مظاهرة لدعم اتفاقية لحماية الأرض من الاحتباس الحراري  (David Cliff/AP)
تابعنا

وتأتي أهمية مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرون للتغير المناخي المعروف باسم "مؤتمر الأطراف" COP26 كأول مؤتمر مناخي أممي عالمي ينعقد لمراجعة تقدم الجهود العالمية لتنفيذ اتفاقية باريس الموقعة عام 2015، والتي تهدف إلى الحد بشكل كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين نهاية هذا القرن، مع السعي إلى الحد من هذه الزيادة إلى 1.5 درجة مئوية.

ووضعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية على طاولة المفاوضات حملاً ثقيلاً على عاتق زعماء العالم، حيث أصدرت قبيل ساعات من المؤتمر، تقريرها المؤقت بعنوان "حالة المناخ في عام 2021: الظواهر المتطرفة والآثار الكبيرة" والذي يقدم لمحة سريعة عن تداعيات تغير المناخ ومؤشرات مناخية من قبيل تركيزات غازات الاحتباس الحراري ودرجات الحرارة والطقس المتطرف ومستوى سطح البحر وزيادة حرارة المحيطات وزيادة حموضتها، إضافة إلى انحسار الأنهار الجليدية وذوبان الجليد، والآثار الاجتماعية والاقتصادية.

وتشير الأرقام الواردة في التقرير إلى أن السنوات السبع الماضية تسير إلى أن تكون أدفأ سبع سنوات على الإطلاق استناداً إلى بيانات الأشهر التسعة الأولى من عام 2021.

وبحسب التقرير فإن "التركيزات القياسية لغازات الدفيئة في الغلاف الجوي وما يرتبط بها من تراكم للحرارة أدت إلى دفع الكوكب إلى منطقة مجهولة، إلى جانب تداعيات بعيدة الأمد على الأجيال الحالية والقادمة".

ويلقي التقرير الضوء على آثار التغير المناخي وتهديد الأمن الغذائي ونزوح السكان والضرر الكبير على النظم البيئية والحيوية، وتقويض التقدم الذي تم إحرازه نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وتكتسب قمة المناخ في غلاسكو أهمية استثنائية، ويرجح المراقبون أن تكون قمة غلاسكو الأكثر أهمية منذ قمة باريس، مع تصدر الأحداث المناخية الأجندات السياسية في العديد من الدول، وبعد ظواهر مناخية قاسية وموجات حر غير مسبوقة شهدها العالم هذا العام، ومواسم جفاف حارقة، ومع فيضانات مدمرة سادت أجزاء كبيرة من أوربا والصين، وحرائق الغابات التي تصدرت نشرات الأخبار في جميع أنحاء العالم.

وقفة تاريخية

لدراسة وتوقع فرص نجاح مؤتمر غلاسكو في تحقيق الأهداف المنشودة، لا بد من الوقوف على تاريخ المؤتمرات البيئية والمناخية السابقة، التي لم تحقق حتى الآن أي من الالتزامات العالمية لوقف تدهور البيئة وكبح استخدام الوقود الأحفوري والأنشطة البشرية والصناعية التي تؤدي إلى زيادة غازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.

وكان مؤتمر الأمم المتحدة لعام 1972 حول البيئة البشرية المعروف باسم "مؤتمر ستوكهولم" أول مؤتمر أممي على الإطلاق يشمل عنوانه كلمة "بيئة"، ويعتبر نقطة تحول في تطوير السياسات البيئية الدولية، بهدف صياغة رؤية أساسية مشتركة حول كيفية مواجهة تحدي الحفاظ على البيئة البشرية وتعزيزها.

وكانت "قمة الأرض" التي عقدت في ريو دي جانيرو البرازيلية عام 1992 النقطة الحاسمة الأخرى في تاريخ العمل المناخي العالمي حيث فتح باب التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ UNFCCC .

ونصت الاتفاقية في بندها السابع على تأسيس مؤتمر الأطراف Conference of the parties (COP) بوصفه الهيئة العليا لهذه الاتفاقية، بحيث يتخذ المؤتمر القرارات اللازمة لتنفيذ الاتفاقية التي تضمنت التزامات لحصر الانبعاثات الغازية بصورة كافية، والتعاون على التكيف مع آثار تغير المناخ، ومساعدة البلدان المتقدمة للبلدان النامية المعرضة بصفة خاصة لآثار التغير المناخي في تغطية تكاليف التكيف مع تلك الآثار الضارة.

وعقد المؤتمر الأول للأطراف في برلين عام 1995، وشهد مؤتمر الأطراف الثالث عام 1997 توقيع بروتوكول كيوتو الذي تبنى خطة لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري بمتوسط 6 إلى 8% دون مستويات 1990 بين الأعوام 2008-2012.

وفي عام 2005 وخلال مؤتمر الأطراف الحادي عشر في مونتريال، كندا، عقدت الدورة الأولى للدول الأطراف في بروتوكول كيوتو إيذاناً بدخوله حيز التنفيذ، وبهدف تمديد عمره إلى ما بعد انتهاء صلاحيته عام 2012 والتفاوض بشأن تخفيضات أعمق لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وشهد مؤتمر باريس 2015 تعهد الدول الأطراف بالإبقاء على ارتفاع درجة حرارة الأرض تحت مستوى درجتين مئويتين، مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وتفويض الدول لوضع خطط محدثة لتحقيق ذلك الهدف في عام 2020.

التحديات وفرص النجاح

فشلت كل هذه الخطط في تحقيق التزام دولي شامل تجاه خفض الانبعاثات الغازية، وبقيت القرارات منذ قمة الأرض، حبراً على ورق، نظراً لعدم الوفاء من الدول الصناعية الكبرى بالتزاماتها، والتي تعتبر مسؤولة عن أكثر من 80% من غازات الدفيئة، والملوث الأساسي لكوكب الأرض، إضافة إلى التكلفة الاقتصادية الكبيرة جراء الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر والطاقات المتجددة، وتضارب بنود الاتفاقيات المناخية مع مصالح وحسابات الدول اقتصادياً وسياسياً.

ويرى ديفيد فيكلينغ في تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ، أن كمية الانبعاثات الغازية التي تم إطلاقها منذ مؤتمر الأطراف الأول عام 1995 تعادل حوالي 894 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، أي حوالي 37 ٪ من جميع الملوثات المسببة للاحتباس الحراري في تاريخ البشرية، الأمر الذي يثير الشكوك لدى أي شخص بمدى فعالية الاجتماع السادس والعشرين بعد 25 قمة فاشلة سابقة.

كما أشار تقرير صدر في العاشر من أغسطس هذا العام عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ في الأمم المتحدة إلى أن السنوات الخمس الماضية شهدت درجات حرارة هي الأكثر على الإطلاق منذ بدء عصر الصناعة عام 1850.

كما يرصد التقرير ارتفاع درجة حرارة الأرض بأكثر من درجة مئوية واحدة خلال العقد الأخير مقارنة بالخمسين عاماً التي تلت الثورة الصناعية، ويتوقع التقرير زيادة درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما بين عامي 1850-1900 بحلول عام 2040 ما يعني فشل جهود مؤتمر باريس في خفض درجات حرارة الأرض بمعدل درجة ونصف إلى درجتين، وتحقيق الحياد الكربوني منتصف القرن.

الدول النامية هي التحدي الأبرز في مؤتمر الأطراف

تعتبر البلدان الفقيرة والنامية الأكثر عرضة للآثار الضارة للتغير المناخي، مثل موجات الطقس المتطرف والفيضانات والتصحر وحرائق الغابات، ولا تساهم الدول النامية إلا بنسبة قليلة من الانبعاثات الغازية الضارة المسؤولة عن التغير المناخي، إلا أنها تقف في خط المواجهة الأول مع الظواهر المناخية المتطرفة، مع نقص المال والإمكانيات الاقتصادية للتكيف والتخفيف من تلك الآثار.

وتأمل البلدان النامية من البلدان الغنية والمتقدمة الوفاء بتعهداتها بتقديم 100 مليار دولار، من القطاعين العام والخاص، والتي أقرت في مؤتمر كوبنهاغن 2009، لمساعدتها على التأقلم مع التغير المناخي، وسحب اعتراف من هذه الدول المتقدمة بمسؤوليتها عن الأضرار والخسائر الفادحة التي تعرضت لها، خصوصاً مع ارتفاع منسوب المياه الذي يهدد مدناً ساحلية ودولاً جزرية كاملة بالغرق، ومساعدتها على الاستثمار في الطاقات المتجددة، وتزويدها بتقنيات للإنذار المبكر والحماية من الكوارث.

وتعتبر مجموعة الدول الأقل نمواً إن رفع سقف الطموح العالمي وزيادة الاعتمادات المالية لمحاربة تغير المناخ شيء أساسي لبقائها.

لذلك فإن التحدي الأكبر أمام الزعماء المجتمعين في غلاسكو اليوم هو الوفاء بالتزاماتهم تجاه الدول النامية والفقيرة، التي كانت ضحية التلوث غير المحدود الذي تسببت به الدول الصناعية الكبرى، وإقرار تعهدات جديدة لمواجهة التغير المناخي وحماية شعوب الدول التي تفاوض في قمة المناخ من أجل البقاء.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي
الأكثر تداولاً