تابعنا
مع مرور عامين على الحرب بدا كأن الطرفين يستعدّان لمواجهة استنزاف طويلة الأمد، إذ أعلنت وزارة الدفاع الروسية نهاية عام 2022 وجود خطط لديها لرفع عدد مقاتلي الجيش الروسي إلى 1.5 مليون مقاتل.

مضى على الحرب الروسية-الأوكرانية عامان كاملان، ودخلت عامها الثالث في 24 من فبراير/شباط الحالي، بعد أن أخفقت الأطراف في التوصل إلى اتفاق سلام يُنهي المواجهات التي خسر فيها الطرفان الآلاف من الجنود، وتتمسك روسيا بتحقيق أهداف عملياتها العسكرية المتمثلة في تغيير الحكومة الأوكرانية، في حين لا تتراجع كييف عن مطلب استعادة جميع الأراضي التي دخلتها روسيا.

ومع مرور عامين على الحرب بدا كأن الطرفين يستعدّان لمواجهة استنزاف طويلة الأمد، إذ أعلنت وزارة الدفاع الروسية نهاية عام 2022 وجود خطط لديها لرفع عدد مقاتلي الجيش الروسي إلى 1.5 مليون مقاتل.

أبرز التطورات الميدانية في الحرب

شهدت الحرب الروسية-الأوكرانية خلال عامين كاملين محطات مهمة، أبرزها وصول القوات الروسية خلال الأسبوع الأول من الهجوم إلى ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف، وسيطرتها على مطار هوستوميل قبل أن يستعيده الجيش الأوكراني بعد ساعات.

وفي سبتمبر/أيلول 2022 أعلنت روسيا بشكل رسمي ضمها أربعة أقاليم من أوكرانيا، وهي: دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا، من دون أن يعترف المجتمع الدولي بهذه الخطوة.

وبعد أقل من شهرين على إعلان روسيا ضم الأقاليم الأربعة، تمكن الجيش الأوكراني في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 من استعادة خيرسون بعد هجوم مضاد استمر قرابة شهرين.

وتكمن أهمية استعادة خيرسون في كونها تضم ميناءً على البحر الأسود وتطل أيضاً على بحر آزوف، وتحتوي مركزاً لبناء السفن، وهي المدينة الوحيدة التي سقطت تحت سيطرة القوات الروسية، كما أنها مصب لنهر دنيبر وتعد مصدراً لمياه الشرب ومياه الزراعة في شبه جزيرة القرم.

في نهاية مايو/أيار 2023، دخلت قوات فاغنر إلى مدينة باخموت بعد أشهر طويلة من القتال، حيث ركز الجيش الروسي على باخموت كونها عقدة مواصلات، وتمهد إلى مزيدٍ من التقدم باتجاه باقي مناطق مقاطعة دونيتسك.

ويعد الهجوم الأوكراني المضاد الذي انطلق في يونيو/حزيران 2023 من الأحداث المهمة في مسار الحرب، إذ حاولت كييف العودة مجدداً إلى بحر آزوف بعد تجاوز خطوط الدفاع الروسية في زابوريجيا ودونيتسك، واستطاعت القوات الأوكرانية من خلاله تجاوز خط واحد فقط من أصل ثلاثة خطوط دفاعية متينة، ولم تتمكن من الوصول إلى بحر آزوف.

اتخذت القوات الأوكرانية خطوة جريئة في سبتمبر/أيلول 2023 عندما هاجمت مقر أسطول البحر الأسود التابع لروسيا في شبه جزيرة القرم، وأتبعته بهجمات ضد السفن الروسية في المنطقة؛ مما أدى إلى تدمير بعضها وإعاقة حركتها بشكل عام.

ومع دخول الحرب عامها الثالث، سيطرت روسيا على بلدة أفدييفكا المتاخمة لمدينة دونيتسك، مما زاد في حظوظ روسيا في السيطرة على كامل إقليم دونيتسك.

الموازين السياسية

يدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العام الثالث للحرب وهو أكثر سيطرة على الوضع الداخلي، خصوصاً بعد وفاة أبرز معارضيه، أليكسي نافالني، داخل السجن، وادَّعت السلطات الروسية تعرضه لوعكة صحية.

ويعتقد الباحث في الشأن الروسي أحمد دهشان، أن الكرملين استطاع خلال عام 2023 تحديداً الإمساك أكثر بزمام الأمور في البلاد، نظراً إلى مغادرة غالبية المناهضين للرئيس بوتين خارج البلاد، ثم أتت حادثة موت نافالني لتؤكد هذه السيطرة.

ويبيّن دهشان في حديثه مع TRT عربي أن السلطة الروسية أقنعت إلى حد كبير الشارع بأن البلاد تتعرض لهجمة غربية، وبالتالي مَن ينتقد السلطة هو متواطئ مع الغرب.

من جانبه يرى الباحث في الشأن الأوكراني خليل عزيمة أن أوكرانيا بدورها حققت مكتسبات سياسية خلال العامين الماضيين، أهمها البدء باتخاذ خطوات عملية من أجل إدماج أوكرانيا في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي.

ويؤكد عزيمة في حديثه مع TRT عربي أن حصول أوكرانيا على مكانة "الحلف الأول" لدى بريطانيا مكتسب سياسي مهم، خصوصاً بعد أن تطور الأمر إلى توقيع اتفاقية أمنية بين لندن وكييف تتضمن التعاون الاستخباري والتدريب العسكري وتطوير الصناعة الدفاعية لمدة 10 سنوات كاملة.

ويتحدث الباحث السياسي أسامة بشير عن خسارة سياسية روسية إضافية، متمثلة في تراجع دور روسيا، وعدم نظر كثير من الدول إليها على أنها قوة عظمى، نظراً إلى عدم قدرتها على حسم المعركة مع أوكرانيا، وعدم تحقيق الأهداف الروسية المعلنة.

وفي حديثه مع TRT عربي يُعرب بشير عن اعتقاده أن المظاهرات المناهضة لبوتين ستتجدد، خصوصاً بعد موت نافالني ووجود أصوات بين أنصاره تتهم السلطات الروسية بتصفيته.

عوامل تؤثر في مسار الحرب

ويرى الباحث خليل عزيمة أن هناك عوامل عدّة من شأنها التأثير في مسار الحرب الأوكرانية-الروسية في المستقبل، خصوصاً من ناحية استمرار الدعم الغربي لكييف.

ويشير إلى وجود تطورات مقلقة في أوروبا قد تؤثر مستقبلاً في موقف الدول الأوروبية من أوكرانيا، وبدأت هذه التطورات مع فوز حزب "سمير إس دي" بزعامة روبرت فيكو، الموالي لروسيا، بانتخابات البرلمان السلوفاكي في سبتمبر/أيلول 2023، ثم فوز حزب يميني متطرف يتزعمه غيرت فيلدرز بالانتخابات الهولندية في نوفمبر/تشرين الثاني، بالتوازي مع تراجع أحزاب الوسط في أوروبا.

ويعتقد عزيمة أن هذا التراجع قد يطال كلاً من بلجيكا والنمسا والبرتغال وألمانيا بعد مؤشرات على ازدياد شعبية الحزب المتطرف "البديل من أجل ألمانيا".

ويوضح أن وصول دونالد ترمب إلى الرئاسة الأمريكية سيزيد من التعقيدات أمام الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وقد أرسل بالفعل هو وأنصاره رسائل سلبية عدة تضع شكوكاً حول استمرار الدعم لأوكرانيا حال وصوله إلى السلطة.

ويرجح أسامة بشير أن يكون العام الثالث للحرب أكثر دموية، وقد نشهد استهداف مصالح روسيا خارج حدود الجغرافيا الروسية والأوكرانية، وبالتالي من المحتمل أن يحصل تحرك جماهيري روسي رغم قمع السلطات للمناهضين لها واعتقالها المئات منهم في فبراير/شباط الجاري.

ويعتقد بشير أن التحرك الجماهيري الروسي، في حال حصل، سيُسهم إلى حد كبير في تحديد مصير الحرب، وربما يدفع السلطات الروسية إلى الدفع باتجاه المفاوضات.

TRT عربي