شبح الانكماش المالي يخيم على الصين / صورة: AP (Andy Wong/AP)
تابعنا

بينما يعاني كثير من دول العالم جراء موجة ارتفاع مستويات التضخم، مدفوعة بارتفاع أسعار الطاقة والغذاء على إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا وتداعيات فيروس كورونا. تخيم على الصين ظاهرة اقتصادية معاكسة، لا تقل خطورة عن الأولى، وهي الانكماش المالي جراء استمرار تهاوي الأسعار في السوق المحلي للربع الثالث على التوالي من السنة.

وفي ظل هذا الوضع، اتخذ البنك المركزي الصيني سلسلة إجراءات لاحتواء انخفاض الأسعار، كخفض نسب الفائدة وضخ سيولة مالية في السوق، وهما إجراءان من شأنهما إنعاش الاستهلاك وبالتالي رفع الطلب. ومع ذلك تنفي السلطات الصينية وقوع انكماش مالي في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

انكماش مالي

تشهد أسعار السلع في الصين، من منتجات الحديد والصلب إلى المواد الاستهلاكية والغذائية اليومية، انخفاضاً حاداً للربع الثالث من السنة. فيما يرى بعض الاقتصاديين أوجه تشابه مقلقة بين المأزق الحالي للصين وتجربة اليابان، التي عانت لسنوات مع الانكماش وركود النمو.

وقال المكتب الوطني الصيني للإحصاء، إن مؤشر أسعار المنتجين انخفض للشهر التاسع على التوالي في يونيو/حزيران الماضي، بنسبة انخفاض بلغت 5.4% مقارنة بالعام السابق، وهو أكبر انخفاض منذ ديسمبر/كانون الأول 2015.

وأضاف تقرير مكتب الإحصاء الصيني أن مؤشر أسعار المستهلك في البلاد توقف بشكل ثابت خلال العام الماضي، وهو ما يعني أن الأرباح السنوية للسلع عادلة بنسبة 0%.

ويرى محللون أن أسعار لحم الخنزير كانت من العوامل الرئيسية التي قلصت أسعار المستهلكين في شهر يونيو/حزيران الماضي. فقد انخفضت أسعار ذلك النوع من اللحوم، التي تعد عنصراً أساسياً في النظام الغذائي الصيني، بـ7.2% مقارنة مع الشهر نفسه من العام السابق.

وفي السياق ذاته، أعلنت بكين أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد نما للربع الثاني من السنة بنسبة 6.3% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مخالفاً في ذلك توقعات السوق التي حددت نسبة النمو عند 7.3%. ويمثل هذا أيضاً نمواً بنسبة 0.8٪ عن الربع الأول، وهو أبطأ من وتيرة 2.2% على أساس ربع سنوي المسجلة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.

وتفيد هذه الأرقام بوجود انكماش مالي يتهدد الاقتصاد الصيني، وينذر بمعالم ركود واسع قد يتأخر إعلانه. وهو ما أكده كبير الاقتصاديين في مجموعة "جرو إنفستمنت جروب" هونغ هاو، بقوله: "نحتاج إلى رؤية ضغوط أسعار واسعة ومستمرة قبل أن نعلن الانكماش (...) يحدث هذا في قطاعات المنبع ويستغرق الأمر عادةً ما بين ربعين إلى أربعة أرباع حتى يجري تمريره".

بكين تنفي

وتنفي بكين وجود انكماش مالي يهدد اقتصادها، كما تنفي أن يكون احتمال لحدوثه في المرحلة المقبلة. وأوضح المتحدث باسم المكتب الوطني للإحصاء فو لينغ هوي، في مؤتمر صحفي في 19 يوليو/تموز الماضي، أنه "بشكل عام، لا يحدث انكماش مالي في الصين".

واستشهد المسؤول الصيني على قوله، بالارتفاع الطفيف الذي شهده مؤشر أسعار المستهلكين والذي ناهز نسبة 1.3% على أساس سنوي. كذلك بزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5% في الربع الأول من العام، بالإضافة إلى نمو سريع نسبياً في مؤشر العرض النقدي "إم 2" بنسبة 12.7% نهاية مارس/آذار المنصرم.

وأتى النفي نفسه أيضاً من طرف نائب محافظ البنك المركزي الصيني ليو غوه تشيانغ، والذي صرح للصحفيين قائلاً: "في الوقت الحالي لا يوجد انكماش، ولن يكون هناك خطر حدوث انكماش في النصف الثاني من العام".

مقابل ذلك، ينهج البنك المركزي الصيني سياسة تفيد مساعيه لاحتواء الأزمة، إذ خفّض أسعار الفائدة وضخ السيولة في النظام المالي لتعزيز الاقتصاد. وفي منتصف يونيو/حزيران الماضي، قال البنك المركزي الصيني إنّ سعر الفائدة على قروضه الممنوحة لمدة عام للمؤسّسات المالية خُفّض من 2.75% إلى 2.65%.

واقترح لي داوكوي، أحد كبار الاقتصاديين الصينيين والذي عمل في اللجنة الاستشارية لبنك الشعب المركزي الصيني، على سلطات بكين إنعاش الإنفاق بتقديم قسائم شراء بقيمة 500 مليار يوان (نحو 72.5 مليار دولار). وقال داوكوي بأن "قسائم الشراء هذه ستوفر إجمالي إنفاق بقيمة تريليون يوان (145 مليار دولار) وتمكن الكومة من مداخيل تعادل 300 مليار يوان (41.8 مليار دولار) على الأقل في هيئة ضرائب ناتجة عن زيادة الإنفاق".

ما الانكماش المالي؟ ولماذا أصاب الصين؟

عكس التضخم، الذي ينتج عن ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، فالانكماش المالي يحدث عن الانخفاض المتواصل في الأسعار خلال فترة زمنية ما. وتؤدي هذه الظاهرة إلى مخاطر اقتصادية كبيرة، على رأسها وقوع ركود اقتصادي بانهيار أرباح المنتجين.

وحسب تقرير لمجلة "فوربس" الأمريكية، قد يبدو الانكماش المالي شيئاً جيداً، إلا أنه قد يشير إلى ركود وشيك وأوقات اقتصادية صعبة. فعندما يشعر المستهلك بأن الأسعار تتجه نحو الانخفاض، فإنه يؤخر عمليات الشراء على أمل أن يتمكن من الشراء بسعر أقل في وقت لاحق. لكن انخفاض الإنفاق يؤدي إلى دخل أقل للمنتجين، مما قد يؤدي إلى البطالة وارتفاع أسعار الفائدة.

وفي الحالة الصينية، يُرجع محللون الانكماش المالي الحاصل إلى تبعات سياسة الإغلاق الصارمة التي انتهجتها الحكومة أثناء فترة جائحة كورونا الوبائية، إذ لم يتعافَ الاقتصاد الصيني بعد من تلك الصدمة.

وحسب الخبير الاقتصادي ديفيد كو: "يشير التضخم الصفري لأسعار المستهلكين والانخفاضات الأشد في أسعار المنتجين في يونيو/حزيران إلى أن انتعاش الصين بعد تفشي فيروس كورونا فقد المزيد من القوة الدافعة".

ويضيف الخبير، أن: "تراجع زخم الأسعار علامة على ضعف الطلب الذي يلقي بظلاله على آفاق النمو. الحاجة إلى مزيد من التحفيز من بنك الشعب الصيني تزداد".

وتعني حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد استمرار الأسر الصينية في زيادة المدخرات بدلاً من الإنفاق، كما ستظل الشركات حذرة من ضخ استثمارات جديدة، ما يثير شبح فوضى من انخفاض الأسعار والأجور الذي يسعى الاقتصاد الصيني للتعافي منه، وفق ما أوضحت شبكة "CNN" الأمريكية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً