الرئيس الأمريكي بايدن خلال زيارة إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية رفقة ضباط في الجيش / صورة: Reuters Archive (Reuters Archive)
تابعنا

"كل صواريخنا، والذخائر والقنابل الموجهة بدقة، وجميع الطائرات والقنابل، كلها من الولايات المتحدة. وفي اللحظة التي يغلقون فيها الصنبور، لا يمكننا الاستمرار في القتال. الجميع يدرك أننا لا نستطيع خوض هذه الحرب من دون الولايات المتحدة". بهذه الكلمات الموجزة لخص الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بن بريك أهمية الدعم العسكري الأمريكي المقدم لإسرائيل خلال الحرب الحالية على قطاع غزة.

توجد العديد من الدراسات والكتابات حول التعهد الأمريكي بضمان التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي، والذي تحول إلى بند في القانون الأمريكي منذ عام 2008، وبموجبه يُشترط لتصدير الأسلحة الأمريكية إلى أي دولة في الشرق الأوسط عدم التأثير سلباً على التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي.

وتقدم التقارير السنوية الصادرة عن مركز خدمة أبحاث الكونغرس معلومات وافية عن حجم المساعدات الأمريكية المقدمة لإسرائيل، والتي بلغت 260 مليار دولار عند احتساب معدل التضخم، وذلك خلال الفترة الممتدة من عام 1948 إلى مطلع عام 2023.

الجنرال الإسرائيلي إسحاق بن بريك (TRT عربي)

وتغطي مراكز الأبحاث المعنية بالشؤون العسكرية المناورات المشتركة الأمريكية الإسرائيلية الدورية منذ بدايتها عام 2001 باسم "جونيبر كوبرا"، والتي تركز على دمج الرادارات وأنظمة الدفاع الصاروخي وتعزيز قابلية التشغيل البيني بين أنظمة الأسلحة، بهدف التدرب على مواجهة الصواريخ الباليستية، وبالأخص الإيرانية.

لكن الجانب الأكثر غموضاً في العلاقات العسكرية بين واشنطن وتل أبيب يتعلق بمخزون الطوارئ الأمريكي من الأسلحة في إسرائيل، والمشهور اختصاراً باسم "WRSA"، إذ لا توجد بيانات رسمية عن محتواه أو أماكن تخزينه، بينما توجد معلومات متناثرة عنه في بعض تقارير مركز خدمة أبحاث الكونغرس، وفي الصحف الأمريكية مثل نيويورك تايمز، لا سيّما بعد أن سحب الجيش الأمريكي 300 ألف قذيفة مدفعية عيار 155 ملم منه لإرسالها إلى أوكرانيا في عام 2022.

ولعل الدراسة الوحيدة التي تطرقت إلى مخزون الطوارئ الأمريكي هي التي كتبها القائد الأعلى لقوات حلف الناتو وقائد القيادة الأوروبية السابق في الجيش الأمريكي، الأدميرال جيمس ستافريديس، في عام 2020 بعنوان "ترسيخ التحالف الأمريكي الإسرائيلي: إعادة بناء مخزون الأسلحة الأمريكية في إسرائيل".

ونُشرت هذه الدراسة ضمن "مشروع السياسة الأمنية الأمريكية الإسرائيلية" الذي يتبناه اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، فالأدميرال ستافريديس زار مخازن الأسلحة الأمريكية في إسرائيل، والتي كانت خاضعة لإشرافه وقت تبعية إسرائيل للقيادة الأوروبية بالجيش الأمريكي قبل نقلها لاحقاً لتبعية القيادة المركزية الأمريكية في عام 2021.

فلسفة مخازن الأسلحة الاستراتيجية

خلال الحرب العالمية الثانية استغرقت القوات الأمريكية شهوراً عديدة لتجميع قدراتها العسكرية في أوروبا وآسيا لمواجهة ألمانيا واليابان، وعقب نهاية الحرب، وبروز الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي، رأى المخططون العسكريون الأمريكيون أن من الصعب نشر قوات كبيرة كافية في وقت متزامن بكل مسرح من مسارح العمليات المفترضة في أوروبا والشرق الأوسط ومنطقة المحيط الهادئ- الهندي، فضلاً عن أن إرسال سفن شحن للإمداد من المخازن العسكرية داخل الولايات المتحدة إلى ساحات القتال في الخارج قد يستغرق 45 يوماً، وهي فترة طويلة.

كما أن مخزون الأسلحة في الأراضي الأمريكية سيتناقص في حال السحب منه، وقد لا يكفي لتغطية الاحتياج في حال اندلاع حرب كبرى، ولذا قرّروا تخزين الأسلحة الضرورية بكميات كبيرة على مقربة من مسارح العمليات المتوقعة، بحيث يسهل نشر القوات للقتال في مسارح العمليات البعيدة خلال 10 أيام، على أن تتجهز بالأسلحة السابق تخزينها، وبما يتيح استخدام الأسلحة السابق تخزينها في القتال لحين إنشاء خطوط إنتاج وإمداد جديدة تلبي احتياجات الحرب.

انتشار مخازن الأسلحة الأمريكية (TRT عربي)

أسس الجيش الأمريكي أول مخازن استراتيجية في ألمانيا عام 1961 بما يكفي لتجهيز ست فِرَق أمريكية في ألمانيا الغربية بشكل سريع؛ بهدف صد أي هجوم من حلف وارسو، ثم انتشرت المخازن الأمريكية في أنحاء العالم القديم، إذ توجد مخازن في معسكر داربي بمدينة ليفورنو في إيطاليا، ومعسكر عريفجان في الكويت، وقاعدة السيلية في قطر، ومعسكر كارول في كوريا الجنوبية، ومعسكر يوكوهاما في اليابان، فضلاً عن مخزونات أسلحة مجهزة للنقل على متن سفن في قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وقاعدة تشارلستون في كارولينا الجنوبية المطلة على شرق الساحل الأمريكي.

مخزون الطوارئ في إسرائيل

تعود جذور مخزون الطوارئ الأمريكي في إسرائيل إلى حرب 1973 التي شهدت تدشين جسر جوي أمريكي لنقل الأسلحة إلى إسرائيل لمساعدتها على امتصاص صدمة الهجوم المصري السوري الساعي لاستعادة الأراضي المحتلة آنذاك في سيناء والجولان، وبعد انتهاء الحرب قرّرت واشنطن تجنب التعرض لأزمة مشابهة عبر البدء في تأسيس مستودعات أسلحة استراتيجية داخل إسرائيل، وتخزين معدّات عسكرية وذخائر فيها، بالأخص من الدبابات والمدرعات بما يتيح استخدامها من طرف القوات الأمريكية في حال الطوارئ.

مخزن الذخائر الأمريكية في إسرائيل (TRT عربي)

بدأ تخزين الأسلحة الأمريكية في إسرائيل بحلول عام 1984 عبر مذكرة تفاهم ثنائية نصّت على أن تكون الأسلحة مخصصة للاستخدام الأمريكي فقط، في حال حدوث غزو سوفيتي للخليج أو الانخراط في حرب بالشرق الأوسط، ثم غيّرت إدارة جورج بوش الأب شروط التخزين في عام 1989 لتسمح للجيش الإسرائيلي بالوصول للأسلحة المخزنة في حالات الطوارئ من دون اشتراط إخطار الكونغرس قبل 60 يوماً من عملية السحب، على أن تدرج لاحقاً المعدّات والذخائر المسحوبة ضمن المبيعات العسكرية الأمريكية لإسرائيل بأثر رجعي.

واحتوى المخزون على ما قيمته 100 مليون دولار من العتاد العسكري الأمريكي، وبُرّر القرار بأنه يأتي للحفاظ على التفوق النوعي العسكري لإسرائيل بعد بيع 300 دبابة أمريكية حديثة للسعودية آنذاك.

قيمة المخزون الأمريكي في إسرائيل (TRT عربي)

بناءً على طلب إسرائيل، عدّل الكونغرس ضوابط نطاق الأسلحة المخزنة، فشملت مطلع القرن الحادي والعشرين ذخائر للقوات الجوية والبحرية، فيما تضاعف حجم الأسلحة المخزنة ليبلغ 1.2 مليار دولار، ليصبح مخزون الطوارئ في إسرائيل أحد مخزنين للأسلحة الأمريكية في الخارج، وهما مُجهزان وفق معادلة "البيع مقابل الاستخدام"، بجوار مخزن آخر شبيه في كوريا الجنوبية.

ويحدد الكونغرس ضمن الموازنة العسكرية السنوية الأمريكية القيمة الإجمالية للعتاد المنقول إلى المخزون في إسرائيل من دون أن يتدخل في نوعية الأسلحة المنقولة، وهو ما يقرّره البنتاغون وفق أولويات ملء مخازن الأسلحة بالخارج.

من يتحكم في التسليح؟

تتحمل الخزينة الأمريكية تكلفة الأسلحة المخزنة في إسرائيل، بينما يتولى الجيش الإسرائيلي مسؤولية تخزينها، ويتحمل تكاليف تشغيل المرافق وعمليات الصيانة، وقد حاولت تل أبيب الضغط على واشنطن لتحمل تكلفة شحن الأسلحة، لكن الجيش الأمريكي رفض، وبذلك ظلت إسرائيل تدفع تكلفة الشحن.

ونظراً إلى أن العديد من الأسلحة المخزنة سابقاً تندرج ضمن الأسلحة غير الموجهة؛ نظراً إلى المخاوف الأمريكية بشأن أمن واستدامة العتاد المخزن في المواقع الإسرائيلية، فحين توشك صلاحية تلك الأسلحة على الانتهاء، تسحب منها إسرائيل لاستخدامها في التدريبات العسكرية بتكلفة منخفضة، وهو ما يتيح استبدالها بذخائر جديدة أكثر دقة.

استخدمات إسرائيل للمخزون الأمريكي (TRT عربي)

لقد طلبت إسرائيل الوصول إلى مخزون الطوارئ في مناسبتين قبل الحرب الحالية على غزة، الأولى خلال حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، إذ طلبت على وجه السرعة تسلم ذخائر مع طول مدة القتال التي بلغت 33 يوماً، فيما كانت الثانية عام 2014، خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حركة حماس في قطاع غزة، والتي تضمنت تنفيذ عملية برية محدودة، واستغرق القتال حينها 55 يوماً.

في عامَي 2022 و2023، لم تنزعج إسرائيل من سحب واشنطن لمئات الآلاف من قذائف المدفعية والذخائر الغبية التي تفتقد إلى أنظمة توجيه متطورة، لإرسالها إلى أوكرانيا، وسمح ذلك بالبدء في ملء المخزون بذخائر دقيقة تتوافق مع الطائرات والدبابات الإسرائيلية المطورة.

لكن في الحرب الحالية التي تجاوزت 100 يوم حتى الآن، لم تقتصر إسرائيل على سحب أسلحة وذخائر من مخزون الطوارئ الأمريكي، إنما طلبت جسراً جوياً وبحرياً أمريكياً إضافياً نقل ما يزيد عن 10 آلاف طن من الأسلحة بواسطة طائرات شحن وسفن نقل، وهو ما يؤكد صحة مقولة الجنرال إسحاق بن بريك في بداية المقال، الذي شدّد على أن بمقدور واشنطن، متى أرادت، إلزام إسرائيل وقفَ العدوان، والانسحاب من قطاع غزة، وتجنب استهداف المدنيين.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً