السفير الماليزي خلال لقائه مع  TRT / صورة: TRT World (TRT World)
تابعنا

تتمتع تركيا وماليزيا بعلاقات متينة منذ أن أقامتا العلاقات الدبلوماسية عام 1964. ومن خلال المواقف المتبادلة بشأن مجموعة واسعة من القضايا الإقليمية والعالمية، عززت تركيا وماليزيا تعاونهما الوثيق في شراكة استراتيجية شاملة في يوليو/تموز من العام الماضي.

إلى جانب العلاقات السياسية والثقافية، تتمتع تركيا وماليزيا أيضاً بعلاقات اقتصادية مثالية، فقد تجاوز حجم التجارة الثنائية بين البلدين 3.5 مليار دولار عام 2021، وفي سبتمبر/أيلول الماضي وقّعتا بروتوكولاً يوسع اتفاقية التجارة الحرة الثنائية بينهما، التي وُقّعَت في وقت سابق عام 2014 كأول اتفاقية تجارة حرة بين تركيا وعضو في رابطة أمم جنوب شرق آسيا.

نص المقابلة

بصفتك قنصلاً عامّاً، أين تقع العلاقات التركية-الماليزية في هذه المرحلة، بخاصة عندما يتعلق الأمر بالتعاون الاقتصادي والثقافي؟

العلاقات الثنائية التركية في أعلى مستوياتها هذه الأيام، مع الزيارة رفيعة المستوى لملكنا السلطان عبد الله رياض الدين المصطفى بالله شاه لتركيا في أغسطس/آب، مما رفع العلاقات الثنائية إلى آفاق جديدة. في عام 2014 وصل البلدان إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، ومؤخراً خلال زيارة رئيس وزرائنا لتركيا، جرى الارتقاء بهذه الشراكة الاستراتيجية إلى مستوى جديد من "الشراكة الاستراتيجية الشاملة".

يسعدني أن أشارككم أن عديداً من الأشياء يسير في اتجاه إيجابي عندما يتعلق الأمر بزيادة التعاون الاقتصادي والثقافي. فلتعزيز التجارة الثنائية، على سبيل المثال، وقّعَت ماليزيا وتركيا إعلاناً مشتركاً بشأن توسيع اتفاقية التجارة الحرة بين الحكومتين لتعزيز التفويض في متابعة توسيع الاتفاقية لتشمل فصولاً عن الخدمات والاستثمار والتجارة الإلكترونية في 29 سبتمبر/أيلول 2022. أعتقد أن لنمو العلاقات على الصعيد الاقتصادي والثقافي متسعاً كبيراً.

زادت أرقام التجارة بين ماليزيا وتركيا بشدة بعد انتشار جائحة كوفيد-19. في عام 2021 ارتفع إجمالي تجارة ماليزيا مع تركيا بنسبة 74.5% إلى 4.10 مليار دولار من 2.32 مليار دولار في عام 2020. وزاد إجمالي الصادرات بنسبة 82.9% إلى 3.41 مليار دولار من 1.85 مليار دولار في عام 2020. وفي الوقت نفسه ارتفع إجمالي الواردات من تركيا بنسبة 42% إلى 0.69 مليار دولار من 0.48 مليار دولار في عام 2020. هدفنا هو الوصول إلى تجارة بقيمة 5 مليارات دولار بحلول عام 2024.

على المستوى الثقافي، أعتقد أن الماليزيين لديهم اطّلاع ومعرفة بالثقافة التركية بشكل كبير، ويرجع ذلك إلى أنجح الصادرات الثقافية التركية، المسلسل التليفزيوني الشهير عالمياً "قيامة أرطغرل". بالإضافة إلى ذلك، كانت للخلافة العثمانية تاريخياً علاقات مع جنوب شرق آسيا، وقد خلق كل هذا اهتماماً لدى الماليزيين بزيارة تركيا. يزور ما يقرب من 200 ألف سائح ماليزي تركيا كل عام، ويعلم كل منهم تاريخ وثقافة ولغة هذا البلد الجميل. السياحة هي أفضل وسيلة لازدهار التبادل الثقافي. في هذه اللحظة، لدى الخطوط الجوية التركية ما يقرب من 10 رحلات في الأسبوع إلى كوالالمبور، ونأمل أن تبدأ شركة AirAsiaX العام المقبل خدمتها إلى إسطنبول عبر مطار صبيحة الدولي بمعدل 4 مرات في الأسبوع.

أنا شخصياً أشعر أن ماليزيا بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد لترويج ثقافتنا هنا. قد يؤدي فهم طريقة عمل كل من الشعبين للآخر إلى مزيد من الاهتمام بالتعاون في مجالات أخرى. وبالتالي، تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. خطتنا هي تنظيم أسبوع ثقافي ماليزي في إسطنبول العام المقبلالعام الحالي، بدعم من المغتربين الماليزيين وحكومة ماليزيا وتركيا.

ما المجالات التي يعمل من خلال البلدان على تعزيز التواصل بين الشعبين التركي والماليزي؟

أعتقد أن العلاقات أو الاتصال بين الشعبين هو أهم عنصر في تعزيز العلاقات بين البلدين. السياحة أحد المجالات التي يمكن أن تزيد التواصل بين الشعوب. في الواقع، السياحة هي المحفز للتفاعلات السياسية والاقتصادية والتعليمية بين الدول. من خلال التبادلات والزيارات بين الأفراد، تُكوَّن الصداقات، والاكتشافات، وتُبذَر بذور الوعي والتفاهم.

الجانب الآخر الذي كان من بين مجالات تركيزنا في تحسين العلاقات بين الشعبين هو التعليم. يدرس أكثر من 400 طالب ماليزي حاليّاً في تركيا، وأكثر من عدة آلاف أكملوا دراستهم وعادوا إلى ماليزيا. أيضاً يدرس نحو 200 طالب تركي في ماليزيا، هؤلاء الطلاب عند عودتهم إلى بلدهم سيكونون "المتحدث الرسمي باسمنا"، إذ سيشاركون تجربتهم في حياتهم في الخارج، ويفتحون طرقاً وقنوات جديدة للتعاون المستقبلي.

اتخذت ماليزيا خطوة مهمة بزيادة عدد الطلاب الماليزيين في تركيا. نحن ممتنّون لحكومة تركيا لمِنَحها الدراسية لطلابنا. ولكن لأن وكالة المؤهلات الماليزية الخاصة بنا اعترفت بجميع الشهادات التي تقدمها 208 مؤسسات تعليمية عليا أدرجها مجلس التعليم العالي التركي (YOK)، فإننا نتوقع أن يأتي مزيد من الطلاب الماليزيين إلى تركيا لمواصلة دراستهم، وسينظر مزيد من الجهات في ماليزيا في تقديم منح دراسية للطلاب الماليزيين الذين يدرسون في تركيا.

قبل اختيارك لتكون القنصل الماليزي في إسطنبول مثّلت بلدك في الأمم المتحدة بنيويورك. ما وجهة نظرك حول مستقبل البلدان ذات الأغلبية المسلمة، بخاصة في وقت تتزايد فيه ظاهرة الإسلاموفوبيا عالميّاً؟

بناءً على خبرتي القليلة في الدبلوماسية متعددة الأطراف، فإن الكلمة الرئيسية لمعالجة الإسلاموفوبيا هي "الوحدة". لا يوجد بلد مسلم واحد يمكنه معالجة جميع القضايا في العالم بمفرده. لكل منها مزاياه الخاصة وكل منها يعتمد على الآخرين أيضاً. ستظلّ الاختلافات موجودة دائماً، لكن الجهود المبذولة لإيجاد تفاهم مشترك بين الدول يجب أن يستمرّ دائماً بغضّ النظر عن السبب. يقول المثل الماليزي: "Carik-carik bulu ayam, akhirnya bercantum juga"، الذي ينطبق على المسلمين، ويعني بغضّ النظر عن حجم الاختلاف أو المواجهات أو الخلافات، سوف نتحد يوماً ما، لأننا جميعاً إخوة وأخوات.

ما يحتاج إليه العالم الإسلامي من أجل مواجهة الإسلاموفوبيا هو أن يكون قادراً على التحكم في الروايات العالمية. كيف نفعل ذلك؟ نحن بحاجة إلى قادة مسلمين عظماء للتحدث نيابة عنا. نحتاج إلى قوة إعلامية خاصة بنا لتضخيم الرسالة إلى بقية العالم، ونحتاج إلى إظهار أفضل مثال للإسلام من خلال إبراز التعاليم الحقيقية للإسلام في طريقتنا اليومية في الحياة. إذا أدّى كل مسلم دوره، فيمكننا أن نكون قدوة حسنة للعالم.

بلا دولة مسلمة واحدة كأحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، سنكون مقيدي اليدين. ولكن، ككتلة واحدة، يمكن أن يكون صوتنا مرتفعاً وواضحاً في أي منتدى دولي.

مثل تركيا، الموقع الجغرافي لماليزيا فريد من نوعه، يُنظر إليه على أنه بوابة إلى جنوب شرق آسيا، لكن هذا العامل يجلب أيضاً بعض المخاطر والتداعيات. كيف تتعامل ماليزيا مع التوترات المتزايدة في منطقة المحيط الهادئ؟

تتميز السياسة الخارجية لماليزيا بمبادئ السيادة الوطنية وعدم التدخل. نستخدم هذين المبدأين جنباً إلى جنب مع البراغماتية في ممارسة سيادتنا الوطنية. بعبارة أخرى، نحن لا ننحاز إلى جانب ونحافظ على علاقات ودية مع معظم الدول، ومنفتحون على التعاون في العديد من الجبهات: التعليم والتجارة والاستثمار والثقافة على سبيل المثال لا الحصر.

لقد أخذنا زمام المبادرة في جعل منطقة جنوب شرق آسيا خالية من الأسلحة النووية. لقد لعبنا دورنا بنشاط في منظمة الآسيان على أساس مبدأ الحلّ السلمي للنزاعات. نعلبنلعب دور الوسيط في المفاوضات المتعلقة بالنزاعات الإقليمية. نحن أمة تجارية، نحن ودودون مع جميع البلدان. نسعى دائماً إلى الاستقرار والازدهار، ليس فقط في ماليزيا، ولكن في المنطقة بأسرها.

حافظت ماليزيا على علاقات تجارية قوية مع الصين، هل تؤثّر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ماليزيا بأي شكل بهذا الخصوص؟

بالطبع هو كذلك. ليس نحن فقط، إنه يؤثّر في العالم بأسره. الصين والولايات المتحدة أهم دولتين لماليزيا، بخاصة من حيث التجارة. الصين هي الشريك التجاري الأكبر لماليزيا (إجمالي التجارة 95 مليار دولار عام 2021)، وصُنّفَت الولايات المتحدة كثالث أكبر شريك تجاري لماليزيا (إجمالي التجارة 49 مليار دولار عام 2021). لذلك تحافظ ماليزيا دائماً على علاقات اقتصادية قوية مع كل من بكين وواشنطن لزيادة صادراتنا إلى أكبر اقتصادين في العالم. كدولة تجارية، تواصل ماليزيا الانخراط في علاقات تجارية مهمة واستراتيجية مع كلا البلدين والبلدان الأخرى أيضاً من أجل استمرار تقدمنا ومصالحنا.

في الوقت الذي لا تزال فيه خلافات كثيرة بين القوتين الرئيسيتين، فإن الارتباطات المستمرة رفيعة المستوى بين واشنطن وبكين ستوفّر فرصة أفضل لكلا الجانبين لإدارة المنافسة بمسؤولية وتجنُّب سوء الفهم الذي قد يؤدي إلى زيادة تصعيد الصراع بين الولايات المتحدة والصين. فماليزيا، بصفتها دولة غير منحازة، ستحافظ على علاقات ودية ومتوازنة مع الجميع.

كيف ترى ماليزيا الصراع بين الولايات المتحدة والصين حول أشباه الموصلات؟

منذ أن حولت ماليزيا تركيزها إلى الاستثمار في التكنولوجيا العالية منذ عدة عقود، تلقّينا استثمارات كبيرة جدّاً من عديد من الشركات متعددة الجنسيات، بخاصة إنشاء مرافق التصنيع في ماليزيا، بما في ذلك أشباه الموصلات. من هذه الأسماء على سبيل المثال Intel وSilterra. من المعلوم أن تصنيع أشباه الموصلات والرقائق الدقيقة يتضمن عديداً من العمليات الحساسة ويتطلب نظاماً بيئياً معيناً لسلسلة التوريد قبل اكتمال المنتجات النهائية. تُعتبر مرافق التصنيع في ماليزيا جيدة في المسابك والاختبار، وهو جزء مهم من عمليات إنتاج الرقائق الدقيقة.

نعلم جميعاً بوضوح أن الولايات المتحدة تحاول كبح قدرة الصين على إنتاج صناعة أشباه الموصلات والسيطرة عليها تماماً. تأثّر المصنّعون الماليزيون أيضاً عندما تعطلت سلسلة التوريد العالمية في أثناء الوباء. أثار التطوُّر الأخير بعض الشكوك في الصناعة التي ساهمت لسنوات عديدة في تجارتنا مع الصين والولايات المتحدة وتايوان وكوريا الجنوبية. نعتقد أنه ستتأثر شركة Samsung بشدة بجهود الولايات المتحدة، لوجود عديد من منشآتها التصنيعية في الصين. إذا احتاجوا إلى الانتقال إلى مكان آخر، فسنكون منفتحين على فكرة إنشاء مزيد من المرافق في ماليزيا.

المسلسل الكرتوني "عمر وهانا" ذو الطابع الإسلامي يحظى بشعبية كبيرة، كيف تحاول ماليزيا إبراز قوتها الناعمة في دول أخرى؟

تعتمد القوة الناعمة لماليزيا على تعاليم الإسلام والقيم النبيلة من ثقافة الملايو والمجتمع الماليزي عموماً، فتقوم عليها وتعكسها. يتيح مسلسل "عمر وهانا" عرض القيم الدينية والاجتماعية والثقافية لماليزيا ونقلها للمشاهدين، مثل الاحترام والتقدير واللطف والإيمان بالله الواحد والحفاظ على العلاقات الطيبة والشكر.

تستخدم ماليزيا هذه القوة الناعمة وسيلة للتواصل ونشر الوعي للعالم بصورتها الجيدة وكيف يمكنها التطوُّر والتقدُّم دون أن تفقد الاتصال بإرثها المتمثل في التسامح والسلام. يتعايش الحكم الرشيد الآن في ماليزيا مع دين الإسلام والأديان الأخرى في البلاد بسلام ونجاح، ونأمل أن يكون هذا مثالاً جيداً للدول الأخرى ذات التنوع لتحقيق هذا التوازن.


TRT عربي