حرب جوية في المقام الأول.. هل تقلب أوكرانيا الطاولة في الجبهة الجنوبية؟ (Reuters)
تابعنا

في المرحلة الأولى من الحرب حاولت روسيا -وفشلت- الاستيلاء على العاصمة الأوكرانية كييف، بهجوم كان هدفه إسقاط حكومة زيلينسكي. بعد فشل ذلك ركّزَت روسيا على الاستيلاء على منطقة دونباس في شرق أوكرانيا وتشكيل "جسر بري" إلى شبه جزيرة القرم.

وقد حققت روسيا بعض النجاح في هذه المرحلة الثانية من الحرب بسيطرتها على 4 مناطق رئيسية في الشرق والجنوب، لكن الحركة على طول تلك الجبهة توقفت الآن بعد تَمكُّن القوات الأوكرانية من تحرير مساحات كبيرة من تلك الأراضي التي احتلتها القوات الروسية طوال الأشهر السابقة.

وفي كلتا المرحلتين الأولى والثانية، كانت روسيا في الهجوم، وأوكرانيا في الدفاع. لكن تلك المواقف انقلبت رأساً على عقب في المرحلة الثالثة التي تمثّل القتال من أجل زابوريجيا وميكولايف وخيرسون في جنوب أوكرانيا، التي تُعتبر مناطق مهمة للغاية لاستكمال الجسر البري إلى شبه جزيرة القرم.

من الدفاع إلى الهجوم

وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، دارت الحرب في أوكرانيا بالدرجة الأولى من خلال المدفعية والصواريخ والطائرات المسيرة. ولشهورٍ كان لروسيا اليد العليا بفضل قدرتها على إطلاق الذخائر على المدن والبلدات والأهداف العسكرية الأوكرانية من مواقع بعيدة عن متناول الأسلحة الأوكرانية.

لكن في الأشهر الأخيرة انقلب المدّ على طول الخطوط الأمامية في جنوب أوكرانيا وتحولت قوات كييف من موقف الدفاع إلى إلى الهجوم بشكل لافت، فحسب قادة ومحللين عسكريين باتت أوكرانيا تمتلك الآن أسلحة غربية قوية ودقيقة، فضلاً عن طائرات مسيرة قاتلة محلية الصنع.

وبفضل الدعم العسكري الغربي، تمكنت القوات الأوكرانية من قلب الطاولة عسكرياً في الجنوب، لا سيما بعد حصولها على ميزة في كل من المدى والصواريخ الموجهة بدقة وقذائف المدفعية، وهي فئة من الأسلحة يُفتقر إليها إلى حد كبير في الترسانة الروسية. وإلى جانب الدرونات القاتلة محلية الصنع ذات التكلفة الرخيصة، تمتلك القوات الأوكرانية أيضاً طائرات مسيرة أكثر تطوراً وأسلحة أخرى تقدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها.

تفوُّق نسبي

منحت الميزة المتزايدة لأوكرانيا في مجال المدفعية والصواريخ الدقيقة، في تناقض صارخ مع القتال في جميع أنحاء البلاد خلال الصيف عندما قصفت روسيا المواقع الأوكرانية بقذائف الهاون والمدفعية، قدرة غير مسبوقة لقصف مناطق كانت حتى وقت قريب تعتبر منيعة، كان آخرها فجر السبت عندما ضربت مركبات مسيرة أوكرانية سفينة روسية راسية في ميناء سيفاستوبول الرئيسي لأسطول البحر الأسود في عمق الأراضي المحتلة لشبه جزيرة القرم.

وفي مقابل النقص الملحوظ في مخزون المقذوفات الروسية، يقول القادة الأوكرانيون إن الجانبين يطلقان أعداداً شبه متساوية من القذائف في خيرسون الآن. لكن الضربات الأوكرانية ليست فقط بعيدة المدى، بل أكثر دقة بسبب الصواريخ الموجهة بالأقمار الصناعية وقذائف المدفعية التي قدمها الغرب، وفقاً لما أوردته نيويورك تايمز في تقريرها الذي نقلت فيه أقوال قائد مدفعية على جبهة خيرسون، جاء فيها: "يمكننا الوصول إليهم ولا يمكنهم الوصول إلينا".

وقد أجبرت مدافع الهاوتزر الأمريكية M777، التي تطلق قذائف دقيقة التوجيه وتضرب ما يصل إلى 20 ميلاً خلف الخطوط الروسية، الروس على سحب معداتهم الثقيلة والوقود وطعام قواتها بعيداً عن الجبهة في مواقع تُعتبر آمنة نسبياً، لأن الولايات المتحدة رفضت تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، خشية أن يؤدي استخدامها إلى مواجهة الناتو مع روسيا.

وعلى الرغم من أن نقل المخزونات الحساسة بعيداً عن الجبهة حماها نسبياً فإن المسافة بينها وبين القوات على الخطوط الأمامية شكل تحديات لوجستية خطيرة للجيش الروسي، إذ يُجبَر الروس على استخدام الشاحنات في رحلات طويلة وبطيئة وخطيرة لتزويد مقاتلي الخطوط الأمامية -ولا يزالون غير قادرين على عبور معابر نهر دنيبر الذي قُصفت من قبل الأوكرانيين أكثر من مرة.

معركة خيرسون الحاسمة

فقدت أوكرانيا السيطرة على منطقة خيرسون جنوبي البلاد أوائل مارس/آذار خلال المراحل الأولى من الهجوم الروسي، فقد فتح عدم الاستعداد لهجوم مفاجئ وتعاون السلطات المحلية مع موسكو الأبواب أمام الروس.

وبعدما كانت خيرسون أسوأ هزيمة لأوكرانيا في الحرب تتطلع كييف الآن إلى تحويلها إلى أحد أكبر نجاحاتها في تحرير أراضيها. إذ تقترب العاصمة الإقليمية الوحيدة التي احتلتها روسيا منذ بدء الهجوم من دخول حرب مدن شرسة. فبينما تبعد القوات الأوكرانية عن المدينة مسافة 12 كيلومتراً فقط، يجلي الجيش الروسي السكان استعداداً لحصار طويل.

وحسب صحيفة El Pais الإسبانية أكد رئيس المخابرات بوزارة الدفاع الأوكرانية كيريلو بودانوف الاثنين أن الهدف هو الاستيلاء على خيرسون، وهي مدينة ساحلية رئيسية في الجنوب، قبل نهاية العام.

فبعد قرابة ثمانية أشهر وبفضل الدعم الغربي انقلبت الأمور وانتقلت كييف من الدفاع إلى الهجوم في خيرسون، رغم أن من المتوقع أن يأتي فوز أوكرانيا بتكلفة عالية. فقد أوضح بودانوف أن روسيا تفكر في حصار طويل مشابه للحصار الذي تعرضت له المقاومة الأوكرانية في ماريوبول. حيث دُمرت المدينة الواقعة على ساحل بحر آزوف بعد شهور من القتال بين القوات الروسية ومقاتلي المقاومة المحليين.

ولا يزال الجيش الروسي قوة هائلة بصواريخ كروز وجيش ضخم وملايين من قذائف المدفعية وإن كانت غير دقيقة. ويقول القادة الروس إن الجيش أكمل لتوه جهود التعبئة التي ستضيف 300 ألف جندي إلى ساحة المعركة التي سبق أن أوضح الرئيس بوتين عزمه على كسبها بأي ثمن تقريباً، وفقاً لما ذكرته نيويورك تايمز.

TRT عربي