كانت دراسة الظواهر الكهرومغناطيسية التي تسبق الزلازل والانفجارات البركانية موضوعاً هاماً للغاية خلال السنوات الماضية. (Others)
تابعنا

ما بين العلم والشائعات، وما بين الحقيقة والخرافة، لا تزال أصداء الزلزال الأخير الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا، في السادس من فبراير/شباط الماضي، تتردد في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث تتدفق آلاف المنشورات والصور كل يوم، دون أدنى درجات التحقق والتدقيق في كثير منها، لينتشر تبعاً لذلك فيض من المعلومات المغلوطة والمضللة، إضافة إلى فرضيات بعيدة عن العلم.

ومنذ أن بدأ العالم الهولندي فرانك هوغربيتس نشر تنبؤاته المستمرة حتى الآن حول الزلازل، والتي نسب حدوثها إلى "هندسة كوكبية"، توجه اهتمام الكثيرين إلى الفضاء الخارجي، بوصفه سبباً محتملاً لحدوث الزلازل، أو مجالاً لدراسة التنبؤات بحدوث الزلازل وتطوير منظومات الإنذار المبكر من خلاله.

من هذه الاهتمامات، برزت إلى السطح ظاهرة "رنين شومان" وهي موجات كهرومغناطيسية ذات تردد منخفض للغاية تحدث في الفضاء الأيوني للأرض، ويعتقد أنها تتأثر بوجود هذه النشاطات الزلزالية.

والفضاء الأيوني أو الأيونوسفير (Ionosphere) هو أحد طبقات الغلاف الجوي العليا لكوكب الأرض ويمتد على ارتفاع بين 80 و600 كيلومتر حيث تعمل الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية في هذه الطبقة على تأين الذرات والجزيئات. وتعتبر طبقة الأيونوسفير مهمة جداً للأرض إذ تعكس وتعدّل موجات الراديو المستخدمة في الاتصالات الراديوية والملاحة والاتصالات عبر الصناعية.

وتعد مراقبة ودراسة التغيرات في الغلاف الجوي الأيوني لكوكبنا أمراً بالغ الأهمية لاستكشاف الفضاء القريب من الأرض، وحتى استكشاف البنية الكهربائية للجزء الأعمق من باطنها. ويمكن الحصول على البيانات المستخدمة لدراسة تقلبات الغلاف الأيوني إما عن طريق عمليات رصد أرضية وإما عن طريق ما تسجله الأقمار الصناعية.

أحد الأمثلة على الأقمار الصناعية المخصصة لهذه الاستخدامات هو القمر الصناعي SROSS-C2 الذي سجل بيانات درجة حرارة الغلاف الأيوني وكثافته في المنطقة الهندية من 1995-2000. كما استُخدم القمر الصناعي DEMETER بهدف دراسة البيئة الكهرومغناطيسية للأرض والاضطرابات الأيونوسفيرية المتعلقة بالنشاط الزلزالي، بجانب الآثار السابقة واللاحقة للزلازل في الغلاف الجوي المتأين.

ما رنين شومان وكيف يؤثر في الأرض؟

حسب وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" فإن رنين شومان ينتج عن الموجات الكهرومغناطيسية المتولدة عن ومضات البرق التي تخلفها العواصف الرعدية.

ففي كل لحظة يولد نحو 2000 عاصفة رعدية فوق الأرض ينتج عنها 50 ومضة برق كل ثانية، وينتج عن كل وميض برقي موجات كهرومغناطيسية تدور حول الأرض بدءاً من سطح الأرض وحتى ارتفاع 100 كيلومتر تقريباً، والتي تتحد عند أطوال موجية معينة وتزداد قوتها لتكوين نبضات متكررة تُعرف باسم رنين شومان Schumann resonance. ويوفر هذا الرنين أداة مفيدة لتحليل طقس الأرض، وبيئتها الكهربائية، والمساعدة في تحديد أنواع الذرات والجزيئات الموجودة في الغلاف الجوي للأرض.

يتطلب تشكل الرنين أن يتطابق طول الموجة الكهرومغناطيسية مع محيط الأرض (أو أطول مرتين أو ثلاث أو أربع مرات) وهي موجة ذات تردد منخفض للغاية (ELF) يعادل 7.83 هرتز أي أضعف بحوالي مئة ألف مرة من موجات الراديو المستخدمة لإرسال الإشارات الإذاعية إلى أجهزة الراديو المنزلية.

وبينما درس الرنين نظرياً لأول مرة الفيزيائي الألماني وينفرد شومان عام 1952 فقد أكده تجريبياً بالسير وفاجنر أوائل ستينات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين، اكتشف العلماء أن الاختلافات في الرنين تتوافق مع التغيرات في الفصول، والنشاط الشمسي، والنشاط في البيئة المغناطيسية للأرض، والهباء الجوي في الغلاف الجوي، وظواهر أخرى مرتبطة بالأرض.

يتأثر تردد رنين شومان بكثافة الغلاف الأيوني وهذا يعتمد إلى حد كبير على كمية الإشعاع الشمسي التي تبلغ الغلاف بين الليل والنهار، كما يمكن أن يتأثر الرنين أيضاً بثلاث نقاط ساخنة للبرق في العالم هي آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، وبالتالي، فإن قمم قوة الإشارة الراديوية عند رنين شومان تتبع جدولاً متغيراً باستمرار، ولكن يمكن التنبؤ به بشكل معقول.

رنين شومان والتنبؤ بالزلازل

ينتج عن الأحداث الزلزالية اختلافات في المجال المغناطيسي، وكانت دراسة الظواهر الكهرومغناطيسية التي تسبق الزلازل والانفجارات البركانية موضوعاً هاماً للغاية خلال السنوات الماضية، ومن الأمثلة على ذلك ملاحظة حالات شاذة في الموجات ذات التردد المنخفض للغاية (ELF) قبل تطور زلزال "لوما برييتا" في عام 1989 بالقرب من سان فرانسيسكو. وفي وقت لاحق، اكتُشف اختلاف في المجال المغناطيسي الأرضي قبل 7 دقائق من وقوع زلزال "توهوكو" في اليابان، واكتشفه مرصد إيواكي، على بعد 210 كيلومترات من مركز الزلزال.

وعرضت دراسة منشورة على موقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (2013) حالات شاذة لرنين شومان مرتبطة بزلزال توهوكو المدمر، الذي وقع في 11 مارس/آذار 2011 وبلغت قوته 9.0 درجات، وتسبب الزلزال وما أعقبه من تسونامي بخسائر فادحة.

وحسب الدراسة تشير البيانات المأخوذة قبل الزلزال بـ 15 يوماً وبعده بـ 5 أيام إلى التأثيرات الشاذة التي قد تكون مرتبطة بالزلزال المدمر، إذ جرى تمييز التأثير الشاذ بزيادة السعة في أربع حالات لرنين شومان، بدأ هذا التأثير يوم 7 مارس/آذار أي قبل أربعة أيام من الزلزال، واستمر أربعة أيام حتى يوم الزلزال، ثم عاد الرنين إلى حالته المعتادة في اليوم التالي للزلزال.

وخلصت دراسة أخرى منشورة في المجلة الهندية للفيزياء (2020) إلى أنه من المحتمل أن تكون الانحرافات في رنين شومان مرتبطة بالزلازل الكبيرة.

وباستخدام بيانات الرنين لمحطة تقع في المكسيك، حلل الباحثون حالات الشذوذ في التردد والسعة لتوافقيات رنين شومان الثلاثة الأولى خلال فترة مدتها 21 يوماً، قبل 15 يوماً وبعد 5 أيام من 12 زلزالاً بقوة أكبر من 5 درجات، التي حدثت في ساحل المحيط الهادئ المكسيكي. ووجدت الدراسة بعض الحالات الشاذة ذات الدلالة الإحصائية في التردد والسعة حول يوم الحدث الزلزالي، ومع ذلك، فإن دراسة الحالات الشاذة في فترات الزلازل التي تقل شدتها عن 5 درجات تُظهر أيضاً حالات شذوذ ذات دلالة إحصائية، لذلك توصلت الدراسة إلى أن النتائج المتعلقة بوجود حالات شاذة لرنين شومان حول وقت الزلازل في المكسيك باستخدام بيانات المحطة المدروسة ليست قاطعة.

ولا يزال فهم فيزياء هذه العمليات وإمكانية استخدامها لتطوير نظام الكشف المبكر عن الزلازل موضوع بحث وتطوير، ولا سيما في العقود الأخيرة.

TRT عربي