هل باتت البشرية أقرب إلى "حرب المياه"؟ (Tpg/Others)
تابعنا

قبل أيام قليلة، خرج الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في مؤتمر صحفي، ليعلن خبر الكارثة بصراحة: "لقد انتهى عصر الاحتباس الحراري، انتهى وبدأنا في عهد الغليان العالمي". مضيفاً أن عواقب هذا الارتفاع القياسي في درجات الحرارة باتت "واضحة ومأساوية"، إذ أصبحت الأمطار الموسمية تجرف الأطفال وتهرّب العائلات من لهيب النيران، وينهار العمال بسبب الحر الشديد.

وتأتي هذه التصريحات في وقت تواجه فيه الأرض موجة حرارة شديدة واستثنائية، نتيجة ما يعرف بظاهرة القباب الحرارية التي يتسبب فيها ارتفاع درجة حرارة مياه البحر. ووفق ما صرّح به مدير خدمة "كوبرنيكوس" لمراقبة تغير المناخ، كارلو بونتيمبو، فإن درجات الحرارة المسجّلة في شهر يوليو/تموز كانت "استثنائية، وقد تكون قياسية حتى منذ نحو مئة ألف عام".

ويحذر العلماء من أن نتائج التغيرات المناخية أصبحت تظهر بشكل أسرع من المتوقع. ووفق دراسة حديثة، فإنه ما بين 2013 و2020 "تزايد الاحترار الذي يسببه الإنسان (من خلال انبعاثات الغازات الدفيئة) بمعدل غير مسبوق، متخطياً بذلك معدل 0.2 درجة مئوية لكل عقد".

ويرى خبراء المنظمة الدولية للأرصاد الجوية، أنه من المرجح أن يصل احترار الكوكب إلى 1.5 مئوية بحلول عام 2027. علماً أن اتفاقات مؤتمر باريس للمناخ عام 2015 كانت حول العمل على منع تخطي هذه العتبة.

وقبل بلوغ تلك العتبة، فإن تأثيرات التغيرات المناخية أصبحت أمراً حاصلاً يعيشها سكان الكوكب في شكل ظواهر طقس متطرفة، أبرزها موجات الحرارة الشديدة والجفاف القاسي. التي تهدد بمزيد من انعدام الاستقرار في العالم، مع بدء بروز نزاعات حول الماء في عدد من مناطقه.

الأقل استقراراً والأكثر تأثراً بالتغيّرات المناخية...

تتسبب موجات الحرارة الشديدة الناتجة عن التغيرات المناخية، كالتي يشهدها العالم هذه الأيام، في تبخر المياه السطحية وتجفيف التربة والغطاء النباتي، وهذا يجعل الفترات المطيرة أقصر وأكثر جفافاً مما ستكون عليه في الظروف الباردة. يؤدي هذا الواقع، بحسب تقرير لـ "اليونسكو"، إلى كون أزيد من ملياري شخص يفتقرون للمياه الصالحة للشرب، وبين 2 و3 مليارات شخص يعانون شحّ المياه.

ويتوقع الخبراء أن تزداد الأمور سوءاً خلال السنوات القادمة، ويرجحون أن يواجه ثلثا سكان الكوكب مشكلة ندرة المياه بحلول عام 2025.

على حين إذا نظرنا إلى خريطة العالم، فسنجد أكثر المناطق تضرراً من هذه الأوضاع المناخية القاسية توجد في القارة الإفريقية ووسط آسيا. وتواجه شرق إفريقيا أسوأ موجة جفاف لها منذ 40 عاماً، إذ نزح أكثر من 4.2 مليون شخص بسبب الجفاف في الصومال وحده.

وفي أنغولا أيضاً، التي تشهد أسوأ جفاف مسجل في تاريخها، يعاني نحو 1.58 مليون شخص مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفقاً لـ"التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي". وتفاقم الجفاف في جنوب أنغولا بسبب تغيّر المناخ وتحويل الأراضي إلى تربية الماشية، هذه المخاطر تجعل البلاد واحدة من أكثر المناطق عرضة للجفاف في العالم.

ومنذ أوائل عام 2021، يشهد معظم أنحاء أفغانستان جفافاً شديداً، أدى إلى ندرة المحاصيل والماشية، وبالتالي نقص حاد في الغذاء. إذ إن ما يقرب من 20 مليون أفغاني محرومون من الطعام حالياً. تعتمد إمدادات المياه السنوية في أفغانستان إلى حد كبير على هطل الأمطار والثلوج في الجبال، وهو ما قل بشدة خلال السنوات الأخيرة بفعل الاحترار العالمي.

وفي إيران أيضاً، التي تشهد خلال السنوات الأخيرة استمرار أزمة ندرة مياه واسعة، قال رئيس المركز الوطني لإدارة الجفاف والأزمات التابع لهيئة الأرصاد الجوية الإيرانية أحد وظيفة، في تصريحات شهر مارس/آذار الماضي، أن ناقوس الخطر بخصوص أزمة المياه والجفاف في إيران دُقّ منذ فترة طويلة، إذ "أدى الاستخدام المفرط للموارد الجوفية إلى انخفاض تخزين هذه المياه وتحول العديد من السهول المائية في البلاد إلى سهول ممنوعة الاستخدام".

وأمنياً، تعد هذه المناطق الأقل استقراراً في العالم. إذ تشهد الصومال منذ ثلاثين عاماً حرباً أهلية مفتوحة، أضرت بشكل كبير بالبنية المائية للبلاد، وإن 40% من موارد المياه المتبقية بالبلاد معطل، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية. ولا تقل أفغانستان انعداماً للاستقرار عن الصومال، وخصوصاً بعد الانسحاب الأمريكي عام 2021، وسنوات الغزو الـ20 التي عاشتها البلاد.

وتشهد إيران احتجاجات واسعة ضد ندرة المياه، ونظم مئات من سكان مدينة زابل مسيرة احتجاجية، يوم الاثنين، منددين بعدم توفير حصة محافظة سيستان من المياه من نهر هلمند. كما نزل سكان مدينة ديواندره في محافظة كردستان إلى الشوارع وردّدوا هتافات مناوئة للحكومة الإيرانية بعد ثلاثة أيام من انقطاع مياه الشرب عن المدينة.

هل باتت البشرية أقرب إلى "حرب المياه"؟

في ظل هذا الوضع، يتزايد التهديد باندلاع نزاعات مسلحة حول موارد المياه أو يكون الماء موضوع الصراع فيها. ومنذ عام 2012، تصنّف أزمات المياه في المراكز الخمسة الأولى من قائمة المخاطر المحدقة بالسلم العالمي، حسب التقارير السنوية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

ويرى بيتر جليك، رئيس معهد "باسيفيك" المختص في دراسة الصلة بين ندرة المياه والصراع والهجرة، بأن تهديد نشوب نزاعات مسلحة حول المياه في تزايد مستمر. وفي تصريحات سابقة، قال جيليك: إنه "مع استثناءات نادرة جداً لا يموت أحد من العطش الحقيقي (...) لكن المزيد والمزيد من الناس يموتون بسبب المياه الملوثة أو النزاعات في الحصول على المياه".

وفي تقريرها المعنون "بيئة السلام"، الذي يعنى برصد سباق التسلح العالمي ارتباطاً بالتغيرات المناخية، قالت منظمة استوكهولم لدراسات السلام "سيبري"، خلال العقد الأول من الألفية الثالثة شهدت النزاعات بين الدول حول موارد الماء ارتفاعاً بنسبة 100%.

وهو ما يؤكده أيضاً مدير قسم المياه في معهد الموارد الدولية تشارلز أيسلند، قائلاً: إن "الأبحاث الأخيرة تظهر بالفعل وجود تزايد العنف المرتبط بالمياه بمرور الوقت".

وبدأ أول هذه النزاعات المسلحة حول المياه في البروز إلى السطح. ووفق تقارير عديدة، تشهد منطقة الساحل تكرر الاشتباكات العنيفة بين الرعاة ومزارعين بسبب شح إمدادات المياه اللازمة لحيواناتهم ومحاصيلهم.

وفيما يتعلق بمنطقة وسط آسيا، يعتمد ما يقرب من ملياري شخص على الأنهار التي تنشأ في هضبة التبت وهندو كوش، ومنها جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وإيران والهند وأفغانستان وباكستان، وهي مهددة بانفجار نزاعات مع الشح الذي تعرفه هذه الموارد المائية وافتقار توزيعها إلى إجماع دول المنطقة، وفق ما أشار إليه تقرير حديث لمجلة "فورين بوليسي".

وفي 2021، شهدت المنطقة الحدودية بين طاجيكستان وقرغيزستان اشتباكات مسلحة بين جيشي البلدين. التي نشبت، حسب الرواية القرغيزية، بسبب امتعاض السكان من قيام حرس الحدود الطاجيكي بتشديد الحراسة على نقطة توزيع المياه على نهر غلونفوي. وتجددت هذه الاشتباكات أيضاً عام 2022، مودية بحياة 31 قرغيزياً و10 طاجيكيين، إضافة إلى عشرات الجرحى.

وفي أبريل/نيسان 2022، نشبت أيضاً مواجهات حدودية بين قوات طالبان الحاكمة في أفغانستان والجيش الإيراني، بسبب الخلاف حول نهر هلمند، الذي ينبع من جبال هندوكوش في الشمال الشرقي لأفغانستان، ويصب في بحيرة هامون داخل الأراضي الإيرانية، قاطعاً ما يزيد على 1300 كيلومتر.

ويعدّ نهر هلمند أهم مورد ماء للبلدين، ومنه سبب الخلاف بينهما حول اقتسام حصصهما من تلك المياه.

TRT عربي
الأكثر تداولاً