تابعنا
يحظى تفريغ مياه محطة فوكوشيما النووية بموافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التّي أصدرت في 4 يوليو/تموز الفائت تقريراً شاملاً حول أمان المياه المعالجة باستخدام نظام "آلبس" (ALPS) في المحطة.

قوبل إعلان اليابان عن بدء تنفيذ خطة لتصريفِ أكثر من 1.3 مليون طن من المياه المشعّة المعالجة في محطة فوكوشيما النووية في مياه المحيط الهادئ، بدءاً من يوم الخميس 24 أغسطس/آب الجاري، بانتقادات واسعة من جارتها الصين، ومن عدد من نشطاء البيئة وجمعيات الصيد البحري.

وتضررت المحطة النووية قبل أكثر من 12 عاماً، إثر زلزال مدمّر بلغت شدّته 9 درجات على مقياس ريختر، ضرب الساحل الشمالي الشرقي لليابان، في 11 مارس/آذار 2011 وتسبّب بدمار كبير وتسونامي مدمر أدى إلى مقتل واختفاء أكثر من 18500 شخص، وبكارثةٍ نووية حين غَمرت الأمواج محطة فوكوشيما دايتشي النووية على سواحل المحيط الهادئ.

وأدّت هذه الكارثة الطبيعية إلى تذويب ثلاثة مفاعلات لتوليد الطاقة في المحطة، وإطلاق كميات كبيرة من الإشعاعات في الهواء وصلت إلى التربة ومياه البحر، وأجبرت عشرات الآلاف على إخلاء منازلهم وهجرها، لتبدأ السلطات اليابانية بعدها مشروعاً ضخماً لتطهير المكان وتفكيك المحطة النووية.

خطة تنتهي في 2050

وفي إطار مساعي طوكيو المتواصلة للتخلص من تلك الآثار وتداعياتها، تعتزم شركة تيبكو المشغلة لمحطة فوكوشيما النووية، تصريف المياه الناتجة من مياه الأمطار والمياه الجوفية وعمليات الحقن اللازمة لتبريد قلب المفاعلات في المحطة المتوقفة، بشكل متدرّج في المحيط الهادئ، بعد تمييعها وتصفيتها من أغلب المواد المشعّة، وبمعدّل 500 ألف ليتر يومياً كحد أقصى، في خطة تمتد حتى مطلع خمسينيات القرن الحالي.

وتشمل هذه المواد المشعّة السترونشيوم والسيزيوم، لكنّها لا تشمل التريتيوم، وهو نظير الهيدروجين الذي يجب تخفيفه، لأنّه من الصعب تصفيته والتخلص منه بالتقنيات الحالية، والذي قد يشكّل مخاطر صحية قليلة في التركيزات المنخفضة.

وقبل الإطلاق، تحققت شركة تيبكو من تركيز التريتيوم في الماء المخفّف المخزّن في حفرة تسمى "عمود التفريغ العمودي".

وقال مسؤولو الشركة إنّ تحليل تركيز التريتيوم وجد مستويات تتراوح بين 43 و63 بيكريل لكل لتر، وهذه المقادير أقل بكثير من المعيار الحكومي البالغ 60 ألف بيكريل (وحدة قياس النشاط الإشعاعي).

العناصر المشعّة وأثرها البيئي

يمكن للنشاط الإشعاعي أن يسبب عند التعرّض له بجرعات عالية آثاراً صحيّة مثل إعتام عدسة العين، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والأورام السرطانية مثل سرطان الدم وسرطان الغدة الدرقية، كما قد يدمّر النشاط الإشعاعي الحمض النووي، ويؤدي إلى طفرات جينية تسبّب تشوّهات خلقية لدى الأجيال القادمة، وترتفع نسبة الإصابة بالسرطان لدى الأطفال والمراهقين أكثر من البالغين، لأن أجسامهم لا تزال في مرحلة النمو والتطور.

وينشأ النشاط الإشعاعي من تحول المادة المشعّة إلى مادة ثانية، وتتسبب بانبعاث أشعة نووية معيّنة، فإذا كانت المادة الثانية مشعّة أيضاً فإنّها ستتحلل إلى مادة ثالثة، وهكذا حتى تصل إلى مادة مستقرة، وتسمى المواد المشعّة المتحلّلة على التسلسل السلسلة المشعّة.

ويحدث النشاط الإشعاعي بشكل طبيعي على كوكب الأرض، بنسب منخفضة، أما المصادر الصناعية للإشعاعات فهي تحدث بفعل الإنسان عن طريق إحداث خلل في البروتونات والنيوترونات في ذرات العناصر، ما ينتج عنه خروج إشعاعات ألفا وبيتا وجاما.

ويتعلّق الأثر البيئي للمواد المشعّة بتركيزها، ولا تسبب أخطاراً تذكر في التركيزات المنخفضة، إذ تحيط السلاسل الطبيعية المشعّة بنا، وتوجد في التربة والصخور، ويعدّ اليورانيوم من أشهر هذه السلاسل الطبيعية التي توجد في الطبقة الأولى من قشرة الأرض، ويصل اليورانيوم الموجود في الصخور والتربة إلى غذاء الإنسان من خلال انتقاله عبر السلسلة الغذائية.

كما يوجد الراديوم في الصخور البركانية والغرانيت بنسب مختلفة، وفي قاع المحيطات بسبب الترسبات، كذلك يوجد الراديوم في مياه الشرب، لكنّ نسب تركيزه تختلف من مكان لآخر، وقد تصل في بعض المناطق إلى خمسة أضعاف الجرعة الاعتيادية.

وتجدر الإشارة إلى أنّ التربة تمتص الراديوم بسبب التشابه الكيميائي بينه وبين الكالسيوم، وينتقل منها إلى سلسلة الغذاء ثم إلى الإنسان.

أما في البحار، إذ توجد مجموعات واسعة من الكائنات المجهرية والنباتية، تحلّل البكتيريا الضارة، وتخلّص مياه البحر من الملوثات الطبيعية، فإنّها تقف عاجزة أمام الملوثات الكيميائية والصناعية غير القابلة للهضم، ونفايات المواد المشعّة التي تسبّب تأثيرات سلبية ضارة في النظام البيئي، وتصل هذه الملوثات إلى جسم الإنسان عبر سلسلة غذائية تبدأ بالعوالق النباتية والحيوانية التي تتغذى عليها الأسماك الصغيرة فالأكبر، لينتهي بها المطاف على موائد الطعام.

موافقة أممية واعتراض صيني

ويحظى تفريغ مياه محطة فوكوشيما النووية بموافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التّي أصدرت في 4 يوليو/تموز الفائت تقريراً شاملاً حول أمان المياه المعالجة باستخدام نظام "آلبس" (ALPS) في المحطة.

وخلص تقرير الوكالة إلى توافق الإجراءات المتّبعة من جانب اليابان في عملية التفريغ، مع معايير الأمان الدولية، مشيراً إلى أنّ الخطة الحالية لشركة "تيبكو" المشغّلة للمحطة، لن يكون لها أي أثر إشعاعي يذكر في الإنسان والبيئة.

ويعمل نظام "آلبس" المصمّم خصيصاً لمحطة فوكوشيما، على معالجة هذه المياه الملوّثة وإزالة كل المواد المشعّة تقريباً، قبل إطلاقها في المحيط من خلال نفق بطول 1 كم على عمق 16 متراً وتخفيفها في أحواض مياه البحر الكبيرة.

كما أشارت الوكالة إلى مواصلة عملها على استعراض الأمان في أثناء مرحلة التصريف من خلال المحافظة على وجود مستمر في الموقع، ومشاركة الوكالة قبل بدء عمليات تصريف المياه وفي أثنائها وبعدها، كما سوف تنظّم بعثات دورية لرصد وتقييم العمل في الموقع وطلب التحديثات والبيانات الإضافية من السلطات اليابانية.

وتوفّر الوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر موقعها الشبكي إمكانيّة الاطّلاع على البيانات الواردة من السلطات اليابانية في كلّ ما يتعلق بتصريف المياه المعالجة من المحطة، وتشمل معدل تدفق المياه اليومي، وبيانات الرصد الإشعاعي وتركيز التريتيوم في المياه بعد تخفيفها.

وعلى الرغم من تطمينات الوكالة الدولية والسلطات اليابانية، فقد أبدت الصين مخاوفها واعتراضها على خطة تصريف المياه الملوثة في البحر، ودعت اليابان إلى التصرّف بشكل مسؤول حيال المسألة، إذ وصف بيان لوزارة الخارجية الصينية الخطّة بأنّها "عمل أناني" وغير مسؤول، ويمكن أن ينشر مخاطر التلوث النووي إلى بقيّة العالم، وشدّد البيان على أنّ الصين ستتخذ إجراءات لحماية البيئة البحرية وضمان سلامة الغذاء وحماية حياة الشعوب وصحّتها.

وكانت الصين قد حظرت بالفعل في يوليو الماضي استيراد المواد الغذائية من عشر مقاطعات يابانية، بما في ذلك فوكوشيما، وفرضت إجراء اختبارات إشعاع نووي على المواد الغذائية المستوردة من اليابان.

لكن مع بدء تنفيذ خطة تصريف المياه المشعّة في المحيط الهادئ، أعلنت الصين حظراً فورياً شاملاً على جميع المنتجات البحرية القادمة من اليابان، وأعربت مصلحة الجمارك فيها عن قلقها البالغ إزاء خطر التلوث الإشعاعي الناجم عن المنتجات الغذائية والزراعية اليابانية.

وتعدُّ الصين أكبر سوق للمنتجات البحرية القادمة من اليابان، إذ وصلت قيمة الصادرات اليابانية إلى الصين من هذه المنتجات إلى نحو 600 مليون دولار في عام 2022.

وأبدت جماعات الصيد في فوكوشيما خوفها من خطة تصريف المياه المشعّة، وما يمكن أن يتسبب به إطلاق المياه في المحيط الهادئ من ضرر يهدّد سبل عيشها، في الوقت الذي سعت فيه الحكومة اليابانية إلى طمأنتهم، وأعلنت عن تفاهمات معهم بهذا الشأن.

وتحاول السلطات اليابانية وشركة تيبكو منذ أشهر إزالة الشكوك حول المخاطر المحتملة، ومحاربة المعلومات المضللة حول خطتها، من خلال تنظيم زيارات استطلاعية، ونشر مقاطع فيديو تظهر أحواضاً لتربية الأسماك داخل المحطّة المنكوبة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً