الشتاء القاسي أحد أهم حلفاء الروس في صد الغزاة، لدرجة أنهم منحوه لقب "الجنرال الشتاء"  / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

لقرون، كان الشتاء القاسي أحد أهم حلفاء الروس في صد الغزاة، لدرجة أنهم منحوه لقب "الجنرال الشتاء". ولكن مع حلول موسم الأمطار في أوكرانيا، قد تكون القوات الروسية هي التي تجد نفسها في الجانب الخاسر من "راسبوتيتسا"، الفترة الرطبة الموحلة التي يسببها ذوبان الثلوج في الربيع والأمطار الغزيرة في الخريف، والتي يطلق عليها اصطلاحاً "الجنرال الطين".

وكما تسهل موجة البرد القطبية التي تضرب أوروبا الشرقية عملية نقل الجنود والعتاد فوق الأراضي المتجمدة، فإن فترة "راسبوتيتسا" المشهورة في الجغرافيا الروسية والأوكرانية، والتي تنتج بسبب هطول الأمطار في الخريف وذوبان الثلوج في الربيع، ستعوق تقدُّم القوات والمعدات فوق الأراضي الطينية، مما يجعلها عرضة للصيد بأنظمة الدفاع المضادة للدروع مثل "جافلين" وغيره.

فيما نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن محللين عسكريين أن إن الأسابيع الستة المقبلة، قبل انتشار الطين في الخريف، قد تسمح للجيش الأوكراني بالمضيّ قدماً في دونباس، وربما استعادة خيرسون. ووفقاً لتقديرات المخابرات الأمريكية، يمكن مواصلة الدفع بزخم في الجنوب والشمال الشرقي قبل بدء الفترة الموحلة التي ستوقف تقدُّم القوات الروسية وإعادة تجميعها.

"الجنرال الطين"

راسبوتيتسا، المشهورة أيضاً باسم "الجنرال الطين"، معروفة جيداً للمؤرخين العسكريين. في أثناء غزو نابليون لروسيا عام 1812، لم يتمكن الجنود الفرنسيون من التراجع بفاعلية على الطرق الريفية الموحلة. وبعد أكثر من قرن، خلال الحرب العالمية الثانية، علقت دبابات وشاحنات أدولف هتلر في الوحل العميق عند محاولته التقدم إلى موسكو.

من جهته قال البروفيسور في جامعة دارتموث الحكومية جيسون ليال في بداية الغزو، إن "راسبوتيتسا أحد الفرسان الأربعة في الجيش الأوكراني، إلى جانب صواريخ محمولة مضادة للدبابات وصواريخ أرض-جو".

فالطين من أهمّ العوامل ذات الصلة بإضعاف المناورات العسكرية على الأرض الترابية والطرق المليئة بالحفر، فضلاً عن منع تقدُّم الأرتال والمعدات العسكرية، في روسيا والدول المحيطة بها مثل أوكرانيا.

وفي بداية الحرب، وتَحسُّباً لعدم الوقوع في شراك "الجنرال الطين" الأوكراني، انتظر القادة العسكريون الروس انخفاض درجات الحرارة إلى المستوى الذي يسهّل التنقل عبر الأراضي الأوكرانية نسبيّاً، لأن الأرض تكون متجمدة حينها. لكنهم في المقابل لم يتوقعوا خيانة حليفهم الأزلي فوق الأراضي الأوكرانية، ولم يتوقعوا أن يكون الأوكرانيون قادرين على استهداف خزانات الوقود وقوافل الإمدادات بما لا يبطئ ويعوق تقدُّم القوات الروسية وحسب، بل يجعل الجنود الروس في مواجهة درجات الحرارة المنخفضة التي قد تميتهم تجمداً.

هل سيتغير مسار الحرب؟

غالباً ما ساعد الشتاء الروسي القاسي القوات الروسية على محاصرة وسحق العدو المتقدم، لكن هذه المرة يبدو أن الشتاء يستعد لتوجيه سلاحه ضد حليفه فوق الأراضي الأوكرانية. فـ"الجنرال الطين" الذي لا يقلّ مكراً وضراوةً عن زميله "الجنرال الشتاء"، قد يعوق حركة القوات والمعدات الروسية الثقيلة ويجعلها أهدافاً سهلة للصياد "جافلين".

ووفقاً للخبراء، قد يغير هذا الوضع مسار الحرب الروسية الأوكرانية. فترة راسبوتيتسا تجلب معها ظروفاً صعبة للجيش الروسي، حسب البروفيسور بجامعة أنقرة تورول إسماعيل الذي تحدث لموقع TRT Haber قائلاً: "بالطبع هذا أكثر فائدة لأوكرانيا في الحرب؛ إنه يمنع تَقدُّم القوات الروسية".

وتابع: "الأوكرانيون عموماً لا يستخدمون الأسلحة الثقيلة. بدلاً من ذلك تُستخدم أسلحة تكنولوجية جديدة. على عكسهم، ستُضطرّ روسيا إلى التوقف بسبب استخدامها الدبابات والمدرعات والمدفعية الثقيلة".

وحسب خبراء، فبينما يُعتبر هذا الوضع ميزة لأوكرانيا، له أيضاً جوانب سلبية على كييف، أحدها إمكانية إضعاف تقدُّم أوكرانيا، والآخر أن روسيا ستكسب الوقت لترتيب صفوفها وتعزيز دفاعاتها على الخطوط الأمامية. وقال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف للصحفيين هذا الأسبوع إنه بلا طرق فإن التقدم الأوكراني سيكون أبطأ.

فبمجرد حلول فصل الخريف ستصبح الحرب البرية أكثر صعوبة، وستصبح معها مهامّ إعادة إمداد الخطوط الأمامية أكثر صعوبة، كما ستواجهه المدفعية صعوبة في التحرك لاستخدام تكتيكات "إطلاق النار والهرب"، مما سيجعل استخدام المدفعية أكثر خطورة لكلا الجانبين.

هل تستخلص موسكو العبر من راسبوتيتسا الربيع؟

لطالما استفادت من حقبة راسبوتيتسا في الحروب الماضية، لكن حربها في أوكرانيا لم تُتِح لها توظيف هذه الظروف لصالحها، بل جعلت قواتها ومعداتها التي تحركت لاحتلال كييف في مارس/آذار عرضة للوقوع في شراك الطين الذي لم يعُق تقدُّمها وحسب، بل جعلها أهدافاً سهلة للصياد "جافلين" الذي استخدمته القوات الأوكرانية بكثرة لضرب المدرعات الروسية العالقة بالوحل.

وعلى أثر الفشل في كييف، انتشرت صور كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لدبابات روسية مهجورة في الأشهر الستة من الغزو. فوفقاً لمنظمة Oryx الاستخباراتية مفتوحة المصدر، جرى التخلي عن 315 دبابة حتى الآن، على الرغم من أنه في بعض الحالات لا يزال سبب التخلي عنها غير معروف.

ويعتقد الخبراء الذين تحدثوا لموقع ياهو نيوز، أن تأثير راسبوتيتسا في الخريف لن يكون كما حدث في الربيع الماضي، وعلّلوا ذلك بأن ذوبان الجليد في الربيع له تأثير أكبر من تساقط الأمطار في الخريف. لكنهم في نفس الوقت اتفقوا على أن الطقس الماطر من المرجح أن "يبطئ وتيرة الحرب".

فيما قال محلل جينيس:"في الوقت الحالي، من المرجح أن يتنافس الروس والأوكرانيون على الأراضي على أساس اعتقادهم أن أي أرض سيأخذونها قبل نهاية الصيف ستكون في مأمن من استعادة السيطرة عليها طوال فصل الشتاء مع استمرار الحرب".

وفي ما يتعلق بتوقف المركبات، قال محللون إن القوات الأوكرانية والروسية ستكون أكثر حذراً بشأن قيادة المركبات على الطرق الوعرة واختيار البقاء في حالة الثبات بدلاً من المخاطرة بفقدان المركبات بسبب الوحل.

TRT عربي
الأكثر تداولاً