تابعنا
تحل في هذه الأوقات الذكرى السنوية الثالثة لإصدار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً يقضي بتعليق إعادة توطين اللاجئين ومنع المواطنين من سبع دول ذات غالبية إسلامية من دخول الأراضي الأمريكية.

شملت تلك القائمة حينها دول إيران وليبيا والصومال وسوريا واليمن وفنزويلا وكوريا الشمالية، فضلاً عن تشاد التي رُفعت من القائمة في أبريل/نيسان الماضي، بعد أن قال البيت الأبيض إنها حسنت إجراءاتها الأمنية. 

وقد ألحقت إدارة الرئيس ترمب هذه القائمة بقائمة جديدة تفرض قيوداً على دخول مواطني ست دول إلى الولايات المتحدة تشمل نيجيريا والسودان وإريتريا وتنزانيا وقرغيزيا وبورما.

أثار هذا القرار انتقادات واسعة واعتبره كثيرون إجراء "معادياً للمسلمين"، وبعد سلسلة من المعارك القضائية والتعديلات أيدت المحكمة العليا الأمريكية عام 2018 النسخة الثالثة للحظر التي تفرض قيوداً متفاوتة على دخول مواطني الدول المعنية للأراضي الأمريكية، مؤكدة أن الرئيس ترمب لم يتجاوز صلاحياته المنصوص عليها قانوناً في مجال تنظيم الهجرة.

وفي ضوء ما انتهت إليه هذه المعارك القضائية، يبدو من المبرر أن يقرر الرئيس ترمب استخدام هذه الورقة مرة أخرى. فمنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي تتواتر تقارير وتسريبات حول عزم الإدارة الأمريكية توسيع قائمة حظر السفر. ثم تأكد الأمر مع تصريح ترمب بذلك في مقابلة صحافية على هامش منتدى دافوس الاقتصادي العالمي منذ أيام.

وقبل صدور التصريحات الرسمية حول الدول المشمولة بالقائمة الجديدة، كانت تسريبات عدة تتوقع أن الدول المستهدفة هي بيلاروسيا وإريتريا وقرغيزستان وميانمار ونيجيريا والسودان وتنزانيا. كما أكدت التكهنات أن بعض الدول ستواجه حظراً على بعض أنواع التأشيرات فقط، إما تأشيرات العمل أو السياحية.

ولعل توقيت إعلان هذا القرار من قِبل صناع القرار الأمريكي هو ما يطرح تساؤلاً حول هدف الإدارة الأمريكية الحالية من اتخاذ مثل هذا التدبير في الظرف الراهن؟ وهل يمكن القول بأن حماية الأمن القومي الأمريكي هي المحرك الأصيل لاتخاذ هذا القرار أو يمكن وضع هذا القرار ضمن تفاعلات الاستحقاق الانتخابي الرئاسي المنتظر العام الحالي؟

قرار حظر السفر واعتبارات الأمن القومي

أصدر ترمب قرار الحظر في نسخته الأولى بعد أسبوع واحد فقط من توليه السلطة في يناير/كانون الثاني 2017 بدعوى حماية الأمريكيين من الإرهاب.

واليوم استخدمت إدارة ترمب المبرر ذاته لتمديد القرار. إذ أكد القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي تشاد وولف أن الولايات المتحدة تضع معايير يجب على جميع الحكومات الأجنبية الوفاء بها، للمساعدة في فحص الرعايا الأجانب الذين يسعون لدخول الولايات المتحدة، وفي حال الدول التي تفتقر إلى الإرادة أو القدرة على الالتزام بهذه المعايير تصبح قيود السفر ضرورية لتخفيف التهديدات.

فيما صدرت إشارات أخرى من الإدارة الأمريكية تؤكد أنها تستخدم هذه القيود لتشجيع الدول على الامتثال لمتطلبات الأمن القومي الأمريكي، كوسيلة للضغط عليها للتعاون الاستخباراتي ومشاركة المعلومات مع وكالات الأمن الأمريكية.

المكاسب الانتخابية المحتملة

على الجانب الآخر، لا يمكن النظر إلى قرار التمديد بمعزل عما تشهده الساحة الداخلية في واشنطن من تفاعلات فيما يخص الانتخابات المقبلة ووجود ترمب على رأس السلطة، لا سيما بالنظر إلى التداعيات السلبية المحتملة لهذا القرار الذي يرجح أن يؤدي إلى توتير العلاقات بين واشنطن والدول المشمولة في القرار، ومنها نيجيريا على سبيل المثال التي تعد شريكاً أساسياً لواشنطن في الحرب على "الإرهاب" في إفريقيا فضلاً عن ضخامة حجم التعاون الاقتصادي بينهما، إلى جانب التأثيرات السلبية على الجالية النيجيرية الكبيرة في الولايات المتحدة.

غير أن هذا القرار يبدو خياراً ملائماً للإدارة الأمريكية الحالية التي تواجه عدداً من التحديات المتشابكة على الصعيد الداخلي، بخاصة فيما يتعلق بتطورات مسألة عزل ترمب، إذ أدان مجلس النواب الأمريكي ترمب في محاكمته وأصدر لائحة اتهام تمهيداً لعزله وأحالها إلى مجلس الشيوخ.  

وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يوافق مجلس الشيوخ على عزل ترمب لأن الجمهوريين يمثلون أغلبية في هذا المجلس، فإن الجميع يدركون تأثيرات هذه المسألة على فرص ترمب في البقاء في البيت الأبيض لدورة ثانية. وهذا ما أكده الفريق القانوني للرئيس ترمب، الذي اعتبر إثارة مسألة العزل محاولة "سافرة" للتأثير على انتخابات الرئاسة المقبلة 2020.

في إطار هذه الأجواء يعمد ترمب إلى التأكد من استرضاء قاعدته الانتخابية عبر إثارة قضايا مهمة لمؤيديه الذين كشفت عنهم الانتخابات الرئاسية السابقة والذين يتركزون في مناطق تعد معاقل لليمين.

إذ تؤكد الدراسات أن تأييد ترمب يظهر بقوة في مناطق يعيش بها عدد قليل من المهاجرين ويقل فيها عدد خريجي الجامعات وبعيدة عن الحدود المكسيكية وفي الأحياء التي يبرز فيها البيض والجيوب المعزولة ويوجد بها القليل جداً من السود أو الآسيويين أو ذوي الأصول الإسبانية.

ومن بين الإجراءات المثيلة التي اتخذتها إدارة ترمب في هذا السياق إصدار قرار بتقليص الحد الأقصى لعدد اللاجئين الجدد المسموح باستقبالهم في الولايات المتحدة في السنة المالية الجديدة إلى 18 ألف لاجئ، وهو ما يعد أقل مستوى للحد الأقصى يجري وضعه منذ تطبيق برنامج اللاجئين عام 1980 (وصل الحد الأقصى في العام المالي السابق إلى 30 ألفاً).

وعلى الرغم من الانتقادات التي أثارها القرار من قِبل المنظمات الإغاثية والحقوقية، فإن ترمب حظى بتأييد قوي من قِبل أنصاره الذين يؤيدون السياسات الصارمة في ملف الهجرة والأجانب بصفة عامة، وهو ما يتكرر على نحو واضح مع قرار مد حظر سفر رعايا بعض الدول إلى الأراضي الأمريكية.  

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي