كيف أشعلت حرب غزة موجة الإسلاموفوبيا في ألمانيا؟ / صورة: AP / صورة: DPA (DPA)
تابعنا

في أحدث تطور لتنامي خطاب الإسلاموفوبيا في ألمانيا، علّق أحد المسارح بمدينة توبينغن (شمال غرب)، الاثنين، لافتة على واجهته يعلن فيها التضامن مع إسرائيل، ويربط بين الإسلام ومعاداة السامية، وهو ما أثار حفيظة قطاع واسع من الجالية المسلمة في المدينة وعدد من النشطاء المناهضين للإسلاموفوبيا.

يأتي هذا في وقت تزداد فيه تحذيرات الخبراء من ارتفاع منسوب جرائم الكراهية ضد المسلمين، مع استمرار الحرب في غزة وما يثيره من تضييق سياسي يتعرّض له مناصرو القضية الفلسطينية في ألمانيا.

تحريض واتهامات على لافتة توبينغن

كُتبَ على اللافتة التي علّقها مسرح توبينغن على إحدى واجهاته: "على الجاليات المسلمة أن تتوقف عن معاداة وكراهية إسرائيل". وتصف المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي بأنها "قتل لليهود" وأنها "ليست نضالاً من أجل الحريّة".

وأثارت هذه الكلمات حفيظة الكثيرين من أبناء الجاليات المسلمة في المدينة، الذين تداولوا صورة اللافتة على مواقع التواصل الاجتماعي، مرفوقة بتعليقات ترفض ربطهم وربط الإسلام بمعاداة السامية.

وحسب ناشط ألماني من أصول عربية يسكن مدينة توبينغن -رفض الكشف عن اسمه- فإن موقف الجاليات العربية والمسلمة "واضح وظهر من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي"، مشيراً إلى أنهم أوضحوا في أكثر من فعالية، الرفض التام لهذه الاتهامات".

وأضاف الناشط في مناهضة العنصرية، لـTRT عربي: "تُعمَّم تلك الاتهامات لتشمل الجالية بكاملها، عندما يوظّف عمدة المدينة صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، من أجل إثارة تلك النعرات والتشكيك في سياسات الإدماج".

وقد كان عمدة توبينغن، بوريس بالمر، قد نشر على صفحته في فيسبوك صورة اللافتة التي تعرضت للتخريب لاحقاً من مجهولين، مؤكداً دعمه لمبادرة المسرح.

وفي تصريحاته لـTRT عربي، علّق عمدة توبينغن على القضية، بالتأكيد مجدداً على دعمه مضمون اللافتة، قائلاً: "أنا أدعم بشدّة الرسالة (التي حملتها اللافتة).. قتل اليهود ليس نضالاً من أجل الحرية".

وأجاب بوريس بالمر، على سؤال TRT عربي حول ما إذا كان ربط اللافتة الإسلامَ بمعاداة السامية يمثّل إساءة للمسلمين، قائلاً: "نظراً لأن اللافتة تتناول المسلمين واليساريين واليمينيين على حد سواء، فإن هذا التفسير سخيف".

وأضاف قائلاً: "ليست هنالك إساءة على الإطلاق في أن نتحدث عن هذا، ما لم يكن المستاؤون هم بأنفسهم معادين للسامية. هكذا يستحق هؤلاء الأشخاص أن يساء إليهم ليعيدوا التفكير في موقفهم".

ودافع العمدة بالمر عن ربط معاداة السامية بالمسلمين، بالقول: "يُظهر الكثير من الاستطلاعات أن العداء للسامية يلاقي دعماً أكبر في المجتمعات الإسلامية، منه بين السكان غير المسلمين. هذا الارتباط حقيقي، وبالتالي تجب مناقشته".

ولم يدل المتحدث عن أي مصدر لهذه الاستطلاعات، كما لم تحصل TRT عربي من خلال بحثها على مصدر مستقل يسند هذا الادعاء.

اللافتة التي علّقها مسرح توبينغن على إحدى واجهاته (Others)

خطاب تحريضيّ وتهديدات إسلاموفوبيا

ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزّة، ومعه التضييقات التي تطول دعاة وقف إطلاق النار ومناصري القضية الفلسطينية في ألمانيا، وخطاب السياسيين الألمان ووسائل الإعلام الذي يربط بين المسلمين ومعاداة السامية، تزداد مخاوف ارتفاع منسوب الإسلاموفوبيا وجرائم الكراهية ضد الجالية المسلمة في البلاد. وهو ما تؤكده معيّن زهاب، الناشطة الألمانية وعضوة المنظمة اليهودية المناهضة للفاشية "جويش بوند"، في حديثها لـ TRT عربي.

تقول زهاب إن ربط معاداة بالمسلمين "هي استراتيجية متعمَّدة لتبرير التمييز العنصري المتصاعد ضد المسلمين والعرب وجميع الأشخاص الذين يتضامنون مع قضية الفلسطينيين".

وتضيف الناشطة الألمانية: "في الواقع، إنهم (السياسيين الألمان) لا يحاربون معاداة السامية، بل هم يحمون التفوق العرقي الأبيض ويحمون الإمبريالية".

وحسب الناشط الألماني من أصول عربية، فإن "العنف في ازدياد ملحوظ داخل المجتمع الألماني منذ سنوات، وذلك بسبب الاستقطاب السياسي العنصري (...) نحن نلاحظ ذلك، ولذلك أدعو الصحفيين والباحثين لمساعدتنا على رصد تلك المشكلات بشكل حيادي، لأن المجتمع الألماني لا يتفاعل بالشكل الكافي معها".

يُذكر أن الناشط فضّل التحدث لـTRT عربي دون ذكر اسمه، لخوفه من أفعال انتقامية قد تنفذها الجماعات اليمينية المتطرفة في حقه. يقول: "لقد هددوني في إحدى المرات، كما اعتدوا بالضرب على صديق لي".

من جانبه، أوضح معتصم الرفاعي، عضو مجلس الهجرة والاندماج في مدينة نورنبرغ والناشط الحقوقي، خلال تصريحاته لـTRT عربي، أنه "حالياً هناك مشكلة في ألمانيا، وهي أنه يجري تبرير العنصرية ومعاداة العرب والمسلمين بمحاربة معاداة السامية (...) وهو ما تحاول جماعات يمينية متطرفة في ألمانيا استغلاله، مستفيدين من الجو العام المعادي للعرب والمسلمين بسبب الحرب في غزة".

على الأرض، وبلغة الأرقام، فقد تعرض نحو 81 مسجداً في ألمانيا لاعتداءات مختلفة منذ بداية العام الجاري 2023، إذ وقع نصف هذه الهجمات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول مع بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، حسب ما أورده الأمين العام للاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية في ألمانيا (ديتيب)، أيوب كاليون.

وتعدّ هذه النسبة مرتفعة جداً قياساً بالعام الماضي، إذ تعرض 35 مسجداً في عموم ألمانيا للتهديد أو الهجوم بطرق مختلفة، وفق تقرير صادر عن الاتحاد ذاته، بعنوان "هجمات 2022 على المساجد".

وسبق واعترفت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، في تصريحات لها، بأن ألمانيا تعاني مشكلة الإسلاموفوبيا، إذ "يتفق كل شخص تقريباً (في ألمانيا) مع التصريحات المعادية للإسلام".

كما حذّر خبراء ألمان من أن الإسلاموفوبيا مشكلة جدية في البلاد. وفي حديثه لوكالة الأناضول قال ماتياس روهي، الباحث المشارك في تأليف أحد التقارير الأكثر شمولاً حول الإسلاموفوبيا في ألمانيا، إنه "نظراً إلى تفشي الإسلاموفوبيا، يواجه المسلمون في ألمانيا تمييزاً كبيراً في حياتهم اليومية".

TRT عربي
الأكثر تداولاً