#IZT27 : Russian invasion of Ukraine (Yuri Kadobnov/AFP)
تابعنا

مع اقتراب نهاية الشهر السابع من الحرب الروسية على أوكرانيا، فإن الواقع الميداني وقراءة خارطة العمليات يوحيان بأن القوات الروسية لا تزال تخوض وتُستنزف في المستنقع الأوكراني، ولا تزال تعاني من الانخفاض الكبير والواضح في وتيرة هجوماتها، وتكبدها نتيجة لذلك الخسائر الفادحة بالعدة والعتاد، ناهيك أيضاً بالانخفاض الواضح في الروح المعنوية للعناصر، ويأتي ذلك بشكل أو بآخر على كامل المحاور والجبهات الواسعة المفتوحة.

وفق التحليلات العسكرية فقد أصبح واضحاً أن الكرملين والقيادة العسكرية الروسية منذ لحظة إعلان هذه الحرب، أخطؤوا في حساباتهم الميدانية والعملياتية، وفي تقديرات المواقف القتالية، بخاصة تلك المتعلقة منها بتقدير قدرات الجيش الأوكراني على الوجه الأكمل والصحيح، وإغفالهم أن واشنطن والغرب ممثَّلين بحلف الناتو لن يتركوا أوكرانيا لقمة سائغة، من خلال تزويد الجيش الأوكراني بجميع مستلزماته القتالية واللوجستية من الذخائر والأعتدة والأسلحة الحديثة ذات القدرات النارية الكبيرة، مثل صواريخ جافلين، وإن لاو المضادة للدروع، وصواريخ ستينغر، ومنظومات S-300 المضادة للطائرات، وراجمات الهايمرز الأمريكية مع مدافع الميدان من طراز هاوتزر 777، وكلاهما يتمتع بقدرة نارية كبيرة وإصابات دقيقة للهدف.

التخطيط الروسي الذي تمحور حول السيطرة على غالبية إقليم دونباس شرقاً، وعلى مدينة خيرسون الساحلية على البحر الأسود، وماريوبول على بحر آزوف جنوباً، وسعيه الحثيث للسيطرة على أوديسا ومدينة زاباروجيا، والانطلاق منهما على طول الضفة الشرقية لنهر دنيبر للسيطرة على مدن الوسط (كراماتورسك، وبلتافا، وسلافيانسك)، بهدف تضييق الخناق من الجبهة الجنوبية والشرقية والشمالية الشرقية على القوات الأوكرانية، والوصول إلى مدينة خاركيف والعاصمة كييف، يبدو أنه بات صعباً جداً بعد أن اصطدم منذ بداية المعارك بصمود الجيش الأوكراني، بخاصة في الشهر والأيام الأخيرة، إذ تمكّنت القوات الأوكرانية من تجميع صفوفها واستعادت زمام المبادرة وقامت بتنفيذ الهجمات المعاكسة القوية مطبّقة تكتيكات "فكّي الكماشة" أو الضربات المزدوجة من خلال ضرب جناحَي الهجوم الروسي (الميمنة والميسرة) في ذات الوقت الذي يهاجم فيه الجيش الروسي قلب الجيش الأوكراني، الذي يقوم بدوره بالتراجع بانتظام وفق الخطة المرسومة حتى يتمكن جناحاه من تطويق وضرب المهاجمين من القوات الروسية وإجبارهم على الانسحاب.

تكتيكياً، في الأيام القليلة الماضية تمكنت القوات الأوكرانية من خلال تنفيذ الهجمات المعاكسة القوية، من دحر القوات الروسية من الجبهة الشمالية الشرقية للبلاد، واستعادة السيطرة على عشرات البلدات والمناطق التي تقع في محيط خاركيف، وبما تقدر مساحته بـ3000 كم، لدرجة دفعت وزير الدفاع الأوكراني إلى وصف الهجمات المعاكسة الخاطفة بأنها كانت "أفضل من توقعاتهم" وتشكّل أكبر انتكاسة لروسيا منذ بدء الحرب.

وأهمّ المدن التي تمّت استعادتها والسيطرة عليها وطرد الجيش الروسي منها هي مدن بالاكليا وليمان وكوبيانسك وإيزيوم. وهذه المدن تُعتبر استراتيجية لكونها عملياً عُقَداً للمواصلات ولخطوط السكك الحديدية، وباتت القوات الأوكرانية من خلال سيطرتها عليها تهدّد وبشكل شبه كامل طرق الإمدادات الروسية من هذا الاتجاه.

يعود سبب هذا التقدم الأوكراني إلى جملة من الأسباب، أهمّها الروح المعنوية العالية للقوات الأوكرانية، وإصرارها على الثبات والصمود، وامتلاك زمام المبادرات الهجومية لاستعادة الأراضي المحتلة.

هناك أيضاً الجبهات الواسعة والمحاور الكثيرة التي فتحتها القوات الروسية منذ بداية العمليات القتالية في 24 فبراير/شباط، من جنوب البلاد إلى شمالها وشرقها. هذا الأمر حقيقة أضعف قوة الهجومات الرئيسية الروسية، وأدى إلى فقدان إسناد ودعم الجوار عن الأنساق الهجومية الروسية، وهذا الأمر بدوره من الناحية التكتيكية أدّى إلى وجود الثغرات العديدة بين الجبهات والمحاور الروسية، مما أعطى القوات الأوكرانية القدرة العملياتية على استغلال تلك الثغرات، والإغارة الخاطفة الليلية والنهارية والأكمنة المُحكَمة والهجمات المعاكسة التي أضعفت محاور القتال الروسية وكبدتهم الخسائر الفادحة بالعدة والعتاد

يضاف إلى ذلك معرفة القوات الأوكرانية بطبيعة أراضيهم ومداخل ومخارج المناطق، وقدرتهم العالية على التحرك والمناورة فيها، والاستفادة من الإيجابيات التي تقدّمها، على عكس القوات الروسية التي تجهل طبيعة الأراضي الأوكرانية، وبالتالي صعوبة التحرك وتوقع المفاجآت، وهو ما يؤدّي إلى سهولة اصطيادها وتكبيدها الخسائر في كثير من الأحيان.

ولا شك أن للإمدادات الغربية اللوجستية والعسكرية الأثر الكبير في صمود وثبات الجيش الأوكراني، وأنها أعطته القدرة على تأخير تقدم القوات الروسية المهاجمة، وإجبارها في كثير من الأحيان على الانسحاب من العديد من المناطق التي كانوا مسيطرين عليها قبل عدة أشهر.

إن القوات الروسية، على ما يبدو، تفتقر إلى القوة والقدرة العددية لتغطية كل الجبهات الواسعة التي فتحتها، وأصبحت في كثير من الأحيان تسحب قوات من جبهة ما لتعزيز جبهة أخرى، مما أضعف جبهات عديدة استغلتها القوات الأوكرانية في إحداث اختراقات ميدانية، فضلاً عن غياب غطاء جوي معتبَر، وهو ما شوهد بشكل واضح مؤخراً.

ساهمت أيضاً المعلومات الاستخباراتية والاستطلاعية الميدانية ذات الأهمية الكبيرة، التي تقدّمها واشنطن والناتو للجيش الأوكراني في تحسين قدرات الجيش الأوكراني على المناورة والتقدم. إن معرفة خطوات العدو قبل التحرك تُعتبر واحدة من أبرز مقومات النجاح لأي جيش في الميدان.

بناء على ما تَقدَّم يبدو أن انسحاب القوات الروسية لا يُعتبر تكتيكاً أو إعادة تموضُع بقدر ما هو استجابة للظروف العسكرية على الأرض، التي لا تسير لصالح الجيش الروسي. مع ذلك فمن المبكّر القول بأن الجيش الروسي قد انهزم، وفي وارد الانسحاب الكامل من الأراضي الأوكرانية، وإعلان وقف العمليات القتالية، فما زال لدى روسيا العديد من الخيارات. وقد يدفع هذا الانسحاب روسيا إلى استخدام أسلحة لم تدخل المعركة بعد، كالسلاح النووي على سبيل المثال، وذلك من باب تغيير قواعد اللعبة وخلط الأوراق.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي
الأكثر تداولاً