دراسة علمية بمشاركة عصام حجي تنذر بمخاطر كارثية لسد النهضة على مصر  (Str/AFP)
تابعنا

كشف بحث جديد عن جامعة جنوب كاليفورنيا الأمريكية، بعنوان "عجز ميزانية المياه في مصر وسياسات مقترحة لتخفيف سيناريوهات ملء سد النهضة"، أن الملء السريع الذي تسعى له إثيوبيا لخزانات سدها الضخم، سيسبب أزمة كبيرة، قد تؤثر نتائجها على ملايين المصريين.

البحث المنشور الثلاثاء في مجلة "phys" العلمية المتخصصة، وهي إحدى أهم المجلات العلمية حول العالم، شارك فيه العالم والباحث وعالم الفضاء المصري د.عصام حجي، مؤلفاً رئيسياً، إضافة إلى الدكتور أبو طالب زكي من جامعة كاليفورنيا، وأحمد الشرقاوي من جامعة كورنيل.

يرى البحث أن استكمال البدء الثاني للسد سيخلق فرصاً تنمويةً واعدة لإثيوبيا، بسبب قدرتها على توليد طاقة كهرومائية هائلة، تجعل السد الإثيوبي أضخم مشروع للطاقة الكهرومائية في القارة الإفريقية بامتداد جانبي يبلغ 1800 متر، وارتفاع أقصى للجدار يبلغ 155 متراً. غير أن البحث وصل أيضاً إلى أن استكمال ملء هذا المشروع سيشكّل عجزاً مائياً مقلقاً لمصر.

ويحذّر البحث، المرفق به جملة من التفسيرات العلمية والتحليلات البيانية المدعمة بالأرقام والإحصاءات، من أن يترتب على هذا العجز كثير من الأزمات والآثار الوخيمة، بدءاً من تضاعُف العجز المائي لمصر، وتقلُّص الرقعة الزراعية، وارتفاع معدلات البطالة وتشريد كثير من المزارعين، لأن شريحة كبيرة من السكان تعمل في قطاع الزراعة، إضافةً إلى انخفاض الدخل القومي للفرد.

وحذّر حجي من أن المصريين قد يواجهون وضعاً يذكّرهم بما وقع خلال ثمانينيات القرن المنصرم، عندما شهدت البلاد تسع سنوات عجاف قل فيها منسوب النيل، وتراجع مخزون السد العالي.

ويؤكّد البحث أن مصر تعاني بالفعل ندرة كبيرة بالمياه، مما يصعّب تصوُّر ما سيكون عليه الحال إزاء تضاعف الأزمة وازديادها سوءاً في المستقبل القريب. ووفقاً للبحث "تعاني مصر بالفعل من ضغوط واجهادات مائية حادة، يتم تخفيفها من خلال تكرار إعادة الاستخدام لمياه الصرف الزراعي، وهذا يؤثر بدوره في جودة المياه عموماً، من خلال زيادة ملوحتها وتركيز الملوثات".

وتوصل البحث إلى استنتاجات مخيفة، فبعد فحص الباحثين سيناريوهات مختلفة لاستراتيجية ملء السد، تَبيَّن أن السيناريو الأقرب لأن تنفّذه أديس أبابا هو استراتيجية الملء قصيرة الأجل التي تتراوح بين 3 و5 سنوات، وسينتج عن هذا السيناريو "تضاعُف العجز المائي في مصر بنسبة تقريبية تصل إلى 83%".

ويشير البحث إلى أن نسبة العجز المائي الكبيرة ترجع إلى نسبة الفاقد الإضافي للمياه، الذي سيحدث بسبب تقييد التدفق عبر السد، وما ينبني عليه من تَبخُّر، وضياع نسبة 17% بسبب التسرب في الصخور والرمال خلف السد ومجراه.

يقول د.حجي تعليقاً على استنتاجات دراسته: "تحليلنا لا يشير بأصابع الاتهام إلى طرف، لكنه يُظهِر وضعاً مائياً مؤلماً سيتسبب فيه (السد)، الذي يُتوقع أن يكون أكبر نزاع حول الإجهاد المائي في تاريخ البشرية. ويمكن تجنُّبه إذا تم تقديم الدعم المناسب للمياه والطاقة والبيئة في حوض النيل". وأردف: "هناك حاجة حقيقية لعمل سليم من أجل حل الغموض الذي يحيط بهذا الجدل".

وتكمن الأزمة في أن السد الإثيوبي الضخم، الذي تبلغ تكلفته 5 مليارات دولار، تُقدَّر سعته التخزينية الكاملة بنحو 74 مليار متر مكعب من المياه. ويعتبر البحث أن هذه الكمية كبيرة جدّاً، ولو استغرقت سنوات لإتمامها، فإن عملية الملء سيترتب عليها آثار مدمّرة في ما يخصّ اتجاه مجرى النهر في دولتَي المصبّ السودان ومصر.

وحسب البحث: "تعتمد مصر على مياه النيل بنسبة تصل إلى أكثر من 90%، لكن مع ازدياد عدد سكانها بنسبة 25% خلال 30 عاماً، سيترافق ذلك مع زيادة كمية الطلب (على المياه)، في الوقت الذي تتوقع فيه مصر كميات أقل من المياه القادمة عبر نهر النيل، الأمر الذي قد يهدّد بـ«أزمة كبيرة»".

وعن أبرز الآثار الوخيمة المنتظرة حيال أزمة ملء السد، يذهب الباحثون إلى استنتاج تقلص المساحة المزروعة حالياً بنسبة تصل إلى 72%. ويترتب على ذلك انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الزراعي بمقدار 51 مليار دولار، وذلك خلال إجمالي فترة الملء قصيرة الأجل التي تتراوح من 3 إلى 5 سنوات. ويضاف إلى الاستنتاجات انخفاض ملحوظ في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة تقريبية 8%، والذي سيترتب عليه أيضاً ارتفاع في معدلات البطالة من 11% إلى 25%، وهذه النسبة تُعتبر ضمن أعلى معدلات البطالة على مستوى العالم.

ويستخلص البحث أن كل تلك المعطيات تنذر باضطراب وعدم استقرار اجتماعي واقتصادي حادّ سيضرب مصر حال عدم اتخاذ إجراءات تخفيفية عاجلة. ويطرح الباحثون حلّاً لتخفيف ومعالجة الأزمة -ولو جزئياً- عبر تعديل تشغيل السد العالي في أسوان، والتوسع في استخراج المياه الجوفية واعتماد سياسات جديدة لزراعة المحاصيل.

ويرد في البحث نصاً: "يمكن تعويض التأثيرات جزئياً عن طريق تعديل العمليات في مصبّ سدّ أسوان في جنوب مصر، وضخ المزيد من المياه الجوفية، وزراعة أنواع مختلفة من المحاصيل وتحسين أنظمة الري".

وحذر الخبير المصري مفيداً بأن "مصر تظلّ عاجزة عن التنبؤ بفترات الجفاف، وليس لديها الأدوات الضرورية القادرة على استشراف مستقبلها المائي والتنموي".

وأعرب حجي عن قلقه بحق الدور التفاوضي المصري في ملف السد، إذ يؤمن بأن الباحثين المصريين يعانون فجوة كبيرة بينهم وبين صانعي القرار السياسي، وأن الساسة لا يدركون حجم وتداعيات أزمة سد النهضة على النحو المطلوب.

TRT عربي