أُطلِق على هذه الليلة "ليلة البلّور" لكثرة شظايا الزجاج المكسور التي تناثرت في الشوارع بعد تحطيم نوافذ المعابد اليهودية والمتاجر والمباني المملوكة لليهود (Keystone-France/Gamma-Keystone via Getty Images)
تابعنا

باتت الاعتداءات الجسدية والترهيب النفسي ممارسات يومية ضدّ اليهود في ألمانيا والنمسا وذلك عقب تولّي النازيين الحكم عام 1933، وفقَدَ العديد من اليهود عملهم، وأُصدِرت قوانين تُضيّق تحركاتهم في الأماكن العامة وتمنعهم من دخولها.

وفي ليلة 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1938 نفّذ النازيون عمليات ضد مصالح وبيوت يهودية في ألمانيا والنمسا، وحرّضت قوات من الشرطة وقوى الأمن الألمانية النازيين على القيام بأعمال ضدّ اليهود حيثما وُجدوا، وهاجم الألمان النازيون الكُنس اليهودية والمتاجر والمحال التابعة لليهود ودمّروها وأحرقوها ليلاً.

اضطهاد ممنهج

عقب تبوؤ النازيين الحكم عام 1933، بات اليهود الألمان عرضة لممارسات وتضييق مستمر، عمد به النازيون إلى التخلّص من الوجود اليهودي في بلادهم عبر شتّى الوسائل.

وفي أغسطس/آب 1938 أعلنت السلطات الألمانية إلغائها تصاريح الإقامة للأجانب قائلة إنّه سيتعيّن عليهم تجديدها، وهو ما يشمل اليهود المولودين في ألمانيا الذين يحملون جنسية أجنبية، فيما صرّحت بولندا بأنّها ستتخلّى عن حقوق المواطنة لليهود البولنديين الذين يعيشون في الخارج لما يزيد عن خمس سنوات وذلك بعد نهاية أكتوبر/تشرين الأوّل من العام ذاته، ما يجعلهم فعلياً عديمي الجنسية.

وبدأت السلطات النازية إصدار قوانين لسلب ممتلكات اليهود وإبعادهم عن الوظائف والمناصب الحكومية والتعليمية، وكذلك عمّقت السلطات نفسها عمليات ملاحقة اليهود ومضايقتهم إلى أن بدأت تنفيذ عمليات تجميع اليهود في معسكرات التكثيف ومن ثَمّ نقلهم إلى معسكرات للإبادة.

واندلعت شرارة هجمات "ليلة البلّور" عند اغتيال الدبلوماسي الألماني إرنست فوم راث في باريس يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني على يد مراهق يهودي بولندي مولود في ألمانيا يُدعى هيرشل غرينسبان.

وإثر الحادث، ردّت الحكومة الألمانية بمنع الأطفال اليهود من دخول المدارس الابتدائية الحكومية الألمانية، ووقف الأنشطة الثقافية اليهودية إلى أجل غير مسمى، إضافة إلى وقف نشر الصحف والمجلات اليهودية.

ووصفت صحيفة بريطانية الخطوة الأخيرة، التي أدّت إلى عزل السكان اليهود عن قادتهم، بأنّها "تهدف إلى زعزعة الجالية اليهودية وسلبها آخر الروابط الضعيفة التي تربطها ببعضها البعض".

"تهميداً للهولوكوست"

في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1938 نفّذت قوات من الشرطة الألمانية وقوات شبه عسكرية، تابعة للحزب النازي جنباً إلى جنب مع المدنيين في جميع أنحاء ألمانيا النازية والنمسا، أعمال عنف ضدّ اليهود، ونهبت منازلهم ومستشفياتهم ومدارسهم، وهدمت مبانيهم بالمطارق الثقيلة، فيما راقبت السلطات الألمانية الموقف دون تدخل.

وأُطلِق على هذه الليلة "ليلة البلّور" أو "ليلة الكريستال" (Kristallnacht) لكثرة شظايا الزجاج المكسور التي تناثرت في الشوارع بعد تحطيم نوافذ المعابد اليهودية والمتاجر والمباني المملوكة لليهود.

واختلفت تقديرات الوفيات الناجمة عن الهجمات، وقدَّرت التقارير الأوّلية مقتل 91 يهودياً، فيما ذكرت مصادر ألمانية صدرت لاحقاً رقماً أعلى من ذلك بكثير وذلك بعد تضمين الوفيات الناجمة عن سوء المعاملة بعد الاعتقال، وحالات الانتحار اللاحقة، وهو ما يرفع عدد القتلى إلى مئات.

وقُبِض إثر الهجمات على أكثر من ثلاثين ألفاً زُجّ بهم في معسكرات الاعتقال، وخُرِّبت وهُدِّمت منازل ومستشفيات ومدارس ومنشآت أخرى مملوكة لليهود، وأُحرِق أكثر من ألف كنيس يهودي.

ودمّر النازيون 267 معبداً يهودياً في جميع أنحاء ألمانيا والنمسا وسوديتنلاند غرب السويد، فيما تضرّرت أكثر من 7 آلاف شركة يهودية ودُمِّرت أغلبها على نحوٍ كامل.

ولم يقتصر الهجوم على اليهود وممتلكاتهم في برلين فحسب، وإنّما شمل مدناً ألمانية أخرى مثل كولونيا وفرانكفورت وهامبورغ، إلى جانب عدد من القرى الصغيرة.

يقول رافائيل غروس، المؤرّخ الذي يرأس المتحف اليهودي في فرانكفورت، إنه و"لعدة أسباب شارك الألمان في الاعتداءات، وذلك إمّا فعلياً أو بالسكوت"، واعتبر أنّ ما حدث تلك الليلة "حصل تحت أنظار صحافة العالم، والسفراء، وكل المواطنين".

واعتبر الكثير من المؤرّخين عمليات "ليلة البلّور" أنّها جاءت بمثابة تمهيد لما عُرِف باسم مذبحة "الحل الأخير" (الهولوكوست).

وحسب غروس، فإنّه "من المهم أن نفهم تلك الليلة على أنّها نقطة تحوّل في التاريخ. فبعد 1938، بدأت مرحلة يمكن اعتبارها بأنّها نهاية الحقبة اليهودية الألمانية، وفي ظلّها تَحوَّل المجتمع الألماني إلى مجتمع آخر".

TRT عربي