تابعنا
في الخامسة من عمره رأى أوجي طائرة لأول مرة، وهو يسير إلى جانب جدته بقريته، في مسقط رأسه سلفيكا التابعة لمحافظة مرسين التركية الواقعة على ساحل المتوسط، وأخبر جدته بأنه يريد أن يصبح سائقاً لهذه الطائرة.

في أولى ساعات 19 يناير/كانون الثاني، وفي تمام الثانية عشرة وتسعة وأربعين دقيقة بعد منتصف الليل بتوقيت أنقرة، انطلقت مهمة (Ax-3) إلى محطة الفضاء الدولية، وتحمل على متنها أول رائد فضاء تركي، ضمن طاقمها المكون من أربعة أعضاء.

وتتوقع وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) أن تلتحم "أكسيوم ميشن 3" بمحطة الفضاء الدولية بعد 36 ساعة تقريباً من انطلاقها، الذي سيجرى عبر صاروخ "سبيس إكس فالكون 9"، من منصة رقم "39A" بمركز كنيدي للفضاء في فلوريدا التابع لـ"ناسا"، ومن أجل العودة إلى الأرض مرة أخرى حُددت مواقع شرقي وغربي ولاية فلوريدا الأمريكية، وسيُختار بينها حسب الظروف الجوية خلال الهبوط.

أول تركي إلى الفضاء

إثر إعلان وكالة الفضاء التركية (TUA) في مايو/أيار 2022 عبر موقعها الإلكتروني اختيار مواطنَين تركيين لمهمة فضاء علمية، تلقت 36 ألف طلب للالتحاق، وبعد التدقيق في ملفاتهم استدعت 30 مرشحاً إلى أنقرة، للخضوع لاختبارات في المجالات ذات الصلة مثل الهندسة والفيزياء والطب والفلك والرياضيات، وكذلك الاختبارات الطبية والنفسية، التي تمهد للمشاركة في تلك المهمة الفضائية.

وبعد إتمام عملية التقييم التي استغرقت أكثر من 10 أشهر، أعلن الرئيس أردوغان خلال مهرجان "تكنوفيست" لتكنولوجيا الطيران والفضاء بمطار أتاتورك في إسطنبول في 29 أبريل/نيسان 2023، اختيار ألبير غزر أوجي رائد فضاء رئيسياً للمهمة، واصفاً إياه بـ" طيار بطل حقق نجاحات مهمة في القوات المسلحة التركية"، وإلى جانب أوجي أُعلن توفا جيهانغير أتاسيفر، رائد فضاء احتياطياً خلال المهمة.

ومن أجل الاستعداد الكامل للمهمة، جرت عمليات التدريب في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية، بالتعاون مع شركة "أكسيوم سبيس"، لتوفير خدمات التدريب والطيران لأول رائد في مهمة فضائية مأهولة لتركيا.

وسوف تستغرق الرحلة الفضائية 14 يوماً، يُجري أوجي خلالها في المحطة الدولية تجارب علمية أعدتها مؤسسة البحث العلمي والتكنولوجي في تركيا "TÜBİTAK" وجامعات تركية مختلفة منها بوغازيتشي ويلدز التقنية وجامعة أنقرة، بإشراف لجنة تضم خبراء من وكالة الفضاء التركية، ومعهد البحث العلمي والتكنولوجي التركي.

رائد الفضاء التركي ألبير غزر أوجي في أثناء التدريبات من أجل المهمة الفضائية (AA)

وجاء في البيان الذي أصدرته وزارة الصناعة والتكنولوجيا، أنه ستُجرى 13 تجربة في الفضاء ما بين كيميائية وفيزيائية وبيولوجية، ستسهم في مختلف العلوم وفي تطوير علاجات وإجراءات وقائية جديدة للأمراض الموجودة في العالم، وكذلك تطوير مواد الجيل الجديد لصناعة الفضاء والطيران والدفاع.

كما تتضمن التجارب اختبارات خاصة بالقدرة على البقاء لمدة أطول في الفضاء، لتوفير نظام مستدام ضد الضغوط البيولوجية وغير البيولوجية التي تحدث في أثناء البعثات الفضائية طويلة المدى، والتي تعد واحدة من كبرى العقبات التي تسعى البشرية للتغلب عليها لمستقبل أفضل في الفضاء.

"مستعد عقلياً وجسدياً"

في الخامسة من عمره رأى أوجي طائرة لأول مرة، وهو يسير إلى جانب جدته بقريته، في مسقط رأسه سلفيكا التابعة لمحافظة مرسين التركية الواقعة على ساحل المتوسط، وأخبر جدته بأنه يريد أن يصبح سائقاً لهذه الطائرة.

تفاصيل المهمة الفضائية "أكسيوم ميشن 3" (TRT Arabi)

كبر أوجي والتحق بأكاديمية القوات الجوية في إسطنبول، ليحصل على بكالوريوس العلوم في هندسة الإلكترونيات، وبعدها حصل على درجة الماجستير من معهد التكنولوجيا التابع للقوات الجوية الأمريكية.

ووفق ما ذكره موقع وكالة الفضاء التركية، عمل العقيد الطيار البالغ حالياً 43 عاماً في سلاح الجو التركي لـ21 عاماً، وقاد طائرات من طراز "إف 16"، وعُين مؤخراً في وحدة قيادة القاعدة العاشرة في مدينة أضنة التركية، مسؤولاً عن توحيد وتقييم السرب، وتنظيم جميع وثائق التدريب وفقاً لمعايير القوات الجوية، بالإضافة لإجراء الاختبارات لجميع طياري "إف 16" و"KC-135R".

ومن أجل هذه المهمة التاريخية، قال رائد الفضاء التركي إنه خضع لتدريبات مكثفة وشاملة على مدى الـ8 أشهر الماضية على الإجراءات المنتظمة وكذلك إجراءات الطوارئ، مشيراً -في 5 يناير/كانون الثاني الجاري- إلى أنه "سيبدأ الحجر الصحي الليلة مع زملائه الـ3 الآخرين المرافقين له في الرحلة".

الرئيس أردوغان يتوسط رائدَي الفضاء ألبير غزر أوجي وتوفا جيهانغير أتاسيفر، خلال مهرجان "تكنوفيست" لتكنولوجيا الطيران والفضاء بمطار أتاتورك في إسطنبول. (AA)

ويضيف أوجي لـTRT عربي، أن الهدف من فترة قطع التماس مع العالم الخارجي لمدة أسبوعين قبل الانطلاق، هو عدم نقل أي مرضٍ من الأرض إلى محطة الفضاء الدولية، مؤكداً أنها خطوة إلزامية قبل جميع المهمات الفضائية المأهولة.

وأعرب رائد الفضاء التركي عن امتنانه لهذه الخطوة قائلاً: "بالتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، إنها خطوة تاريخية ورمزية مهمة للغاية، وهي بداية رحلة جديدة لبلدنا العظيم، ستلهم أجيالنا القادمة في طريقها إلى الفضاء البعيد".

ويصف أوجي الرحلة بأنها "كاملة وتشمل مجالات عدة"، موضحاً أنه بالإضافة لكونها أول مهمة فضائية تركية مأهولة، فهي مهمة علمية "سنُجري فيها تجارب من مختلف التخصصات والعلوم، ستُلهمنا في مجالات عدة، مما سيعطي علماءنا فرصاً متساوية للمنافسة العالمية، علمياً وأكاديمياً".

من ناحية أخرى، يرى أوجي أن تلك المهمة أيضاً ستفتح آفاقاً جديدة لشباب وأطفال تركيا الذين يعتزمون دخول عالم الفضاء الذي يعد نظاماً بيئياً ضخماً يضم جميع أنواع التخصصات المختلفة، وستُلهم الأجيال القادمة لدراسة كثير من التخصصات المختلفة الإيجابية.

وعن شعوره لصعوده الفضاء للمرة الأولى، يقول أوجي: "بصراحة لست متوتراً أو قلقاً بشأن ذلك، فأنا مستعد عقلياً وجسدياً من قبل بدء المهمة بأكملها، منذ عملية التقديم قبل سنة ونصف".

ويردف: "على العكس أنا سعيد للغاية، ويشرفني تنفيذ هذه المهمة، ولا أقصد على المستوى الشخصي، بل بصفتي مواطناً تركياً".

الطابع التذكاري الخاص الذي صمّمته وكالة الفضاء التركية ومؤسسة البريد بمناسبة هذا الحدث التاريخي (AA)

وفي ختام حديثه، عبّر رائد الفضاء التركي عن سعادته بالعمل في بيئة دولية تتنوع فيها الخبرات والخلفيات العلمية، مضيفاً أنهم يشاركون أيضاً خلفياتهم وتجاربهم الفردية في الطيران، "فجميعنا قادم من الطيران العسكري ونجمع كل نقاط قوتنا ليستفيد بعضنا من بعض".

وإلى جانب التركي ألبير غزر أوجي، ذكرت شركة "Axiom Space" أن طاقم المهمة يجمع 3 آخرين من الرواد، هم: مايكل لوبيز أليغريا، رائد الفضاء الرئيسي في الشركة والقائد السابق لمحطة الفضاء الدولية، الذي يمثل إسبانيا والولايات المتحدة، ووالتر فيلادي من القوات الجوية الإيطالية، ورائد الفضاء السويدي ماركوس واندت من وكالة الفضاء الأوروبية.

رائد الفضاء التركي ألبير غزر أوجي يودّع أسرته قبل التوجه نحو المركبة الفضائية (AA)

واحد من عشرة أهداف

تصادف هذه المهمة أيضاً الذكرى الخامسة لتأسيس وكالة الفضاء التركية، وتأتي هذه الرحلة التي تحمل على متنها أول رائد فضاء تركي، خطوة أولى ضمن الأهداف العشرة لبرنامج "الفضاء الوطني التركي" الذي أعلنه الرئيس أردوغان عام 2021، من أبرزها الوصول إلى القمر، وتطوير الموارد البشرية ذات الكفاءة في مجال الفضاء، وكذلك تأسيس ميناء فضائي لإطلاق واستقبال المركبات الفضائية.

وقد أشار الرئيس أردوغان في ذلك الوقت، إلى أن الحكومة وفّرت دعماً وصل إلى 2.1 مليار ليرة تركية، خلال 18 عاماً، لـ56 مشروعاً تتعلق بالأقمار الصناعية وأنظمة إطلاق الصواريخ ومعدات الفضاء، مؤكداً أنه شخصياً سيتابع مشاريع وكالة الفضاء الوطنية، وتنفيذ الأهداف المحددة ضمن برنامج الفضاء التركي.

وبمناسبة هذا الحدث التاريخي، صمّمت وكالة الفضاء التركية ومؤسسة البريد طابعاً تذكارياً خاصاً، يضم النجمة السلجوقية ذات الرؤوس الثمانية وداخلها شعار مئوية تأسيس الجمهورية وشعار وكالة الفضاء التركية، وإلى جانبها صورة ظلية لرائد الفضاء الأول غزر أوجي مع العلم التركي على كتفه، إضافةً إلى 16 نجمة بمحيط الطابع ترمز إلى الدول التركية الـ16 عبر التاريخ.

TRT عربي
الأكثر تداولاً