لطالما كانت الألعاب الأولمبية ساحة مناكفات سياسية (Charlie Riedel/AP)
تابعنا

لسجل الصين في انتهاك حقوق الإنسان، قرَّرت واشنطن أنها ستقاطع أولمبياد بكين الشتوية المزمع إجراؤها شهر فبراير/شباط القادم. في خطوة لحقتها فيها كل من كندا وبريطانيا وأستراليا. بينما سخر منها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، معتبراً إياها "غير كافية".

واعتبرت الحكومة المضيفة، الصينية، الأمر إهانة كبيرة لبلادها، وهددَّت تلك الدول بـ"دفع الثمن غالياً". فيما ليست هي المرة الأولى التي تتحول فيها دورات الألعاب الرياضية فرصة لتسجيل الموقف السياسي، والضغط الدبلوماسي المتبادل بين أطراف يطفو على علاقاتهم مناخ التوتر، بل ولطالما كانت دورات الأولمبياد ساحة من بين ساحات التنافس خلال الحرب الباردة.

الغرب يقاطع أولمبياد بكين

أعلنت الولايات المتحدة يوم الإثنين مقاطعتها الدبلوماسية لدولة الألعاب الأولمبية الشتوية المزمع إجراؤها في بكين شهر فبراير/شباط القادم. في قرار قالت إنه يأتي بعد أشهر عدة في محاولة التوصل إلى الموقف الأنسب حيال الصين المتهمة بارتكاب إبادة في حق المسلمين الأويغور في شينجيانغ بشمال شرقي الصين.

وتبعت كل من بريطانيا وأستراليا وكندا القرار الأمريكي، منضمة هي الأخرى إلى خندق المقاطعين. كندا التي كانت علاقاتها مع الصين مضطربة على خلفية اعتقالها مسؤولة تنفيذية كبيرة في شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي، وما تلاه من احتجاز اثنين من الكنديين هناك، قبل أن يطلق سراح الثلاثة سابقاً هذا العام. فيما يجري الحديث عن دول أخرى، من بينها اليابان، ستنضم إلى المقاطعة.

وفي أول رد لها، يوم الثلاثاء، نددت الصين بما أسمته "التحيز الإيديولوجي" و"النوايا الخبيثة" للولايات المتحدة، مضيفة أن تلك المقاطعة الديبلوماسية للألعاب الأولمبية الشتوية قد تُلحق الضرر بالحوار والتعاون بين البلدين في المجالات المهمة. وقال وانغ وين بين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن "الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا استخدمت منصة الألعاب الأولمبية لأهداف سياسية"، بينما روجت وسائل إعلام صينية أن سياسيّي تلك الدول لم يكونوا مدعوين من الأساس إلى حضور الدورة.

وأبدى الاتحاد الأولمبي العالمي ارتياحه لكون القرار لم يشمل مشاركة الرياضيين. وقال متحدث باسم اللجنة الأولمبية الدولية لوكالة الأنباء الفرنسية، إن "وجود مسؤولين حكوميين ودبلوماسيين (في الألعاب الأولمبية) هو قرار سياسي بحت لكل حكومة، وتحترمه اللجنة الأولمبية الدولية تماماً في إطار حيادها السياسي".

بالمقابل قلل الرئيس الفرنسي من جدية قرار المقاطعة، معتبراً إياه إجراءاً "تافها". وقال ماكرون خلال مؤتمر صحفي أجراه الخميس بأن: "يجب أن نكون واضحين، إما أن نقوم بمقاطعة كاملة ولا نرسل رياضيين، وإما نقول إننا سنربط الأمور ونقوم بعمل كامل، بخطوة مفيدة كما هي الحال دائماً على المستوى الدولي". مضيفاً أنه مع الشركاء الأوروبيين وبالتنسيق مع اللجنة الأولمبية الدولية "سنرى القرار الذي ينبغي اتخاذه في الأسابيع المقبلة".

الأولمبياد كساحة نزاع سياسي

ليست أول مرة يتم فيها مقاطعة دورات الألعاب الأولمبية، بينما أولها كانت سنة 1956، إذ تعددت أسباب المقاطعة لكن قرارها كان واحداً؛ غياب ثمانية دول عن الدورة. وقاطعت كل من مصر ولبنان والعراق وكمبوديا الدورة احتجاجاً عن العدوان الثلاثي الذي استهدف القاهرة. وقاطعت هولندا وإسبانيا وسويسرا الألعاب رفضاً لاجتياح الاتحاد السوفياتي هنغاريا. وغابت تايوان لحضور الصين في تلك الدورة.

بعدها ستصبح الألعاب الأولمبية ساحة يجري فيها الصراع السياسي العالمي وتبرز فيها المواقف. وفي سنة 1972 قاطع عدد من الدول الإفريقية الألعاب الصيفية نظراً لسحب اللجنة الأولمبية الدولية مشاركة روديسيا (زيمبابوي قبل الاستقلال) فيها، معتبرين الأمر اصطفافاً للجنة المفترض فيها الحياد السياسي إلى جانب الاحتلال.

فيما وعلى طول تلك السنوات، كانت الحرب الباردة ترخي ظلالها على الألعاب التي شهدت مناكفات عدة لذات الأسباب بين دول المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والشرقي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي. أشهرها وأكثرها مقاطعة كانت دورة موسكو 1980، حيث قاطعت 66 دولة من الغرب والعالم الإسلامي الألعاب رداً على اجتياح موسكو أفغانستان. رد الروس وحلفاؤهم بعدها بمقاطعة أولمبياد لوس أنغيلوس 1984.

TRT عربي