تابعنا
تحل هذه الأيام الذكرى 109 لمعركة جناق قلعة الشهيرة التي تحييها تركيا في 18 مارس/آذار من كل عام، تخليداً لانتصار الجيش العثماني في واحدة من أكثر معارك التاريخ دمويةً على القوات المعتدية من بريطانيا وفرنسا وأستراليا ونيوزيلندا

تحل هذه الأيام الذكرى 109 لمعركة جناق قلعة الشهيرة التي تحييها تركيا في 18 مارس/آذار من كل عام، تخليداً لانتصار الجيش العثماني في واحدة من أكثر معارك التاريخ دمويةً على القوات المعتدية من بريطانيا وفرنسا وأستراليا ونيوزيلندا، التي جرّدت إبّان الحرب العالمية الأولى ما يُعرف بـ"حملة غاليبولي" بهدف الاستيلاء على إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية حينها.

وفي عام 2022 احتفت تركيا بالذكرى 107 لمعركة جناق قلعة بافتتاح جسر جناق قلعة 1915 الذي يربط بين قارتَي آسيا وأوروبا فوق مضيق جناق قلعة (الدردنيل)، ليصبح فور تدشينه أطول جسر معلَّق في العالم.

قصة المعركة.. جحيم البحر واليابسة

في بداية الحرب العالمية الأولى (1914-1918) التي قاتلت فيها قوات الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة وغيرها) ضد قوات المحور (ألمانيا والدولة العثمانية وغيرهما)، كان موقف روسيا متأزماً تحت القصف الألماني الشديد، لا سيما بعد تدمير القوات العثمانية مواني الروس في البحر الأسود.

حينها أرادت بريطانيا وفرنسا الالتفاف من الجهة الأخرى عبر السيطرة على منطقة المضايق وبحر مرمرة، بما في ذلك مدينة إسطنبول، لتأمين خطوط الإمداد للجيش الروسي، فأرسلت القوات الفرنسية والبريطانية، وكانت الأخيرة تضم كتائب من أستراليا ونيوزيلندا، حملة عسكرية كبيرة قابلت الجيش العثماني عند مضيق جناق قلعة (الدردنيل)، ظانّة أن المعركة ستكون هينة وما هي إلا أسابيع لتسقط إسطنبول.

لكن الأمر كان أبعد ما يكون عن السهولة، إذ استبسل الجيش العثماني في معركة استغرقت قرابة عام وسجّلها التاريخ واحدة من أعنف معارك البشر وأشدها دموية، وبعد بطولات سطّرها العثمانيون الذين ضم جيشهم فيالق من دول عربية وإسلامية بالإضافة إلى قوامه التركي، بدماء مئات آلاف الشهداء، اضطُرت قوات الحلفاء إلى الانسحاب والتراجع عن هدف الاستيلاء على إسطنبول.

وبدأت المعركة بتحرّك قوات هائلة من الأسطولين الإنجليزي والفرنسي صوب مضيق جناق قلعة (الدردنيل)، ولكنّ عدداً كبيراً من سفنهم أُغرِق تحت وطأة قصف مدافع العثمانيين والألغام البحرية، فلجأ الحلفاء إلى الاجتياح البري معتمدين على القوات الأسترالية والنيوزيلندية، إلا أنها واجهت جحيماً أرضياً صبّه عليها الجنود العثمانيون.

تقديرات الخسائر من الجانبين مختلف حولها بسبب الأعداد الهائلة من المفقودين الذين لم يُعثر لهم على أثر، ولكن بعض التقديرات تذهب إلى أن عدد القتلى من الحلفاء يقترب من 250 ألفاً، فيما يقدَّر شهداء الجيش العثماني بالرقم نفسه، كثيرون منهم جاؤوا من دول عربية مثل سوريا والعراق وفلسطين، فمدينة حلب السورية وحدها سجّلت سقوط 551 شهيداً من أبنائها في المعركة.

أبطال أتراك خلدهم التاريخ

في 18 مارس/آذار 1915 تبين للعالم أجمع أنه لا يمكن عبور مضيق جناق قلعة رغماً عن الأتراك. وبعد فشل الهجوم البحري حاولت قوات الحلفاء الغزو البري لكنها فشلت مرة أخرى بظهور قائد الفرقة 19 المقدم كمال أتاتورك على مسرح التاريخ، إذ لم يغيّر مصير الحرب فحسب، بل غيّر مسار التاريخ أيضاً بعبارته الشهيرة التي خاطب فيها الجنود العثمانيين قائلاً: "آمركم بالموت، لا بالهجوم".

وعلى الرغم من تعرُّض حصن الحميدية الأناضولية، الذي كان من أهم النقاط في 18 مارس/آذار على مدخل مضيق إسطنبول، لأضرار جسيمة بسبب قذائف المدفعية، فإنَّ الجيش العثماني كان مصمماً على وقف بحرية العدوّ. ورغم محدودية الفرص فإنَّ جودت باشا أمر بزراعة الألغام القليلة المتبقية في خليج إرينكوي، وبفضل خط الألغام هذا غرقت 3 بوارج كبيرة للعدوّ، بما في ذلك بوفيه أوشن، وأصيبت 3 أخرى بأضرار بالغة وجرى استبعادها من الحرب.

ومن البطولات التي سطّرها العثمانيون في جناق قلعة يتذكر الأتراك حتى تلك اللحظة بحب وفخر بطولة الجندي سعيد علي تشابوك (أو كوجا سعيد: سعيد العظيم)، الذي تشير المصادر إلى أنه حمل وحده قذائف يتجاوز وزنها 215 كيلوغراماً، ولعبت بطولاته دوراً حاسماً في انتصار الجيش العثماني.

"بعضهم لم ينسَ"

مثلما لم ينسَ الأتراك وإخوانهم الملحمة التي صنعها أجدادهم في جناق قلعة بعد أكثر من قرن من الزمان، فإن بعض أصحاب النفوس والقلوب المريضة على الجهة الأخرى لم ينسَ مرارة الهزيمة التي لحقت بأسلافهم المعتدين.

ومن أكثر الأمثلة فجاجة على ذلك ما وُجِد مكتوباً على سلاح الإرهابي الأسترالي بيرنتون تارانت الذي نفّذ قبل 5 سنوات هجومين على مسجدين بمنطقة كرايستشيرش في نيوزيلندا، في مذبحة سقط فيها 51 من رواد المسجدين العزّل، إضافة إلى عدد مماثل من الجرحى. فقد كان مكتوباً على سلاح الإرهابي الذي نفّذ به جريمته عبارات عنصرية، منها "Turcofagos" وتعني باليونانية "آكلي الأتراك"، وهو اسم أطلقته على نفسها عصابات يونانية نشطت في القرن التاسع عشر، وكانت تشن هجمات دموية ضد الأتراك.

الإرهابي الأسترالي كتب أيضاً في رسالة قبل تنفيذ مذبحته: "يمكنكم العيش في سلام في أراضيكم، في الضفة الشرقية للبوسفور، لكن إن حاولتم العيش في الأراضي الأوروبية في أي مكان غربي البوسفور فسنقتلكم ونطردكم من أراضينا. نحن قادمون إلى القسطنطينية (إسطنبول) وسنهدم كل المساجد والمآذن في المدينة. آيا صوفيا ستتحرر من المآذن، وستكون القسطنطينية بحق ملكاً مسيحياً من جديد. ارحلوا إلى أراضيكم ما دامت لديكم الفرصة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً