العلم البريطاني وفي الخلفية مبنى مجلس العموم (Others)
تابعنا

على مدار الأعوام الخمسة عشر الماضية، كانت هناك نقاشاتٌ مُلفَّقة من قِبَلِ وسائل الإعلام البريطانية وأتباع الحكومة في بريطانيا حول "الحفاظ على الثقافة والقيم البريطانية"، في مواجهة أعدادٍ كبيرة من الأشخاص ذوي البشرة الداكنة الذين يهاجرون إلى البلاد ويرسِّخون أنفسهم فيها.

قيل لنا إن هذه القيم تشمل التسامح واحترام الحرية والمساواة. لكن هذه ليست هي القيم التي تحافظ عليها المملكة المتحدة.

القيمتان الأساسيَّتان اللتان تشكِّلان جوهر ثقافة المؤسسة البريطانية هما النفاق والادِّعاء الأخلاقي.

وما أعنيه بهذا الأخير هو أن بريطانيا دولةٌ فاسدة المؤسسات، بمعايير مزدوجة وخداعٍ وظلم. ومع ذلك، فإن كلَّ ما تهتم به هو أن يُنظَر إليها على أنها تسلك الطريق "الأخلاقي" من خلال الوعود الكاذبة والإنكار والاعتذارات السطحية. لقد أثبتت مراراً عدم استعدادها لفعل أيِّ شيءٍ حيال المشكلات الجذرية في قلب هذا البلد. والمشكلة التي هي أقل استعداداً لمواجهتها هي العنصرية.

كُشِفَ هذا الأمر مرةً أخرى في نظام التعليم العنصري في إنجلترا. ظهر سؤالٌ في كتاب التاريخ باللغة الإنجليزية للمستوى الأول ووافقت عليه الهيئة التعليمية الرائدة في البلاد، هيئة AQA، عُرِضَ مؤخَّراً على وسائل التواصل الاجتماعي.

يقول السؤال: "إلى أيِّ مدى تعتقد أن معاملة الأمريكيين الأصليين كانت مُبالَغة؟".

وفقط بعد أن أعربت عاملةٌ شابة عن استيائها، اعتذر الناشر، دار Hodder، وكذلك هيئة AQA، وسحبا الكتاب.

يطلب الكتاب من الطلاب أيضاً أن يقارنوا بين إيجابيات وسلبيات الانقراض الوشيك للأمريكيين الأصليين، ويقول: "بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في التكيُّف مع توقُّعات الرجل الأبيض، فإن التحفُّظات توفِّر فرصاً للاكتفاء الذاتي الاقتصادي"، و"حتى مع الاستفادة بعد فوات أوانها، من الصعب التوصُّل إلى حلٍّ أفضل من سياسة الحفظ".

ذُكِرَ في "اعتذار" هيئة AQA أن النص "لا يتطابق مع التزامنا بالمساواة والتنوُّع والشمول، ولا ينبغي أن يكون قد نجح خلال عملية الموافقة على الكتب المدرسية".

وتوصَّلَ فريق العلاقات العامة الكسول في دار Hodder إلى الهراء التالي: "نحن نتفق على أن هذا المحتوى غير ملائم، وسنقوم بسحب هذا الكتاب من البيع"، و"سنجري مراجعةً شاملة للمحتوى مع خبراء في الموضوع".

وفقاً للقيمة البريطانية الجوهرية للادِّعاء الأخلاقي، لم تكن هذه المرة هي الأولى التي تعتذر فيها دار Hodder وهيئة AQA وتعِدان فيها بألَّا تكونا مثالين رائعين للسلوك الجوهري للمؤسسة البريطانية، ألا وهو العنصرية.

في العام الماضي، كُشِفَ عن موافقة هيئة AQA على كتاب التأهيل الأكاديمي في العام 2017، الذي يصوِّر السود على أنهم أكلة لحوم بشر. وجاء في "الاعتذار": "نحن لا نتسامح مُطلَقاً مع العنصرية. ببساطة، عندما نظرنا إلى الكتاب المدرسي عام 2017، لم تكن عملية الموافقة لدينا جيِّدة بما يكفي -لكننا حسنّاها منذ ذلك الحين، ونفعل أشياء بشكلٍ مختلف الآن".

وفي عام 2018، وافقت هيئة AQA على كتابٍ مدرسي من إصدار دار Hodder يصف العائلات الكاريبية بأن "آباءها غائبون إلى حدٍّ كبير"، وأسرها "تعيد إنتاج التقسيم الأبوي التقليدي للعمل"، فيما لم يقدِّم الكتاب أيَّ سياقٍ أو دليل.

ومرةً أخرى، كانت الاعتذارات على المنوال القديم ذاته المتمثِّل في "اتِّخاذ الإجراءات اللازمة" و"الالتزام بالتنوُّع".

اعتادت المؤسسات البريطانية على استخدام العلاقات العامة للتعتيم على حقيقة عنصريتها.

في وقتٍ سابق من هذا العام، نشرت الحكومة تقريراً عن العنصرية، واختارت استخدام أدلة انتقائية لاستنتاج أن العنصرية المؤسسية منعدمة. هذا على الرغم من اعتراف رئيس شرطة لندن بالعنصرية داخل قوة الشرطة قبل أشهر قليلة من إصدار التقرير. وانتقد عددٌ من الأفراد والمنظمات الحكومة لتجاهلها تجاربها هي نفسها.

ومع ذلك، فقد حقَّق التقرير الغرض الذي أُعِدَّ من أجله، وهو إطلاق حملة علاقات عامة لصالح الحكومة اليمينية التي ولَّدَت عناوين مثل "بريطانيا نموذجٌ ناجح لمجتمعٍ متعدِّد الأعراق"، و"المملكة المتحدة يجب أن تفكِّر لما فيه صالح الإمبراطورية"، و"المراجعة خطوةٌ متأخِّرة في الاتجاه الصحيح إزاء الأعراق" -كلُّ ذلك من شأنه أن يُستخدَم لمحاولة إسكات المعارضة الناشئة عن احتجاجات حياة السود مهمة والتفاوتات العرقية التي كشفت عنها جائحة كوفيد-19 في العام الماضي.

وبالمثل، أخذت الحكومة العام الماضي نتائج تقرير أصدرته هيئة الصحة العامة في إنجلترا حول التفاوتات الصحية التي تواجهها الأقليات العرقية في إنجلترا، وفرضت رقابةً على الجزء الذي أوصى بكيفية التغلُّب على هذه التفاوتات.

لماذا تهتم المؤسسات البريطانية فقط بالشهادات السطحية والمفيدة للعلاقات العامة وليس التغييرات عميقة الجذور؟ لأن بريطانيا عنصرية في نخاعها السياسي والاقتصادي.

لنتذكَّر أن بريطانيا لم تكن لتمتلك الثروة والمؤسسات التي تحوزها اليوم لولا فكرة أن "المتوحِّشين" ذوي البشرة الداكنة يحتاجون إلى الحضارة -مقابل سرقة مواردهم. هذه الأفكار لا تزال قائمةً، ولهذا السبب لدينا كتبٌ مدرسية "تعليمية" في القرن الحادي والعشرين تقدِّم بشكلٍ متكرِّرٍ الأشخاص المُلوَّنين على أنهم أقل شأناً.

إذن ما عواقب هذه الاعتذارات والتقارير الضحلة التي لا معنى لها؟

أولاً، تسمح هذه الاعتذارات للمتضرِّرين منها بأن يُرفَضوا باعتبار أنهم "يلعبون دور الضحية" لتحديهم المظالم التي "جرى الاعتذار عنها" الآن و"دحضها" وتسليم الضوء على الأسباب عميقة الجذور.

ثانياً، بكلِّ بساطة، يستمر الوضع الراهن المدمِّر. فإلى جانب الوعود الكاذبة بالتنوُّع، تتكوَّن هيئة AQA من مجلسٍ تنفيذي يتضمَّن شخصاً ملوَّناً واحداً فقط. لدينا نظامٌ تعليمي يتعرَّض فيه 54% من المعلِّمين لتصرُّفاتٍ مهينة لتراثهم العرقي، وقد زادت الحوادث العنصرية التي تشمل التلاميذ بنسبة 40% خلال عشر سنوات.

وفي مجال حفظ الأمن والعدالة، من المُرجَّح أن يُرسَل الأشخاص الملوَّنون إلى السجن لارتكابهم جرائم تتعلَّق بالمخدرات أكثر مِمَّا يُزَجُّ بالأشخاص البيض في السجن للجرائم ذاتها. ويستمر استخدام قوانين الإيقاف والتفتيش بشكلٍ غير متناسبٍ ضد السود.

وإلى حين أن ندرك أن القوى تزدهر من استمرار الوضع الراهن وإنكاره، ستستمر بريطانيا في احترام قيمها الأساسية المتمثِّلة في النفاق والادِّعاء الأخلاقي بوضوح على حساب الأقليات العرقية.

هذا الموضوع مترجم عن شبكة TRT التركية

TRT عربي
الأكثر تداولاً