لماذا تعتبر زلازل تركيا مميتة لهذه الدرجة؟ / صورة: Reuters (Stoyan Nenov/Reuters)
تابعنا

تقع تركيا في منطقة زلزالية نشطة للغاية، إذ تقع فوق ثلاث صفائح تكتونية ويمر من داخل أراضيها ثلاثة خطوط زلزالية فاعلة وخطيرة، مما يجعلها عرضة دائمة لزلازل صغيرة شبه يومية وزلازل مدمرة من وقت إلى آخر، كان آخرها الزلزالين بقوة 7.7 و7.6 درجة على مقياس ريختر اللذَين ضربا يوم الاثنين ولاية قهرمان مرعش وخلّفا أثاراً مدمرة على نطاق واسع في 10 مدن جنوبي تركيا.

وعلى الرغم من كل الجهود والإجراءات الصارمة التي تبنتها تركيا بعد وقوع زلزال جولجوك عام 1999 من أجل تقوية المباني وتحسين استعدادات الاستجابة لمثل هذه الكوارث، فإن قوة الزلازل والمنطقة الشاسعة التي ضربها، فضلاً عن وقوعه فجراً والناس نيام وسط ظروف جوية قاسية كلها عوامل كانت سبباً في ارتفاع عدد القتلى والمصابين ووقوع أضرار واسعة النطاق على رقعة كبيرة جداً، يقطنها ما يقرب من 13 مليون شخص.

وحسب آخر الإحصائيات، تجاوز عدد القتلى أكثر من 17 ألفاً، فيما وصل عدد المصابين أكثر من 70 ألفاً وعدد المباني التي دمرت يُقدّر بعشرات الآلاف في المدن الواقعة جنوبي شرق تركيا. في هذا التقرير، نستعرض أسباب ارتفاع حصيلة ضحايا الزلازل في تركيا.

جغرافياً وديمغرافياً

تقع تركيا فوق صفيحة الأناضول التي تحاصرها ثلاث صفائح تكتونية رئيسية أخرى، هي: الصفيحتين العربية والإفريقية جنوباً والصفيحة الأوراسية شمالاً. وينشط داخل حدودها ثلاثة خطوط زلزالية فاعلة، قادرة جميعها على توليد زلازل بقوة 7 درجات فما فوق، هي صدع غرب الأناضول المتصدع والمتشعب والأكثر حركة ويمر بمناطق بحر إيجة وبحر مرمرة، وصدع شمال الأناضول بطول 1350 كيلومتراً، ويمر بالمناطق المقابلة للبحر الأسود وصولاً إلى أسفل بحر مرمرة غرباً، وصدع شرق الأناضول بطول 530 كيلومتراً الذي تسبب في عاصفة الزلازل الأخيرة، والذي يعد ثاني أخطر صدوع الزلازل في تركيا.

ما حكاية صدع شرق الأناضول وما أشد الزلازل التي ضربت المنطقة تاريخياً؟/الصورة: AFAD (Others)

وسبق أن تعرضت تركيا لأكثر من 23 زلزالاً بقوة 7 درجات وما فوق منذ القرن السادس عشر، من أهمها: زلزال إسطنبول العظيم الذي وقع عام 1509 وراح ضحيته ما يقارب 13 ألفاً، وزلزال أرزينجان في عام 1939 وكانت قوته 7.9 درجة وتسبَّب في وفاة 33 ألفاً، وزلزال جولجوك/مرمرة عام 1999 والذي أنهى حياة 17480 شخصاً.

وحسب تقرير الأناضول، يحدث بالمتوسط زلزال على الأقل قوته بين 5 و6 درجات كل عام في تركيا، فيما يسكن ما يقارب 60% من سكان تركيا بالمناطق المعرضة للخطر الزلزالي، لذلك تولي الحكومة أهمية كبرى لإعادة البناء والتهيئة للمباني غير الصالحة لمقاومة الزلازل وخصوصاً الواقعة ضمن هذه المناطق، بالإضافة إلى تهيئة البنى التحتية وتقويتها.

الأقوى والأعنف منذ نحو قرن

بشدة بلغت 7.7 درجة على مقياس ريختر، ضرب أحد أقوى الزلازل منذ نحو قرن قضاء بازارجيق بولاية قهرمان مرعش التي وقعت في المنطقة منذ قرن، إذ هز السكان من سباتهم في الساعات الأولى من فجر يوم الاثنين، وامتد على طول نحو 100 كيلومتراً من خط الصدع، مما تسبب في أضرار جسيمة للمباني في المناطق القريبة من صدع شرق الأناضول.

وإلى جانب القوة والوقت، أسهم مركزه الضحل نسبياً (يشير التحليل الأولي أنه وقع على عمق 7 كيلومترات فقط) في تضخيم مقدار القوة المحسوسة على السطح.

وترددت أصداء سلسلة من الهزات الارتدادية في أنحاء المنطقة في الساعات التي تلت الحادث الأول مباشرة. وجاءت هزة ارتدادية بلغت قوتها 6.7 درجة بعد 11 دقيقة من وقوع الزلزال الأول، لكن الزلزال الأكبر، الذي بلغت قوته 7.6 درجة، وقع بعد نحو تسع ساعات في الساعة 13:34 ظهراً، وفقاً لما ذكرته رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (AFAD).

تسبب الزلزال الأول وعاصفة الزلازل الارتدادية التي تلته في دمار هائلاً لدرجة لا تستطيع أي دولة السيطرة عليه، خصوصاً أن المنطقة تحتوي على عديد من المباني القديمة التي بُنيت قبل عام 1999. ووفقاً لتصريحات وزير البيئة والإعمار التركي مراد كوروم: "نحن أمام كارثة ضخمة تمثلت في زلزال يؤثر بشكل مباشر على 13.5 مليون مواطن، وهو زلزال ضرب منطقة مساحتها 1000 كيلومتر مربع".

ما الذي جعله مميتاً لهذه؟

أسهم عدد من العوامل في جعل هذا الزلزال مميتاً للغاية. فإلى جانب القوة والعمق والمساحة التي ضربها، كان الوقت أيضاً واحداً من أهم العوامل التي جعلت مميتاً لهذه الدرجة، إذ وقع الزلزال الساعة 04:17 فجراً، وقت كان معظم الناس في أسرّتهم ولم تتح لهم سوى فرصة ضئيلة للهروب، ما جعل كثيراً منهم محاصاً الآن تحت أنقاض منازلهم.

العوامل الموجودة فوق سطح الأرض أسهمت في جعل الأمور أسوأ أيضاً، إذ جعلت الظروف الجوية السيئة مهمة الوصول إلى المناطق المتضررة أكثر صعوبة، ما أخر وأعاق جهود الإنقاذ والإنعاش في المنطقة. فيما أسهم استمرار هطول الأمطار والثلوج في تعريض حياة أولئك المحاصرين تحت الأنقاض، الذين قضوا أياماً بالفعل بلا طعام أو ماء، لخطر انخفاض درجة حرارة الجسم.

وبالإضافة إلى العوامل الطبيعية، أسهمت المباني القديمة، المشيَّدة قبل عام 1999 دون مراعاة المعايير الهندسية المقاوِمة زلزالياً التي فرضتها تركيا بصرامة في قانون البناء الجديد الذي أصدرته في الفترة التي أعقبت زلزال مرمرة عام 1999، التي لم تستطع الصمود بوجه الزلزال في زيادة أعداد الضحايا بشكل كبير أيضاً.

TRT عربي