الصين (AP)
تابعنا

وسط أجواء من التنافس وترقب سيناريوهات المواجهات المستقبلية بين قطبَي الصراع والتنافس العالمي، واشنطن وبكين، سرّبت تقارير إعلامية أجنبية مجموعة من الوثائق السرية لمسوَّدة الصفقة التي تعتزم الصين تنفيذها مع عدد من دول المحيط الهادئ، بهدف تعزيز وجودها ونفوذها في المنطقة، التي صوبت الولايات المتحدة اهتمامها الكبير عليها رغم انشغالها بالحرب الروسية-الأوكرانية.

كانت الولايات المتحدة أعلنت قبل ذلك مجموعة من الشراكات الاقتصادية والتحالفات الأمنية والاستراتيجية المثيرة للانتباه، مع حلفائها من بلدان المحيط الهادئ، لمحاولة كبح جماح التنين الصيني في المنطقة التي تعتبرها واشنطن الأكثر حيوية في العالم، والتي يؤثّر مستقبلها في الناس بكل مكان، باعتبارها موطناً لأكثر من نصف سكان الكوكب ونحو ثلثَي الاقتصاد العالمي.

وباتت بذلك منطقة المحيط الهادئ، التي كانت إحدى سماتها الهدوء، مسرحاً لاستعراض القوى بين البلدين المتنافسين، ونقطة مواجهة ساخنة للحرب الباردة بينهما.

معالم صفقة الصين في المحيط الهادئ

استرعت جولة الزيارات الماراثونية التي أجراها مؤخراً وزير الخارجية الصيني وانغ يي، لثماني دول في المحيط الهادئ خلال عشرة أيام فقط، انتباه القادة الغربيين والمحللين الاستراتيجيين، لفحوى هذه الزيارات، التي بدأ بعض تفاصيلها يظهر تدريجياً، على أثر التسريبات التي نشرتها الصحافة العالمية.

فبعد الاتفاقية الأمنية المثيرة للجدل، التي وقّعَتها الصين مع جزر سليمان خلال شهر مارس/آذار الماضي، أُميطَ اللثام مجدَّداً عن مُسوَّدة اتفاقية أمنية اقتصادية شاملة، تنوي الصين إبرامها مع عدد من دول المحيط الهادئ في سبيل علاقة وشراكة أوثق بكثير مما كانت عليه، وبحجم التهديد الذي تمثِّله لها الدول الغربية و "القوى العظمى" في هذه المنطقة الحيوية.

وتقترح الصين في هذه الاتفاقية المشاركة في تدريب الشرطة والأمن السيبراني ورسم الخرائط البحرية الحساسة، واكتساب وصول أكبر إلى الموارد الطبيعية.

كما تغطّي الاتفاقية واسعة النطاق مجموعة كبيرة من القضايا، بما في ذلك التجارة والتمويل والاستثمار والسياحة والصحة العامة والدعم لمجابهة Covid-19 وإقامة التبادل الثقافي وتعلُّم اللغة الصينية والتدريب وتوفير المنح الدراسية، فضلاً عن الوقاية من الكوارث والإغاثة.

ووفقاً لما أظهرته الوثائق المسربة، أكدت بيكين التزامها مضاعفة حجم التجارة الثنائية بحلول عام 2025 مقارنةً بعام 2018.

كما تَعِدُ بتقديم مليونَي دولار إضافية لدول جزر المحيط الهادئ، لمساعدتها على مجابهة وباء كورونا، بالإضافة إلى إرسال 200 موظف طبي صيني، على مدى السنوات الخمس المقبلة. وتعهدت الصين أيضاً بتقديم 2500 منحة حكومية للمنطقة.

ولكن التركيز الكبير للاتفاقية سيكون على المجال الأمني، ومشاركة الصين في أمن المحيط الهادئ.

وتأمل الصين، حسب ما جاء في تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية على ضوء الوثائق المسربة التي حصلت على نسخة منها، أن توقّع عشر دول على الاتفاقية الشاملة التي تقترحها، خلال الاجتماع الثاني لوزراء خارجية الصين والمحيط الهادئ، الأسبوع القادم في "فيجي" (جنوب المحيط الهادئ).

في هذا السياق كتب فرانك باينيماراما رئيس وزراء فيجي في تغريدة على تويتر:"لقد سُئلت عن أجندة فيجي. على جميع الطاولات، الشيء الأكثر أهمية هو شعبنا وكوكبنا، فضلاً عن احترام القانون الدولي".

الأمن والتجارة.. أهمّ بنود الصفقة الشاملة

انطلاقاً من أهمية المجال الأمني على الأجندة الصينية، تقترح الصفقة "توسيع التعاون في مجال إنفاذ القانون، والاشتراك في مكافحة الجريمة العابرة للحدود وإنشاء آلية حوار حول قدرة إنفاذ القانون والتعاون الشرطي".

كما تقترح إجراء "تدريب شرطة متوسط ​​وعالي المستوى" لبلدان جزر المحيط الهادئ، فضلاً عن المساعدة على بناء مختبرات لاختبار بصمات الأصابع وتشريح الجثث الجنائي والأدوية والطب الشرعي الإلكتروني والرقمي.

كما تتطلع الاتفاقية إلى تعزيز التعاون في مجال "الأمن السيبراني" وتعزيز "صياغة قواعد لإدارة البيانات العالمية".

أما في المجال التجاري فتسعى الصين عبر هذه الصفقة واسعة النطاق، لإنشاء "منطقة تجارة حرة" مع دول المحيط الهادئ، إضافة إلى السعي لتوسيع التعاون المتبادل في مجالات البنية التحتية والطاقة والتعدين وتكنولوجيا المعلومات والتجارة الإلكترونية والزراعة والغابات ومصايد الأسماك.

وفي اقتراح مثير لمخاوف الدول الغربية، تقترح الصين أيضاً الاشتراك في إنتاج "خطة بحرية مكانية" وفي رسم الخرائط البحرية الحساسة، فضلاً عن السماح للصين بالحصول على قدر أكبر من الموارد الطبيعية.

في هذا الإطار كشفت تقارير سابقة أن الصين تهيمن فعلاً على صناعات استخراج الموارد في المحيط الهادئ.

هل تشعل الصفقة حرباً باردة بين الصين والغرب؟

وفيما تعكس مسودة الصفقة، التي كُشف إلى الآن بعض جزئياتها فقط، تحولاً واضحاً في الرؤية الصينية لمنطقة المحيط الهادئ، يتخوف مسؤولون ومحللون من اشتعال حرب باردة جديدة بين بكين والعواصم الغربية.

في هذا السياق قال ديفيد بانويلو، رئيس ولايات ميكرونيزيا الموحدة التي وقعت اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة، في رسالة لـ21 شخصية من قادة المحيط الهادئ، اطّلعت على نسخة منها وكالة رويترز للأنباء، إن بلاده ستجادل بضرورة رفض الاتفاق، لأنه يخشى أن يؤدي ذلك إلى اندلاع "حرب باردة جديدة" بين الصين والغرب.

وأضاف أن المنطقة تخاطر بأن تصبح "عالقة في مرمى نيران الدول الكبرى".

كما حذّر من أن الصفقة تسعى لـ"ضمان النفوذ الصيني في الحكومة"، فضلاً عن السيطرة الصينية على البنية التحتية للاتصالات ومصايد الأسماك الجماعية وقطاعات الموارد الاستخراجية.

ويشارك رئيس ميكرونيزيا، الموقف ذاته مع عدد من قادة جزر المحيط الهادئ، التي انخرطت في تحالفات استراتيجية تاريخية مع الولايات المتحدة، وترفض بقوة بنود الصفقة الصينية، خشية بسط موطئ قدم للتنين الصيني في المنطقة.

TRT عربي - وكالات