المنتخب المغربي يحتفل بالمدرب وليد الركراكي (Others)
تابعنا

قليلون من كانوا يراهنون على نجاح وليد الركراكي في قيادة المنتخب الوطني المغربي للتأهل إلى الدور الثاني في مونديال قطر 2022 بسبب حداثة إشرافه على تدريب أسود الأطلس إذ كان على بُعد 3 أشهر فقط من انطلاق المونديال.

وكان المنتخب المغربي يعيش الكثير من المشكلات في محيطه، في ظل استبعاد نجمه الأول حكيم زياش من المنتخب وضغط الجماهير المغربية مطالبة بعودته وعودة عبد الرزاق حمد الله المبعد عن المنتخب منذ سنة 2019 بعد أن كان قد غادر معسكراً للمنتخب استعداداً لكأس إفريقيا للأمم 2019 بمصر دون سابق إنذار وبدون علم المسؤولين.

الإرث الثقيل للمدرب البوسني خاليلوزيتش... وحضور المغرب في مجموعة الموت

ورث وليد الركراكي عن سالفه المدرب البوسني وحيد خاليلوزيتش وضعاً صعباً، إذ عرفت فترته الكثير من التغييرات على مستوى التشكيلة الرسمية والنهج التكتيكي، فلم يستقر على فلسفة لعب ثابتة وتشكيلة رسمية، بالإضافة إلى العلاقة المتوترة بينه وبين الإعلام المغربي. وهو ما جعل الأجواء المحيطة بالمنتخب والتحضير لكأس العالم غير سليمة.

هذا بالإضافة إلى قرعة المونديال، التي لم تكن رحيمة بالمغرب ورمت به في مجموعة الموت إلى جانب وصيف بطل العالم للنسخة السابقة لكأس العالم 2018 المنتخب الكرواتي والمحتل للرتبة الثالثة في النسخة ذاتها المنتخب البلجيكي، والمنتخب الكندي المحتل للرتبة الأولى في تصفيات كأس العالم منطقة الكونكاكف متقدماً على منتخبات قوية مثل أمريكا والمكسيك.

المهمة الصعبة أو شبه "المستحيلة"

كان وليد الركراكي يدرك أنه في مهمة جد صعبة وقد يعتبرها البعض "شبه مستحيلة". كان يعي أن ليس له الكثير من الوقت ليضيعه بل عليه العمل ليل نهار من أجل ترتيب أمور المنتخب وخلق جو عمل سليم في محيطه من أجل التقدم بسرعة في عمله وربح الوقت.

وهكذا مباشرة بعد تعيينه مدرباً لأسود الأطلس وضع نصب أعينه المحافظة على استقرار المجموعة التي سبقت الاشتغال مع خاليلوزيتش، لأن الوقت لا يسمح بإحداث تغييرات كبيرة، مع إحداث تغييرات طفيفة عليها في محاولة منه لوضع بصمته عليها، بدءاً من عودة سريعة لنجم المنتخب الوطني المغربي لاعب تشلسي الإنجليزي حكيم زياش، وتمهيد الطريق إلى عودة حمد الله مهاجم اتحاد جدة السعودي، وكل ذلك من أجل إحداث "صلح" بين جميع مكونات المنتخب المغربي وإعطاء الجماهير والإعلام المغربي الثقة من أجل تلطيف الأجواء والاستعداد بهدوء للمونديال القطري.

الاستقرار على التشكيلة الرسمية وطريقة اللعب " مبكراً"

على المستوى التقني، اتضح منذ الوهلة الأولى وفي أول مقابلة ودية للمنتخب الوطني المغربي، أن المنتخب المغربي حسم طريقة اللعب وتشكيلته الرسمية في المونديال. واتضح أن وليد الركراكي سيحافظ على فكره وفلسفته نفسيهما في اللعب، عندما درب فريق الوداد الرياضي السنة الماضية وأحرز معه كأس عصبة الأبطال الإفريقية والبطولة المغربية.

وهكذا اعتمد الركراكي على لاعبين مغاربة مجربين سبق لهم خوض كأس العالم بروسيا مثل سايس، وزياش، وحكيمي، وامرابط. وحاول الاعتماد على اللاعبين الذين خاضوا أكبر عدد من المباريات في الفترة السابقة فيما بينهم. على مستوى خط الوسط، مثلاً، نجد الثلاثي امرابط، وأوناحي، وأملاح).

وكان النهج التكتيكي ( خطة 4/1/4/1) يرتكز بالأساس على اللعب بتنظيم دفاعي محكم واللعب بسرعة في مرحلة الانتقال من الدفاع إلى الهجوم معتمداً على التقنية العالية لمهاجميه في الأجنحة حكيم زياش (تشلسي) وسفيان بوفال (أنجيه)، بالإضافة إلى سرعة وقوة رأس حربته يوسف النصيري مهاجم (إشبيلية) كثير الحركة والضغط على حامل الكرة عند فقدانها.

الطاقم التقني.. طاقم متكامل ومتجانس

كان اختيار المدرب وليد الركراكي للطاقم التقني للمنتخب المرافق له موفقاً على ما يرى العديد من الخبراء. فقد اختار كلاً من رشيد بنمحمود الذي سبق أن اشتغل معه والمثقل بالتجارب في أطقم المنتخبات الوطنية، وغريب أمزين المدرب المساعد لفريق طروا الفرنسي قبل التحاقه بالمنتخب في هذه الفترة، وهو الذي سبق له اللعب بصفوف المنتخب وخاض معه منافسات كأس العالم 1998 كلاعب.

كما حافظ الركراكي على وجود محلل الأداء المغربي موسى الحبشي الذي اشتغل في الفترة السابقة مع المنتخب والذي سبق له الاشتغال مع المنتخب البلجيكي في مونديال روسيا 2018، كما جرى إلحاق هاريسون كنغستون محلل أداء فريق ليفربول الإنجليز لمدة تزيد عن 10 سنوات، ومدير قسم التحليل التقني والأداء بالإدارة التقنية الوطنية في الوقت الحالي بطاقم المنتخب المغربي الأول، وهكذا أصبح المنتخب الوطني المغربي يتوفر على طاقم تقني متجانس ومتكامل.

فكر المدرب وفلسفته الثابتة

حافظ وليد الركراكي رفقة المنتخب الوطني المغربي على فكره وفلسفة لعبه التي اتبعها في الفترة السابقة مع فريق الوداد الرياضي، واتضح أن وليد الركراكي يتقن اللعب بهذا النهج (1/4/1/4) الذي يتناسب مع طريقة لعب خصوم المنتخب في المونديال، والذي يرتكز على اللعب بتنظيم دفاعي محكم والاعتماد على اللعب بسرعة في مرحلة استرجاع الكرة والانتقال من الدفاع إلى الهجوم في محاولة للقيام بهجمات سريعة واستغلال التقنية العالية للمهاجمين في المراوغة والاختراق والتوغل، خصوصاً في مواجهة واحد ضد واحد.

دروس تجربة مونديال روسيا 2018

اتضح خلال مباريات منتخب المغرب في مونديال قطر أنه استفاد من تجربة روسيا سنة 2018 عندما قدم حينها المغرب كرة جميلة في مبارياته لكن بدون نجاعة هجومية. وهو ما جعله يحصد هزيمتين وتعادلاً ويخرج خالي الوفاض من المنافسات ويقصَى من الدور الأول.

هذه التجربة، بالإضافة إلى فكر المدرب وليد الركراكي الذي لا يعطي الأولوية "للأداء" ويبحث عن الطريقة الأمثل للوصول إلى النتائج الإيجابية خلال المباريات، جعلت المنتخب الوطني المغربي يخوض مبارياته في الدور الأول بكثير من التحفظ والانضباط التكتيكي بخاصة على مستوى التنظيم الدفاعي دون المغامرة كثيراً في الهجوم أو اللعب بنهج هجومي طيلة أطوار المقابلات، وهو ما أهّله لتصدر مجموعته والتأهل إلى الدور الثاني بعد حصده فوزين وتعادلاً.

مدرب على دراية ومعرفة كاملة بالعقلية المغربية

إن تجربة وليد الركراكي كلاعب داخل المنتخب الوطني المغربي قادم من بلاد المهجر أو تجربته في التدريب داخل المغرب رفقة الطاقم التقني للمنتخب كمدرب مساعد في 2013 أو في الأندية المغربية التي دربها مثل الفتح الرباطي والوداد الرياضي، وأحرز معها الألقاب، جعلته يراكم تجربة مهمة وأكثر معرفة بفكر وعقلية مكونات الكرة المغربية من جماهير وإعلام ومسؤولين.

هذه المؤهلات جعلته يفرض شخصيته في محيط المنتخب وإقناع الجميع بأفكاره واختياراته حتى ينخرط الجميع في مشروع المنتخب.

إتقان فن التواصل والتحدث أربع لغات

عكس سالفه المدرب البوسني وحيد خاليلوزيتش الذي لا يحسن التواصل ولا يملك أدوات التواصل (لا يتحدث الإنجليزية وفرنسيته متهالكة) ويجد صعوبة كبيرة في التواصل مع محيطه، فقد كشف وليد الركراكي عن إمكانيات واحترافية عالية في تقنية التواصل سواء في المحيط الداخلي للمنتخب المغربي مع اللاعبين والطاقم التقني أو في الندوات الصحفية مع رجال الإعلام المغاربة والأجانب.

فالركراكي يتقن التحدث بأربع لغات هي العربية، والفرنسية، والإنجليزية والإسبانية. كما أن تصريحاته الصحفية تدل على أن هذا المدرب يتقن فن التمويه ورمي كرة الضغط النفسي والشك في معترك خصومه، بل إن خروجه الإعلامي يعطي جرعات زائدة من الثقة للاعبين والجماهير.

المساندة الجماهيرية واللاعب رقم 12 الذي أحدث الفارق

شكل الحضور الجماهيري للشعب المغربي سنداً قوياً وعاملاً محفزاً لأسود الأطلس للّعب بحماس وقتالية. واتضح أن الجمهور المغربي كان اللاعب رقم 12 الذي أحدث الفارق ورجح كفّة المنتخب المغربي.

الجماهير تنقلت بالآلاف من المغرب إلى قطر وأتت إلى جنبات الملاعب التي خاض فيها المنتخب المغربي مبارياته أمام خصومه. هذا فضلاً عن الدعم الكبير من الجماهير العربية التي اصطفت جميعها خلف المنتخب المغربي.



TRT عربي