تابعنا
يقول المنتقدون إن مثل هذه البرامج تحول القضايا الإنسانية إلى صفقات تجارية لا تراعي محنة الأشخاص الذين يحاولون النجاة بأنفسهم من الاضطهاد أو الكوارث الطبيعية.

أثارت سياسة بريطانيا الجديدة للتعامل مع المهاجرين غير الشرعيين التي كُشف عنها الأسبوع الماضي موجة من الانتقادات، بما في ذلك مقارنتها بـ "سياسة" ألمانيا النازية.

لكن الحكومة بقيادة رئيس الوزراء ريشي سوناك ضاعفت جهودها في تنفيذ هذه السياسة وتعهدت علاوة على ذلك بمحاربة أي طعون قانونية لهذه الخطوة المثيرة للجدل.

يتضمن أحد بنود القانون إرسال المهاجرين على متن طائرة بتذكرة ذهاب فقط إلى رواندا، على بعد 6500 كيلومتر، والتي ستتعامل بدورها مع طلبات اللجوء الخاصة بهم. وبموجب اتفاق جرى توقيعه بين البلدين في 2022، دفعت بريطانيا بالفعل لرواندا 120 مليون جنيه إسترليني (158 مليون دولار) مقدماً لاستضافة المهاجرين.

ومع ذلك، فإن بريطانيا ورواندا ليستا الدولتين الوحيدتين اللتين وقعتا مثل هذه الاتفاقيات لتبادل اللاجئين.

إذ أنشأت عدة دول أوروبية وغربية برامج لإرسال طالبي اللجوء إلى بعض الدول الأفريقية.

تقدم هذه البرامج "المثيرة للجدل" مساعدات مالية للدول ذات الدخل المنخفض مقابل تعاونها.

يقول المنتقدون إن مثل هذه البرامج تحول القضايا الإنسانية إلى صفقات تجارية تنزع الإنسانية عن معاناة الأشخاص الذين يحاولون الهروب من الاضطهاد أو الكوارث الطبيعية.

كما تنتقد منظمات حقوق الإنسان مثل هذه الصفقات بسبب افتقارها إلى الشفافية والمساءلة، والمخاوف بشأن معاملة المهاجرين وطالبي اللجوء بشكل غير إنساني في دول الطرف الثالث.

- لماذا رواندا؟

تقول الحكومة الرواندية إن اتفاق استقبال اللاجئين من المملكة المتحدة يمنح الدولة الأفريقية فرصة "لاتخاذ إجراءات مبتكرة" لحل أزمة الهجرة واللجوء العالمية. وتضيف أن الخطة ستمكن رواندا من توفير "السلامة والأمن للمهاجرين واللاجئين مع توفير فرص التعليم والتدريب والعمل لهم".

غير أن عديداً من الخبراء يرون أن دوافع رواندا المالية هي الأكبر لقبول مثل هذا السياسة.

في هذا الصدد، يعتقد سيفات جيراي أكسوي من كينجز كوليدج لندن King’s College London والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير (EBRD) أن حرص رواندا على استضافة المهاجرين الذين سترسلهم المملكة المتحدة مدفوع بأسباب اقتصادية.

ويضيف أن "رواندا تواجه تحديات في الحصول على استثمارات أجنبية، إذ ستمكن الصفقة البلاد من تلقي الأموال اللازمة للمساعدة في تحقيق أهداف التنمية الوطنية".

ويشير الخبراء أيضاً إلى أن الأمن الداخلي والظروف الاقتصادية في رواندا ليست واعدة بشكل كبير. فرواندا تعد من بين أكثر الدول كثافة سكانية في إفريقيا، وأدى التنافس على الأراضي والموارد، في الماضي، إلى تأجيج التوترات العرقية والسياسية لفترات طويلة. ففي عام 1994، قُتل أكثر من 800 ألف من عرقية التوتسي وعديد من الهوتو في واحدة من أسوأ أعمال العنف العرقي في القارة.

وكان فيكتوار إنجابير، زعيم المعارضة في رواندا، انتقد الصفقة قائلاً إنها تخالف"اتفاقية للأمم المتحدة لعام 1951 بشأن اللاجئين".

على صعيد متصل، لا تعد هذه المحاولة الأولى لإرسال اللاجئين إلى رواندا. فبين عامي 2014 و2017، أرسلت إسرائيل لاجئين إلى رواندا. ماذا حدث لهم؟ عاد جميع اللاجئين إلى أوروبا، تقول جيراي لـ TRT World: "اللاجئ الذي وصل إلى بلد غني وديمقراطي لن يوافق على البقاء في دولة نامية وغير ديمقراطية مثل رواندا".

وتضيف أن الحل الدائم الوحيد لأزمة المهاجرين هو أن "تتوقف الحكومات الديمقراطية عن دعم الأنظمة الديكتاتورية التي تتجاهل الحقوق الأساسية لشعوبها وبالتالي تدفعها إلى طريق المنفى".

ومع ذلك، فإن بعض الروانديين يعتبرون صفقة المملكة المتحدة امتداداً لسياسة بلادهم بشأن اللاجئين والمهاجرين.

"الوضع على الأرض ليس بالأمر الجديد. قال جونسون كاناموجيري، أحد سكان العاصمة كيغالي، "تستقبل رواندا اللاجئين بانتظام، أتوا من أماكن مختلفة، إذ جرى إجلاؤهم من ليبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغيرهما، لذا فإن هذا ليس بالأمر الجديد".

أما الإسكان، فقد كان لنقل اللاجئين من المملكة المتحدة ميزانية مخصصة، وسيجرى استخدام جزء منها للمساعدة في إقامتهم في مرافق ضيافة مختارة. كما قال كاناموجيري لـ TRT World.

- التجارب السابقة

في الماضي، لجأ عديد من البلدان أيضاً إلى سياسات الترحيل للخارج فيما يتعلق باللاجئين والمهاجرين.

جرى تقديم برنامج ترحيل اللاجئين من أستراليا في عام 2001، ويستهدف المهاجرين الذين يصلون إلى المياه الأسترالية بالقوارب للحد من عبور المحيطات الخطرة وتهريب الأشخاص.

نُقل طالبو اللجوء إلى مراكز احتجاز خارجية في جزيرة مانوس في بابوا غينيا الجديدة وناورو لمعالجتهم والتعاطي معهم.

في وقت لاحق، أُنهيَت السياسة المعروفة باسم "حل المحيط الهادئ" في عام 2008 على أن يعاد إحياؤها في عام 2012 في حين أصبحت أكثر تقييداً في عام 2013، إذ رُفضت إعادة توطين الأشخاص الذين وصلوا بالقوارب ولو اعتُرف بهم لاجئين. منذ عام 2012، جرى إرسال أكثر من 4000 طالب لجوء، بما في ذلك الأطفال، إلى مراكز الاحتجاز في مانوس وناورو، حيث ينتظر البعض أكثر من خمس سنوات لإنهاء معالجة طلبات اللجوء الخاصة بهم.

وتعرضت هذه السياسة لانتقادات بسبب الظروف القاسية التي يعاني منها طالبو اللجوء إلى جانب سوء المعاملة وإيذاء النفس والاكتئاب التي تقع بين أولئك الذين يبقون لفترات طويلة في مخيمات الاحتجاز.

إذ تُوفي 14 شخصاً في هذه المراكز، وأبلغ مركز قانون حقوق الإنسان عن حالات انتحار ونقص في الرعاية الطبية واعتداءات من قبل السكان المحليين.

أُغلقت منشأة جزيرة مانوس في عام 2021 بعد حكم أصدرته المحكمة العليا في بابوا غينيا الجديدة، مع عدم توفر بيانات رسمية حول عدد الأشخاص الذين لا يزالون رهن الاحتجاز.

في عام 2014، نفذت إسرائيل سياسة لإرسال طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين، الوافدين إليها بشكل رئيسي من السودان وإريتريا، إلى رواندا وأوغندا ضمن سياسة إعادة التوطين في بلد ثالث.

مُنح أولئك الذين رُفضوا خيار العودة إلى وطنهم أو قبول 3500 دولار وتذكرة طائرة إلى أوغندا أو رواندا، مع التهديد بالسجن لأولئك الذين رفضوا الترحيل وآثروا البقاء في إسرائيل.

تزعم إسرائيل أن نحو 20 ألف شخص غادروا إسرائيل بموجب هذه السياسة، لكن جماعات حقوق الإنسان انتقدت ذلك، مشيرة إلى أنه جرى إرسال اللاجئين إلى دول لا تضمن سلامتهم.

وفر كثيرون فيما بعد ودفعوا أموالاً للمهربين لتنفيذ رحلة خطرة إلى أوروبا. وعلقت المحكمة العليا في البلاد هذه السياسة وأُلغيت في نهاية المطاف في عام 2019.

في عام 2021، أصدرت الدنمارك قانوناً يسمح بنقل اللاجئين إلى مراكز اللجوء في بلد ثالث في أثناء معالجة طلباتهم. تجري الدنمارك حالياً محادثات مع رواندا بشأن التعاون المحتمل بشأن المهاجرين.

ويزعم المسؤولون الدنماركيون أن الصفقة مع رواندا ستكون مقاربة تحتوي على توفير شروط أفضل للمهاجرين من عمليات الهجرة الحالية والتي تشكل مدخلاً للاتجار بالبشر.

- في معالجة السبب الجذري

وفقاً لبحث أجرته جامعة أكسفورد والمبادرة الدولية لحقوق اللاجئين، جرت مصادرة وثائق سفر أولئك الذين جرى ترحيلهم إلى رواندا وأوغندا في وقت سابق عند وصولهم واحتُجزوا في فنادق بها حراس مسلحون.

علاوة على ذلك، لا تعالج هذه البرامج الأسباب الجذرية للهجرة، مثل الفقر والصراع وأزمة المناخ. وبدلاً من ذلك، فإنهم يركزون على الاحتواء والردع، الأمر الذي قد لا يقلل في نهاية المطاف من الهجرة بل ويجعلها أكثر خطورة وغير نظامية.

يقول المنتقدون إن هذه البرامج قد توفر حلولاً قصيرة الأجل للضغوط السياسية والاجتماعية في الدول الأوروبية، كما توفر الدعم المالي للدول الأفريقية ولكنها تثير مخاوف أخلاقية وتفشل في معالجة القضايا الأساسية التي تدفع إلى الهجرة.

TRT عربي