هل يكون "كريدي سويس" المفلس القادم؟ / صورة: Reuters (Denis Balibouse/Reuters)
تابعنا

يعيش بنك "كريدي سويس" السويسري أزمة انخفاض سيولة حادة، هي الأكبر منذ عام 2008، مهددة بإفلاس البنك بعد تراجع أسعار أسهمه. فيما تحاول الإدارة، بتعاون مع البنك المركزي السويسري والسلطة الفيدرالية المالية، إنقاذه من السقوط.

فيما تؤدي هذه الأوضاع التي يعرفها البنك السويسري إلى انحدار منسوب ثقة المستثمرين في القطاع البنكي، خصوصاً وأنها تأتي على بعد أيام فقط من إفلاس بنك "سليكون فالي" الأمريكي. وهو ما يسبب اضطرابات كبيرة في أسواق المال العالمية، تهدد بأزمة شبيهة بتلك التي شهدها عام 2008.

اضطرابات قديمة

منذ الخريف الماضي، وبنك "كريدي سويس" يشهد أوضاعاً مالية مضطربة. ذلك بعد انكشاف عدد من الفضائح المالية التي تورط بها البنك، بإجرائه معاملات مع تجار المخدرات وأنظمة سياسية فاسدة، وهو ما أحدث نزيفاً كبيراً في عملائه، وبالتالي انخفاضاً حاداً في السيولة النقدية وخسائر مالية سنوية قدرت بـ7.8 مليار دولار.

وسادت شائعات بقرب انهيار البنك، وقالت مجلة فوربس في تقرير نشرته، شهر أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، إن الشائعات بأن المركز الرأسمالي لبنك "كريدي سويس" في خطر كبير بدأت تكثر بالتزامن مع انخفاض أسهمه إلى مستويات متدنية جديدة، وارتفاع تكلفة تأمينه ضد التخلف عن السداد إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقدين.

وقتها قدّر محللون بأن المجموعة قد تحتاج إلى ما يصل إلى تسعة مليارات فرنك سويسري (تسعة مليارات دولار)، وقد يتعين الحصول على بعضها من مستثمرين والبعض الآخر من بيع أصول. كما شرعت إدارة البنك في التواصل مع مستثمرين جدد، أبرزهم صناديق الثروة السيادية في الخليج.

واستجابت ثلاث مؤسسات استثمارية خليجية لهذه الطلبات، وهي جهاز قطر للاستثمار (QIA) والبنك الأهلي السعودي (SNB) ومجموعة العليان السعودية (TOG). فيما كان البنك الأهلي السعودي أكبر المساهمين، إذ اشترى، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما يقدر بـ9.9% من أسهم "كريد سويس"، وساهم في زيادة رأس المال بـ1.5 مليار فرنك سويسري (1.6 مليار دولار) .

لن نستمر في إنقاذه!

أدت هذه الاستثمارات الخليجية إلى استقرار نسبي للبنك السويسري، غير أن الاضطرابات عاودت الحدوث، يوم الأربعاء، بعد أن أعلن رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي السعودي عمار الخضيري، أن البنك لا يستطيع زيادة الاستثمار في "كريدي سويس" ذلك "لتداعيات عدة، أبسطها تنظيمية".

وقال الخضيري في حوار مع وكالة رويترز: "لا ندرس الآن أي فرص محددة (...) إذا كان هناك أي شيء، خلال الاثني عشر شهراً الماضية، فإن السوق السعودية هي واحدة من أكثر الأسواق إثارة. هناك الكثير لنفعله هنا من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من اقتصادنا القوي".

هذه التصريحات كان لها وقع الصدمة على "كريدي سويس"، إذ أدت إلى انخفاض سعر أسهمه بـ30%في جلسات التداول يوم الأربعاء، وبالتالي انهيار القيمة السوقية للبنك. وهو ما دفع عدداً من البورصات الأوروبية لإيقاف تداول أسهم البنك السويسري.

ويزيد من وطأة متاعب "كريدي سويس"، الحالة العامة التي تعرفها الأسواق المالية بعد إعلان إفلاس بنك "سيليكون فالي" (SVB) الأمريكي، في 10 مارس/آذار الماضي، والتي يطبعها التشكك والتخوف من انتقال عدوى الإفلاس إلى بنوك أخرى.

هل يسقط "كريدي سويس"؟

وفي وقت سابق، قال رئيس مجلس إدارة بنك كريدي سويس أكسل ليمان إن المصرف لا يحتاج إلى مساعدة حكومية، مضيفاً أنه سيكون من غير الدقيق مقارنة المشكلات التي يواجهها بانهيار مصرف "سيليكون فالي بنك" (إي في بي) الأمربكي، بسبب الاختلاف في التنظيم.

وتابع ليمان "لدينا نسب رأسمال قوية، وميزانية عمومية قوية" مشيراً إلى أنهم بدؤوا تنفيذ خطة إعادة الهيكلة الجذرية للبنك التي كشف عنها في أكتوبر/تشرين الأول.

بالمقابل، اتخذت مجموعة "كريدي سويس" "إجراء حاسماً" لتعزيز السيولة، ذلك عبر اقتراض ما يصل إلى 50 مليار فرنك (54 مليار دولار) من البنك المركزي السويسري، وعرضت إعادة شراء الديون في محاولة لعكس اتجاه الانهيار في ثقة السوق.

وجاء في بيان "كريدي سويس" أن: "هذه السيولة الإضافية ستدعم الأنشطة الأساسية للمؤسسة وستوفّر السيولة للعملاء الأساسيين في وقت يتخذ فيه المصرف الخطوات اللازمة لإنشاء بنك أبسط وأكثر تركيزاً على احتياجات العملاء".

وبدورها، سعت السلطات السويسرية إلى طمأنة الأسواق. وقال بيان مشترك عن المركزي السويسري والسلطة الفدرالية للرقابة على المؤسسات المالية "FINMA"، بأن البنك السويسري "أكبرُ من أن يُسمح بإفلاسه"، وأن "المصاعب التي تواجهها بعض البنوك في الولايات المتحدة لا تشكل خطراً مباشراً على السوق المالية السويسرية"، و"إذا لزم الأمر، سيوفر المصرف الوطني السويسري السيولة اللازمة لكريدي سويس".

ومع ذلك، ما زال المحللون متخوفين من إفلاس البنك السويسري. وهو ما عبر عنه المحلل في شركة "فينالتو" التجارية نيل ويلسون، بقوله: "إذا كان بنك كريدي سويس يواجه فعلاً مشكلة وجودية، فإننا سنكون أمام واقع مُر حقيقي. فالمصرف يُعتقد أنه أكبر من أن يقع".

TRT عربي