تابعنا
أجرت TRT عربي مقابلة خاصة مع رئيس الحكومة المؤقتة السورية عبد الرحمن مصطفى، تناول فيها أبرز القضايا التي واجهتها حكومته إثر الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبيّ تركيا في 6 فبراير/شباط، وطالت آثاره المدمرة عديداً من المناطق في شمال غربيّ سوريا.

أجرى الحوار: سامر العاني

أشار رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى في مقابلة خاصة مع TRT عربي إلى أن تأخر المساعدات الأممية إلى المناطق المتضررة من الزلزال في شمال سوريا قد وصل إلى "حدّ الاستهتار بأرواح السوريين"، مؤكداً أن هذا التأخر يشكّل مخالفة لمبادئ "وقيم الأمم المتحدة".

وكان زلزال مزدوج ضرب مناطق جنوب شرق تركيا وشمال غرب سوريا في 6 شباط/فبراير 2023 أدّى إلى وقوع أكثر من 52 ألف قتيل، ومئات آلاف الجرحى، فضلاً عن الدمار الواسع الذي لحق بالممتلكات والبنى التحتية.

وأكد مصطفى الذي انتُخب رئيساً للحكومة السورية المؤقتة في يونيو/حزيران 2019 أن تأخر المساعدات الأممية جاء على الرغم من أن الحكومة السورية المؤقتة أعلنت "جاهزية المعابر لإدخال المساعدات"، مضيفاً أن المساعدات التي وصلت "لا تزال في الحد الأدنى".

على صعيد متصل أكّد مصطفى أن "الآثار الكبيرة التي خلّفها (الزلزال) لا تزال شاخصة وستستمرّ لفترات طويلة"، منوهاً بأن "الآثار النفسية حاضرة"، بسبب "حالة الخوف من وجود هزات جديدة".

حسب منظمة اليونيسف تَضرَّر ما يقرب من 3.7 مليون طفل من الزلزال، كما يعتقد أن أكثر من 500 ألف شخص أُجبِروا بسبب الكارثة على ترك منازلهم. كما تشير تقديرات أخرى إلى أن أكثر من 5900 شخص فقدوا حياتهم في سوريا جراء الزلزال والهزات الارتدادية، وإصابة نحو 10900، حسب منظمة كاريتاس الدولية غير الحكومية.

وحذّر مصطفى (59 عاماً، من مواليد مدينة جرابلس)، من دعوة الهلال الأحمر السوري إلى حضور مؤتمر المانحين الدولي بشأن تقديم المساعدة للمناطق المتضررة في سوريا على اعتبار أنها إحدى "مؤسسات نظام الأسد الأمنية بلباس إنساني" على حد وصفه. كما أكد رفض حكومته استخدام المساعدات لتحقيق أغراض سياسية، مشيراً إلى رفض حكومته الخضوع لعمليات "ابتزاز سياسي مرافقة للمساعدات"، حاول أن ينفّذها "قسد" (قوات سوريا الديمقراطية) التي يشكل تنظيم YPG/PKK الإرهابي عمودها الفقري.

- وهنا نص المقابلة:

كيف يبدو المشهد اليوم في الشمال السوري بعد شهر من وقوع الزلازل؟

تستعيد المناطق المنكوبة في شمال غرب سوريا عافيتها تدريجياً بعد شهر من وقوع الزلزال، إلا أن الآثار الكبيرة التي خلّفها لا تزال شاخصة، وستستمر لفترات طويلة، وهو ما يفرض تحدّياً جديداً يواجه المنطقة إلى جانب التحديات المستمرة الناجمة عن انتهاكات نظام الأسد وحلفائه واستهداف المدنيين المستمر في القرى والبلدات وحتى على الطرقات الدولية.

وبعد انتهاء تحديات الإنقاذ والإجلاء تواجهنا تحديات كبرى جديدة في الإيواء والغذاء والدعم الصحي على المستويين الجسدي والنفسي، وهذه ملفات تتطلب سرعة استجابة، بخاصة لفئات كالأطفال وفاقدي ذويهم أو المصابين بالأمراض المزمنة ومن يقع عموماً ضمن دائرة الفقر الشديد.

من ناحية أخرى، لا تزال الآثار النفسية حاضرة، إذ تستمرّ حالة الخوف من وجود هزات جديدة، وهو ما يتعزز مع الهزات الارتدادية. وأدّى هذا القلق إلى مغادرة كثير من العائلات أماكن سكنهم وإن كانت سليمة للبقاء في خيام أو التوجه إلى منازل الأقرباء الأكثر أمناً.

وصول المساعدات إلى المناطق المتضررة في الشمال السوري شكّل أزمة كبيرة من البداية. كيف يبدو الوضع اليوم؟ وهل ما زال تأخير وصول المساعدات قائماً؟

بدايةً أودّ أن أوضح أننا تحدثنا مراراً وتكراراً في جميع اللقاءات مع المسؤولين الأمميين والدول الفاعلة عن الأضرار اللاحقة بسكان الشمال السوري وعن تأخر المساعدات الأممية الذي وصل إلى حدّ الاستهتار بأرواح السوريين ومخالفة مبادئ وقيم الأمم المتحدة ومقاصد ميثاقها، على الرغم من إعلان الحكومة عن جاهزية المعابر لإدخال المساعدات، وإعلان المناطق المنكوبة وإعلان حالة الحداد العام. وشكّل ذلك حالة غضب عارم لدى السوريين والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية، وتحول الأمر إلى فضيحة تستدعي تحقيقاً جدّياً.

ومن جهتنا وبغية تسهيل إدخال المساعدات شكّلنا في الساعات الأولى للكارثة لجنة حكومية لإدارة المساعدات والعمل على وصولها إلى الأماكن المنكوبة، ثم شكّلأنا لجنة حكومية-مدنية مشتركة لمراقبة توزيع المساعدات المقدمة لأهلنا في المناطق المتضررة وضمان وصولها إلى المستحقين.

منذ ذلك الحين نُصدِر تحديثاً مستمرّاً وإعلاناً عن أي مساعدات تدخل إلى المناطق المنكوبة، وهي الآن تصل تباعاً، كما وصلت فرق وممثلون عن وكالات الأمم المتحدة بما فيها زيارة رئيس منظمة الصحة العالمية، ونُظم عديد من الاجتماعات في مقر الحكومة في الداخل السوري وعديد من جولات العمل الميدانية في مراكز الإيواء أو الأحياء المهدّمة.

بطبيعة الحال نثمّن من جهتنا هذا التوجه المتشكّل لدى الأمم المتحدة بتعزيز تواصلاتها وزياراتها على الأرض، ولكن تقديراتنا في الحكومة المؤقتة للمعدَّل العامّ للمساعدات الأممية تشير إلى أن المساعدات المقدمة لا تزال في الحد الأدنى، ويمكن للأمم المتحدة تعزيز هذه المساعدات وتفعيل قدراتها اللوجستية أكثر من الوضع الحالي بكثير.

هل تنسّقون مع الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لتقديم مساعدات خاصة للمتضررين وجهود إعادة الإعمار؟

نحن على تواصل مع الأمم المتحدة والدول المعنية حول قضايا عديدة، ومنها مؤتمر المانحين، لكن دون أن يصل ذلك إلى حدّ التنسيق بما تحمله هذه الكلمة من مدلولات. ونحن ندعو ونرحب بالمشاركة الفاعلة في هذا المؤتمر.

إلى جانب ذلك، حذّرنا من خطورة انضمام "منظمة الهلال الأحمر السوري" إلى المؤتمر بعد أن أصبحت إحدى مؤسسات نظام الأسد الأمنية بلباس إنساني. وفي هذا الصدد نضمّ دعواتنا إلى القوى المجتمعية السورية والناشطين والناشطات في المجال الحقوقي والإنساني رافضي حضور هذه المنظومة للمؤتمر.

هل عملَت جهات إرهابية مثل تنظيم YPG/PYD/PKK على تعطيل وصول المساعدات إلى المناطق المتضررة؟

رحّبت الحكومة المؤقتة بأي مساعدات إنسانية مقدمة للمناطق المنكوبة، وعلى هذا الأساس استقبلت قوافل الفاعليات الأهلية والمجتمعية المقدمة من مناطق شمال شرق سوريا، وتقدمت بالشكر الجزيل لهذه المبادرات التي جاءت لتعزيز تماسك السوريين والتذكير بوحدة الأراضي السورية التي تنمّ عن أصالة وعراقة الشعب السوري.

بناء على ذات المعيار رفضنا محاولات "قسد" تحقيق أهداف سياسية من المعيب طرحها في حالات الكوارث والأزمات الإنسانية، ولم نخضع لضغوط كهذه أو عمليات ابتزاز سياسي مرافقة للمساعدات على الرغم من الحملة الإعلامية الممنهجة. وعليه سهّلنا ودعمنا القوافل الإنسانية وعطّلنا عمليات المتاجرة الدعائية والسياسية.

شاركتم مع هيئة التفاوض السورية في ورشة حول الزلازل حضرتها عدة دول، ما المخرجات والتوصيات التي نتجت عنها؟

عموماً سلطت الورشة الضوء على النتائج التي خلّفها الزلزال المدمر، واستُعرضت احتياجات السكان في شمال غرب سوريا، وذلك بحضور أكثر من عشر دول بالإضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومؤسسات دولية ومحلية وجهات تنفيذية وتمثيلية عن المجتمع السوري.

من جهتنا، قدمنا في الحكومة المؤقتة عرضاً لمجمل الأعمال التي قمنا بها خلال الكارثة وطرحنا رؤية ونداء لتطوير العمل الحالي وتخفيف معاناة السوريين والتحول من الاستجابة لمرحلة التطوير والبناء في شتى المجالات والانتقال الى مرحلة إعادة الإعمار بما يرافقها من تأمين لاستقرار السوريين المنكوبين عبر تأمين السكن الكريم واللائق ومتطلبات الحياة من فرص عمل وتعليم وصحة. ودعونا إلى تعزيز الشراكات والجهود الجماعية لا سيما مع المؤسسات الدولية والقوى المدنية الأخرى لتحقيق هذه الأهداف.

TRT عربي