مع تفاقم الأزمة أعلنت الحكومة الألمانية أن المستشار شولتز من المقرر أن يسافر إلى الخليج في نهاية الأسبوع الجاري لتأمين إمدادات الغاز الطبيعي المسال (Reuters)
تابعنا

كما هو حال الأسر التي تقرّر تقليل الإنفاق والمشتريات المنزلية في مواجهة معدلات التضخم وارتفاع فواتير الطاقة، تفعل الشركات الشيء نفسه، وتتجنب الاستثمارات الجديدة، بل قد تقرّر أحياناً تخفيض إنتاجها إلى الحدّ الأدنى أو وقفه تماماً، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلباً على معدلات النمو ويخفض الناتج الإجمالي الألماني لسنوات تالية.

ففي تقريره الشهري، قال البنك المركزي الألماني أمس الاثنين، إن التلميحات حول الركود في أكبر اقتصاد في أوروبا أصبحت أكثر وضوحاً بعد التدهور الكبير في ظروف العرض، بالإضافة إلى أزمة الطاقة التي تعصف بألمانيا والقارة الأوروبية منذ اشتعال الحرب الأوكرانية قبل 7 أشهُر. وأضاف البنك وفق وكالة بلومبرغ: "توجد علامات متزايدة على ركود الاقتصاد الألماني من حيث انخفاض واضح وواسع النطاق وطويل الأمد في الناتج الاقتصادي".

وأشار المركزي الألماني إلى أن انخفاض شحنات الطاقة على وجه الخصوص كنتيجة مباشرة للهجوم الروسي على أوكرانيا ترفع الأسعار وتصعّد حالة عدم اليقين في ألمانيا، مما يؤثر في الشركات والأسر. بالتالي سيؤثر سلباً في النمو الاقتصادي وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بحلول الربع الأخير من 2022 والربع الأول من 2023.

ركود شتوي قد يمتد إلى الصيف

الأسبوع الماضي خفض معهد IFO للأبحاث الاقتصادية ومقره ميونخ توقعاته للنمو الألماني، معلناً: "نتجه إلى ركود شتوي". وتوقع المعهد أن ينكمش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.3% عام 2023، بعد أن نما بنسبة 1.6% فقط هذا العام. فيما توقع أن يصل التضخم إلى 8.1% هذا العام، ويصعد إلى 9.3% عام 2023، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.

وقال الباحث في معهد IFO تيمو والميشوسير، إن "تخفيضات إمدادات الغاز من روسيا هذا الصيف والزيادات الكبيرة في الأسعار التي نتجت عن ذلك أحدثت فوضى في الانتعاش الاقتصادي في أعقاب فيروس كورونا"، مضيفاً أنه لم يكن يتوقع "العودة إلى الوضع الطبيعي" حتى 2024، إذ يمكن توقُّع نموّ بنسبة 1.8% و2.4% للتضخم.

وبينما تراجعت المعنويات بين الشركات الألمانية، إذ أدّى ارتفاع أسعار السلع والوقود إلى تراجع آفاق النمو، شكّك رؤساء الشركات والقادة النقابيون وأصحاب المتاجر والموظفون في جميع أنحاء البلاد في تفاؤل المستشار شولتز، وعبّروا صراحةً عن مخاوفهم من حدوث أزمة بأكبر اقتصاد في أوروبا، مرشَّحة لخطر الخروج عن نطاق السيطرة.

فيما قال موقع بوليتيكو إن البنك المركزي الألماني لم يقدّم أي أرقام محددة، وحذّر من أن توقعات أكبر اقتصاد في منطقة اليورو لا يزال يكتنفها عدم اليقين، إذ يعتمد الاقتصاد الألماني الثقيل في الصناعة كثيراً على الغاز الروسي، مما يعرّضه خصوصاً لتداعيات الحرب في أوكرانيا. وقال التقرير إنه في الوقت نفسه من المتوقع أن يزداد تسارع التضخم ليأتي بأرقام مزدوجة في الأشهر المقبلة.

على حافة الهاوية

قال البنك المركزي الألماني إن "التضخم المرتفع وعدم اليقين في ما يتعلق بإمدادات الطاقة وتكاليفها لا يؤثّران فقط في صناعة الغاز والكهرباء المكثفة وأعمال التصدير والاستثمارات الخاصة بهما، بل يؤثران أيضاً في الاستهلاك الخاص ومقدمي الخدمات المعتمدين عليه".

ووفقاً لاتحاد الصناعات الألمانية (BDI)، تشير 90% من الشركات إلى مستوى تكاليف الطاقة والموادّ الخام على أنه "تحدٍّ قويّ" أو "وجوديّ"، وهو الأمر الذي ينذر بتوقف تروس آلة الصناعة الألمانية التي كانت حتى وقت قريب تعتمد على الغاز الرخيص القادم من روسيا، وبالأخصّ الصناعات التي تعتمد بكثافة على الطاقة، والتي في الوقت نفسه تُعتبر العمود الفقري للاقتصاد الألماني.

في سياق متصل، نقلت صحيفة "الغارديان" عن رئيسة اتحاد النقابات العمالية الألمانية (DGB) ياسمين فهيمي خشيتها من عواقب عديد من التحديات القادمة في وقت واحد، إذ قالت: "بعض الشركات على حافة الهاوية، وقد أخبرت شبيغل أن هذا يهدّد بتأثير الدومينو الذي يمكن أن يؤدي إلى تراجع التصنيع في ألمانيا، وهو ما سيكون كارثة".

ودعت فهيمي الحكومة إلى حماية تلك الشركات التي تتعرض لتهديد خاص، لاستخدامها العالي للطاقة "ضماناً لقدرتها على الحفاظ على الحدّ الأدنى من طاقتها الإنتاجية، بحيث يمكن عندما تتحسن الأمور، أن تعود الأعمال".

هل تخرج الأزمة عن السيطرة؟

وفي الوقت الذي تشير فيه التوقعات إلى أن الاقتصاد الألماني سينكمش لثلاثة أرباع متتالية، وافقت الحكومة الألمانية على تخصيص حزمة إغاثة تُقدَّر قيمتها بـ65 مليار يورو، لمساعدة ملايين الأسر والمستهلكين ورواد الأعمال على التعامل مع أزمة أسعار إمدادات الطاقة والكهرباء المرتفعة للغاية، في ظل أسوأ أزمة طاقة تعيشها ألمانيا وقارة أوروبا منذ عقود.

ووسط مخاوف من خروج الأزمة عن السيطرة، أعلنت الحكومة الألمانية أن المستشار شولتز من المقرَّر أن يسافر إلى الخليج في نهاية الأسبوع الجاري لتأمين إمدادات الغاز الطبيعي المسال. وقال وزير الاقتصاد روبرت هابيك: "إمدادات الغاز تتوسع تدريجياً والحكومة تُجرِي محادثات دائمة مع عديد من الدول، وكذلك مع دول شبه الجزيرة العربية".

وبينما يخيم التشاؤم على أصحاب الشركات والمواطنين على حد سواء، يصر هابيك على تقديم الأمل الضعيف بأنه "إذا تَمكنَّا من تجاوز هذا الشتاء، فلدينا فرصة جيدة أن تكون الأمور في الصيف والشتاء القادمَين أكثر استرخاءً بكثير".

TRT عربي