تابعنا
أظهرت قيادة حركة المقاومة الإسلامية قوة وحنكة وبُعد نظر في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، وكسرت إرادته وجعلته يغير توجهاته ويرضخ ويستجيب لشروطها.

أثبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن الاحتلال الإسرائيلي فشل استخبارياً وأمنياً في التنبؤ بالقدرات العملياتية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وفصائلها المسلحة.

وتشير الدلائل إلى أن الأجهزة الاستخبارية التابعة لجيش الاحتلال، ومؤسساته الأمنية، وحلفاءه الإقليميين وفي الغرب، عجزوا عن معرفة أي دلائل تبيّن نية حماس أن تنفذ عملية عسكرية في غلاف غزة وداخل عمق الأراضي المحتلة.

وردّت إسرائيل بقصف وحشي مركّز جوي وبري وبحري على العديد من الأهداف المدنية ومواقع الفصائل التابعة لحركة المقاومة الإسلامية.

تعنت إسرائيلي

أصرت الحكومة الإسرائيلية في بداية المرحلة الأولى من العملية البرية والعدوان الهمجي على غزة، على عدم مناقشة أي صفقة لتبادل الأسرى، وأن العملية العسكرية ستستمر حتى تفكيك القدرات العسكرية لحركة حماس والقضاء على القيادة السياسية، وتدمير شبكة الأنفاق، وتحرير جميع الأسرى.

وصرّح ساسة وقادة الاحتلال الإسرائيلي على مدى أيام التوغل الهمجي، برفض الهُدن الإنسانية ووقف القتال؛ لعدم منح حماس والفصائل المسلحة التابعة لها أي فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة تنظيم صفوفها.

أكد خبراء سياسيون وعسكريون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومة اليمين المتطرف لن يتمكنوا أبداً من إطلاق سراح الأسرى الموجودين في قبضة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة من دون تقديم تنازلات، وإنْ واصل عملياته العسكرية لتحقيق مزيدٍ من الضغط، فإنّ خسائره ستكون في ازدياد، وسيرضخ أخيراً لطلبات حماس وقيادتها.

توالت الضغوطات في المجتمعات العربية والإسلامية والدولية لإيقاف العدوان الغاشم على المدنيين الأبرياء، والذي استهدف المستشفيات والمراكز الصحية، والمدارس ودور العبادة.

ونتيجة الخسائر التي مُني بها الاحتلال الصهيوني، بخاصة في وحدات النخبة، وازدياد أعداد القتلى والجرحى في صفوفه، وتدمير وإعطاب أكثر من 300 مدرعة وآلية عسكرية، تدنت الروح المعنوية للمجتمع الإسرائيلي، وتعالت الأصوات التي تنادي بقبول هدنة إنسانية، لا سيّما من أهالي الرهائن والأسرى لدى حماس، لكن القيادة السياسية الإسرائيلية المتمثلة بنتنياهو واليمين المتطرف ماطلت وحاولت عرقلة أي صفقة لإقرار هدنة إنسانية.

مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على إسرائيل للقبول بهدنة إنسانية بوساطة قطرية مصرية، وحاولت حكومة نتنياهو أن تحقق صورة انتصار قبل إعلان الهدنة لكنها لم تنجح.

صلابة المقاومة

أرادت إسرائيل فرض شروطها للتفاوض بخصوص شروط الهدنة من موقف القوي المنتصر، بإدامة زخم عملياتها الوحشية على جميع مناطق القطاع وسكانه المدنيين، وانتزاع مزيدٍ من التنازلات من قيادة حركة المقاومة الإسلامية، من وجهة نظرها؛ لكسر الإرادة السياسية للحركة، لكن بلا جدوى.

قرّرت قيادة حماس فرض شروطها من موقع القوي وعدم الانصياع لإملاءات الجانب الصهيوني، فأظهر زعيم حماس في غزة يحيى السنوار موقفاً صلباً لفرض شروطه وأجبر -عبر الوسطاء- الجانب الإسرائيلي على قبول شروط الحركة، وأن تكون صياغة اتفاق الهدنة وفق رؤيتها ومحدداتها، وليس الرؤية الإسرائيلية أو الأمريكية، إذ إن حماس ليست في موقف يملي عليها الشروط، وهي لا تثق بغدر الجانب الإسرائيلي، ولا تقبل أن تفاوض من موقع الضعيف.

أظهرت قيادة حركة المقاومة الإسلامية قوة وحنكة وبُعد نظر في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، وكسرت إرادته وجعلته يغير توجهاته ويرضخ ويستجيب لشروطها.

أيد الهدنة الإنسانية ببنودها وشروطها وآلية تنفيذها، جميع وزراء حكومة الكيان الغاصب، باستثناء 3 وزراء ينتمون إلى حزب ما يُسمى "العظمة اليهودية" الذي يتزعمه إيتمار بن غفير.

تمثلت الهدنة بوقف إطلاق النار، ووقف الطيران بشكل كامل في الجنوب، ولمدة 6 ساعات يومياً في مدينة غزة والشمال طيلة أيام الهدنة، ووقف الأعمال العسكرية وتبادل الأسرى المحتجزين لدى حماس وفصائلها المسلحة بمعتقلين فلسطينيين من النساء والأطفال المحتجزين في السجون الإسرائيلية، مع السماح بإدخال الأغذية والأدوية والمستلزمات الطبية والمختلفة، ووقود السولار والغاز لقطاع غزة المنكوب؛ بسبب الإجرام وآلة القتل الإسرائيلية.

لدى الإسرائيليين مخاوف من أن تحاول حركة المقاومة الإسلامية تحويل الهدنة المؤقتة إلى وقف دائم لإطلاق النار، وهو ما لا تريده إسرائيل إطلاقاً، إذ أكد رئيس وزراء الكيان الغاصب أن الجيش الإسرائيلي سيواصل الحرب بكل عنف وضراوة بعد انتهاء الهدنة.

انكسار وهزيمة

نجحت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في تحطيم الروح المعنوية الإسرائيلية، وتجديد بث روح الجهاد في المجتمعات العربية والإسلامية، وتعزيز مسيرة الكفاح الفلسطيني في الواجهة العالمية من أجل إقامة دولته المستقلة.

إسرائيل لن تنعم بالأمن والسلام أبداً، بسبب ما زرعته من بذور الحقد والكراهية والغضب في المنطقة، كما أن حماس حققت الانتصار بالفعل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بمفاجأتها ومباغتتها في ضربتها الاستباقية خلال عملية طوفان الأقصى.

انتصرت حماس بحرب غير متماثلة ولا متكافئة في العُدّة والعدد، يميل ميزانها للاحتلال الصهيوني بشكل مطلق، إذ مارس القتل المروع للمدنيين الأبرياء من شيوخ ونساء وأطفال وجرحى ومصابين، بشكل وحشي همجي، فضلاً عن التدمير الهائل في قطاع غزة، بأساليب تتنافى مع الأديان والحضارة والإنسانية والأخلاق والقوانين والأعراف الدولية.

إن حركة المقاومة الإسلامية كسرت غطرسة إسرائيل وجبروتها المفترض في القتال وعمليات التفاوض، وأظهرت عملية طوفان الأقصى تآكل نظرية الردع الإسرائيلية.

لا يمكن بيع الوهم بأن إسرائيل قوة لا تُقهر، وقد ثبت جلياً بأنه يمكن قهرها وكسرها واجتثاثها، عندما تتوفر العقيدة والإرادة والعزيمة للأمة العربية، فالاحتلال الإسرائيلي لا يفهم لغة الدبلوماسية ولا يمكن الوثوق به، بل يفهم فقط لغة القوة، فما أُخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً