تابعنا
بات مشهد خيام النازحين منتشراً في مدينة رفح جنوب القطاع، في الشوارع والطرقات العامة، والمخيمات التي نُصبت بشكل عشوائي وأخرى نظّمتها جهات خيرية، وجميع النازحين يعيشون في قلق وخوف من أن تشنَّ إسرائيل عملية برية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة

منذ بداية العملية البريّة التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهي تُجبر سكان غزة على النزوح من مناطق شمال القطاع ووسطه إلى جنوبه، فقد كانت تدّعي إسرائيل بأنّها مناطق آمنة، ورغم ذلك تشهد عمليات قصف واستهداف بين وقت وآخر، أدّت إلى سقوط شهداء من بينهم نساء وأطفال.

خلال الأيام والأسابيع الماضية تلوّح إسرائيل بشن عملية عسكرية برية في مدينة رفح، التي باتت تضم نحو مليون و300 ألف نازح من مناطق مختلفة في القطاع، على الرغم من رفض هذه العملية دوليّاً، وهو ما يثير خوفاً وقلقاً كبيرين لدى النازحين، فقد كانت رفح بمثابة الملاذ الآمن والأخير لهم في قطاع غزة.

أنفقت عائلة شعث مبالغ مالية خلال السنوات الأخيرة حتى تحصل على شقة سكنية في مدينة رفح، لتضمّ العائلة المكوّنة من أربعة أفراد، يعيشون في أمن وأمان، وحياة مليئة بالتفاصيل الجميلة التي تجمع العائلة الصغيرة.

تقول هدى القدرة، وهي أم لطفين، إنّ زوجها دفع أمواله حتى تعيش عائلته في شقة، ومع التهديدات الإسرائيلية بشنّ عملية عسكرية برية داخل المدينة، أصبحت أخشى على عائلتي وشقتي، أسمع وأتابع الأخبار من الصحفيين الذين يعيشون بجواري في الخيام.

وفي حديثها لـ"TRT عربي"، تعرب "القدرة" عن انزعاجها من هذه الأخبار، إذ تخشى أن تعيش في خيمة، لأنّ العيش فيها صعب، ومدّة تلك الإقامة غير محددة، متسائلة: هل سنعود إلى بيوتنا مجدداً؟ مؤكّدة أنَّ النازحين محرومون من أبسط الاحتياجات، مثل دورات المياه، والمياه النظيفة للشرب، ومعاناة نقص الطعام، والحياة البدائية التي خلفتها الحرب على قطاع غزة، كل هذه التخوفات تلاحقها في منامها على شكل كوابيس، حتى أصبحت لا تعرف للنوم طريقاً.

حسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإنَّ الجيش الإسرائيلي ألقى ما يعادل 66 ألف طن متفجرات على قطاع غزة، دمّرت مستشفيات وجامعات وبنية تحتية، وبيوتاً وأحياء سكنية، وحسب الإحصائيات الأخيرة، دمّر الجيش الإسرائيلي 70 ألف وحدة سكنية كليّاً و290 ألف وحدة سكنية جزئيّاً وباتت غير صالحة للسكن.

تضيف القدرة: "كلّما أفكر أنَّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سيمكث في منزلي كما جرى في بيوت أخرى، أشعر بالقهر، وفي كثير من الأحيان أبكي، وحولي أطفالي وزوجي، دائماً يخطر ببالي سؤال أين سنذهب، لا يوجد لدينا بيت آخر، ولا حتى خيمة، وأسعار البيوت باتت مرتفعة ولا نستطيع شراءها لأنّ زوجي توقّف عن العمل بسبب الحرب".

ترسم هدى في مخيلتها خطّة للإخلاء، إذ تفكّر في ربط ابنتها، عشر سنوات، بيدها عبر حبل قصير، حتى لا تضيع منها مع العدد الكبير من النازحين الذين سيُضطرون إلى النزوح من رفح.

تقاطعنا ابنتها "تالا" التي تخشى على مستقبلها التعليمي، وتطرح سؤالاً على والدتها: "لو طلعنا يا ماما ممكن آخذ ألعابي؟"، سؤال كفيل بفرض الصمت على المكان دقيقة.

تقول "تالا" إنّ صديقاتها اللواتي تعرفت عليهنّ خلال الحرب قالوا لها إنَّ الجيش مكث في بيوتهم، وخرَّب غُرف نومهم وألعابهم، وهو ما تخشاه "تالا" وأمُّها.

وتضيف الطفلة أنَّ والدتها طلبت منها جمع ملابسها الضرورية وستأخذ معها لعبة واحد فقط، وهو ما ترفضه "تالا"، تقاطعنا والدتها قائلة: "تالا، ما بتفكر بملابسها قد ما بتفكر بألعابها".

الخوف من التهجير إلى سيناء

بات مشهد خيام النازحين منتشراً في مدينة رفح جنوب القطاع، في الشوارع والطرقات العامة، والمخيمات التي نُصبت بشكل عشوائي وأخرى نظّمتها جهات خيرية، وجميع النازحين يعيشون في قلق وخوف من أن تشنَّ إسرائيل عملية برية في مدينة رفح جنوبي القطاع، وبالتالي تهجيرهم قسراً إلى سيناء.

هاجس التهجير القسري إلى سيناء المصرية يلاحق كل النازحين الفلسطينيين، ما دفع النازح ياسر زقوت إلى الخروج من رفح قبل أن تبدأ العملية العسكرية، يلملم أغراضه ومقتنياته التي استطاع شراءها وتوفير بعض منها عبر المساعدات، ووضعها داخل المركبة التي ستُقلُّه مع عائلته إلى مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.

يقول ياسر لـ"TRT عربي"، إنّه ينزح للمرة السابعة بعد أن كان في شمال القطاع، وتنقّل بين كامل المحافظات في القطاع وصولاً إلى رفح، وما أن سمع التهديدات بعملية عسكرية جديدة قال: "الآن أستطيع أن آخذ أغراضي، ربما مع النزوح وبدء العملية لن أستطيع أحمل شيء!".

قبل أن يغادر رفح، يحدثّنا ياسر بأنّ خيمته تبعُد أمتاراً من محور فيلادلفيا، الذي تهدّد إسرائيل بشنّ عملية بريّة فيه، وجوده هنا خطر، وقد يدفع الجيش الإسرائيلي النازحين إلى سيناء، لذلك قبل حدوث هذا الأمر اضطر إلى النزوح مجدداً، وحتى قبل أن يلقي الجيش الإسرائيلي منشورات ورقية عليهم، على اعتبار أنها الوسيلة التي تخبرهم بالتحذير في كل مرة.

قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، نقلاً عن مصادر مصرية، إنّ مصر تقيم في هذه الأثناء منطقة عازلة محاطة بجدران خرسانية قرب الحدود مع القطاع، تحسُّباً لاحتمال تدفّقٍ كبير للنازحين الفلسطينيين، بسبب العملية العسكرية المحتملة على رفح.

وأضافت الصحيفة أنَّ المنطقة العازلة تقع شمال سيناء المصرية وتبلغ مساحتها، حسبما أعلن، 13 كيلومتراً مربعاً، بعيدة عن التجمعات السكنية.

بينما تردُّ فصائل المقاومة الفلسطينية، خصوصاً حركة حماس، بأنَّ أي هجوم لجيش الاحتلال على مدينة رفح يعني نسف مفاوضات الأسرى، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاول التهرّب من استحقاقات صفقة التبادل بارتكاب إبادة جماعية وكارثة إنسانية جديدة.

آلاف من النازحين لا يجدون مأوى لهم حتى الآن، وهم ينتظرون مصيراً مجهولاً، كعائلة الكحلوت، التي تعيش في خيمة على الطريق في مدينة رفح، ويقول رب العائلة، فايز الكحلوت، إنهم لن يخرجوا من رفح، لأنهم ببساطة يعيشون في رعب من اليوم الأول للحرب، وباتوا مشرّدين من منطقة إلى أخرى، ويعيشون تحت النار يوميّاً حتى في هذه المدينة التي يدَّعي الجيش الإسرائيلي أنها "آمنة".

يضيف الكحلوت لـ"TRT عربي"، أنّهم يعوّلون على المفاوضات الجارية في مصر، التي تبذلها الوساطات القطرية والمصرية والأمريكية، إذ يتابعون كل خبر على أمل أن يحدث شيء يحرّك المفاوضات إلى الأمام، ويمنع العملية العسكرية على رفح.

ويطالب الكحلوت، كغيره من الفلسطينيين، بوقف الحرب وعودتهم إلى بيوتهم التي أجبروا على تركها في شمال القطاع.

TRT عربي