسق من المحافظة حضر إلى المستشفى، وأخبرنا أنهم يودون نقلنا إلى منطقة العيزرية، ساعدونا في حمل أمتعتنا، ثم أخذونا في الحافلات من المستشفى إلى مكان الإقامة"، مضيفةً بالقول: "نحن مرتاحون هنا، وفرت لنا محافظة القدس كل احتياجاتنا، ولا ينقصنا إلا عودتنا إلى غزة".

المرضى الغزيون الذين كانوا بمستشفى المقاصد بالقدس بعد نقلهم إلى قاعة أفراح في بلدة العيزرية بالضفة. (Faiz Abu Rmeleh) (TRT Arabi)

من الشيخ زايد شمال قطاع غزة، وصلت مهدية الشنطي إلى مستشفى المقاصد قبل شهر من اندلاع الحرب لاستكمال علاجها بعد عملية جراحية أُجريت لها في غزة، تقول لـTRT عربي: "أنهيت علاجي في بدايات أكتوبر/تشرين الأول، وكنت أستعد للعودة لغزة، لكن اندلعت الحرب وأُغلقت المعابر، وها نحن ننتظر فتحها والعودة في أسرع وقت".

وفي أثناء علاج مهدية بالقدس ومع اشتداد القصف على حي الشيخ زايد، نزحت عائلتها من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، وتضيف السيدة بأسى: "بصعوبة أتواصل معهم بسبب انقطاع الكهرباء وشبكة الاتصالات، ففي إحدى المرّات لم أستطع التواصل معهم لمدة أسبوع؛ بسبب نزوحهم من الشمال إلى الجنوب، كان هذا أصعب أسبوع عشته في حياتي".

اقتحموا المستشفى واعتقلوا أباها

أفادت شرطة الاحتلال في بيان لها، أنه "في عملية مشتركة نفذتها شرطة منطقة القدس وجنود حرس الحدود، جرى التعرف على 12 مشتبهاً به من النساء والرجال المقيمين بشكل غير قانوني في إسرائيل واعتقالهم"، مضيفةً أنها استدعت نائب مدير مستشفى المقاصد أيضاً للتحقيق.

في العيزرية التقت TRT عربي السيدة آمنة مرة أخرى، حيث تقيم هي وبقية المرضى في قاعة أفراح وفرتها لهم محافظة القدس. (Faiz Abu Rmeleh) (TRT Arabi)

وعن عملية اقتحام شرطة الاحتلال لمستشفى المقاصد تصف مهدية الواقعة: "فوجئنا بدخول الشرطة الإسرائيلية المستشفى، يبحثون عن غزيين، في هذه اللحظة لم أعرف ماذا عليّ أن أفعل وشعرت بالخوف الشديد، كيف يقتحمون مستشفى بهذا الشكل!".

وتضيف المريضة: "أبي المرافق لي منذ بداية علاجي، لم يكن معي وقتها، كان في المكان المخصص للمرافقين المقيمين، خفت بشدة عليه، أرسلت له على الواتساب وأخبرته أن يبقى في مكانه ولا يخرج، لأن الإسرائيليين يبحثون عن الغزيين المقيمين في المستشفى، ويعتقلون من معه تصريح سارٍ أو منتهٍ من دون تفريق".

أطلت مهدية من شباك غرفة المرضى، لمتابعة ما يحدث في المستشفى، متمنيةً أن ينجو أبوها من يد الاحتلال الغاشمة، لتُفاجأ بأنهم اقتحموا كرفانات المقيمين واعتقلوا أباها.

صورة التقطتها المريضة مهدية الشنطي بكاميرا هاتفها من شباك غرفتها في أثناء اقتحام الاحتلال مستشفى المقاصد بحثاً عن الغزيين. (Faiz Abu Rmeleh) (TRT Arabi)

وتتابع القول: "لا أعرف ماذا فعلوا به أو أين أخذوه، والآن أنا وحيدة وبحاجة إليه"، مطالبة الصليب الأحمر بالتدخل بأسرع وقت وفتح ممرات آمنة لعودة المرضى إلى غزة بطريقة تحفظ كرامتهم ووضعهم الخاص.

"سنعود ولو كان الموت مصيرنا"

أم محمد، مرافقة لطفلها المصاب بالسرطان، كان يتعالج في مستشفى "إتش كلينيك" برام الله، ووصلوا للعلاج قبل اندلاع الحرب بيومين، تقول: "كان لدى محمد بعض الفحوصات وكنا سنعود إلى غزة خلال أسبوع على الأكثر من وصولنا، لكننا الآن عالقون في فندق الرتنو برام الله ولا نستطيع العودة للقطاع".

وإثر القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، أُصيب الابن الآخر لأم محمد التي لديها بنت وثلاثة أولاد، كان ينتظر دوره في شراء الخبز عندما مرّ صاروخ من جانب الفرن في حي النصر أصاب طحاله.

مبنى قاعة الأفراح في بلدة العيزرية بالضفة حيث يقيم المرضى الغزيون الذين رُحِّلوا من القدس. (Faiz Abu Rmeleh) (TRT Arabi)

بقلق شديد تتابع أم محمد: "تركتهم تحت رعاية زوجي وجدتهم، لكنني لا أنام ولا آكل؛ لأني لا أعلم إذا ما كان لدى أبنائي طعام أو ماء، وعلى مدار اليوم أحاول التواصل معهم حتى أسمع صوتهم وأطمئن، ويجنّ جنوني إذا لم يردوا".

لم يكتفِ الاحتلال بحرمان أم محمد وابنها المريض بالسرطان من العودة إلى منزلهم وإصابة ابنها الآخر، بل قتلوا اثنين من إخوانها في الداخل الفلسطيني في أثناء هجوم شنوه على المقاومة الفلسطينية على الحدود، وحتى الآن لا تعرف مصير جثمانيهما المحتجزين لدى إسرائيل.

ورغم الحرب والأوضاع الصعبة تعبّر أم محمد بإصرار: "أتمنى أن أرى أهلي وأولادي، لا نريد العودة إلى هنا ولو حتى للعلاج، سنبقى في غزة لنتشارك مصير عائلاتنا نفسه، حتى لو كان الموت تحت القصف".

TRT عربي
الأكثر تداولاً