تابعنا
شكل فتح مسجد آيا صوفيا في مدينة إسطنبول مجدداً للعبادة بعد نحو 86 عاماً من استخدامه متحفاً فرصة لتركيا استكشفت فيها طبيعة العلاقات التي تربطها بعدد من الدول لا سيما في المنطقة، وبشكل خاص في الخليج العربي.

عمدت هذه الدول في الغالب إلى الإعلام للتعبير عن تلك المواقف سواء المؤيدة أو المعارضة، في حين برز الموقف العماني متمثلاً بترحيب مفتي السلطنة أحمد بن حمد الخليلي بالحدث كمؤشر جديد على دفء العلاقة بين مسقط وأنقرة، وكشف في الوقت نفسه حجم الانقسام في البيت الخليجي تجاه العلاقات مع تركيا.

وكانت المحكمة الإدارية العليا التركية ألغت في 10 يوليو/تموز الجاري قرار مجلس الوزراء الصادر في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 1934، بتحويل آيا صوفيا من مسجد إلى متحف. وأعقب الحكم قرار رئاسي بإعادة فتح الصرح المعماري الفريد للعبادة بإشراف رئاسة الشؤون الدينية.

وتعليقاً على القرارات التركية، كتب مفتي سلطنة عمان عبر حسابه في تويتر: "نهنئ أنفسنا ونهنئ الأمة الإسلامية جميعاً، ونخص بالتهنئة الشعب التركي المسلم الشقيق الأصيل وعلى رأسه قائده المحنك رجب طيب أردوغان، برده معلم آيا صوفيا من جديد إلى بيت من بيوت الله".

وأضاف في بيان: أن "هذه الخطوة خطوة موفقة من الشعب المسلم البطل وقائده المغوار، إذ لم يثنهم ضجيج نعاق الناعقين، من الحاقدين على الإسلام المتآمرين عليه، على المضي قدماً في رد هذا المعلم إلى ما كان عليه منذ عهد السلطان المظفر المنصور محمد الفاتح".

ورأى مراقبون في الموقف العماني الصادر عن المفتي معالم تقارب متزايد بين عمان وتركيا، في ظل علاقات مميزة تجمع البلدين. لكن الملاحظة الأهم تكمن في مدى تعبير هذا الموقف عن تطلع خليجي متزايد لعلاقات متقدمة وأكثر إيجابية مع أنقرة، لا سيما أن العلاقات المتميزة للأخيرة مع قطر وكذلك الكويت والآن عمان تنبئ بحجم العزلة التي يواجهها معسكر السعودية والإمارات في بيتهم الخليجي إزاء مواقف البلدين المعادية لتركيا.

تركيا وعمان

توصف العلاقة العمانية التركية بأنها علاقة "تاريخية" منذ أيام الدولة العثمانية والإمبراطورية العمانية، بحسب المحلل السياسي العماني، مصطفى الشاعر، الذي أكد أن العمانيين لا ينسون السفينة "الرحماني" التي أسعفت الوالي العثماني في البصرة لفك الحصار الذي فرضه الفرس وكسر السلاسل التي وضعوها لقطع الملاحة.

ويؤكد "الشاعر" في حديث مع TRT عربي أن العمانيين ينظرون إلى الأتراك على أنهم ركن محوري في المنطقة لا يمكن تغييبه، مستشهداً بزيارات عديدة من مسؤولين كبار في تركيا للسلطنة منذ أيام السلطان الراحل قابوس بن سعيد. وأضاف: "يعتقد أيضاً أن هناك دوراً عمانياً كان يقوم بدور الوساطة بين دمشق وأنقرة في بدايات الأزمة في سوريا".

ووصف المحلل العماني البيان الذي أصدره الشيخ أحمد الخليلي مفتي السلطنة بـ"الموقف الديني" لكون من عبر عنه أكبر عالم دين في البلاد، واعتبر أنه يعبر عن إشارة إلى الاحترام الذي تكنه المؤسسة الدينية في السلطنة تجاه تركيا.

ولفت في الوقت نفسه إلى أن الموقف الرسمي لعمان لا يستمد من خلال هذا البيان فقط، فالعلاقات العمانية التركية جيدة حتى قبل البيان، وأضاف: "لا ننسى أن عمان قد اشترت معدات عسكرية من تركيا منذ سنوات"، لكنه أكد أن ذلك لم يكن يعني أي تمحور أو اصطفاف في أي محور مع تركيا في ملفاتها آنذاك وكذلك اليوم.

اقرأ أيضاً:

ورأى الشاعر أن السلطنة لا يمكن أن تمضي في علاقة من شأنها الإضرار بأي دولة خليجية، لكنها أيضاً "قادرة على بناء علاقة متوازنة مع الجميع، وقد تكون ممراً مشتركاً لإعادة إصلاح العلاقات الخليجية وحتى العربية مع تركيا".

ونبه إلى المشتركات في الملفات الإقليمية بين عمان وتركيا، إذ رأى أن البلدين يملكان موقفاً متشابهاً في قضية الخلاف الخليجي مع قطر، وفي الملف الإيراني والملف اليمني.

انكفاء محور الإمارات والسعودية

وإذا كان هذا هو الحال مع عمان، فإن التقارب التركي الخليجي يتجه يوماً بعد يوم نحو شكل أكثر متانة ويشمل نطاقاً أوسع من الملفات، وهذا ما شهدته العلاقات التركية القطرية أولاً، ثم العلاقات التركية الكويتية ثانياً، ما يعني عزلة أكبر للمحور السعودي الإماراتي، الذي ينظر إلى العلاقة مع تركيا من بوابة موقف الأخيرة الداعم لتطلعات الشعوب العربية وتوقها للحرية.

الدكتور ماجد الأنصاري أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر يرى أن تطور العلاقة بين تركيا والكويت وقطر وعمان كان "أمراً طبيعياً"، لأن هذه الدول "لا تعاني من عقدة الإسلام السياسي، وليست معنية بقمع الشعوب وتعزيز الدولة القمعية في الحالة العربية".

وأكد الأنصاري في حديث مع TRT عربي أن "الموقف التركي الثابت من السياسة الخارجية تجاه دعم تطلعات الشعوب في المنطقة هو ما قطع الشعرة بين تركيا ومعسكر قمع الشعوب، السعودية والإمارات".

ولفت الأكاديمي القطري إلى أن معسكر الإمارات والسعودية "يتحول شيئاً فشيئاً إلى الانحسار والانكفاء على الذات، إذ نجد أنه خسر الكثير من حلفائه في المنطقة وفي الساحة الدولية، ويتجه الآن ليكون أضعف في السياق الدولي، ما يدل على أن سياسات هذه الدول في بادئ الأمر كانت غير رشيدة وأن كل ما كان يطرح من قبل هذه الدول حول قدرتها على فرض نظام عربي جديد يأتمر بالرياض وأبو ظبي كان محض خيال".

من جهته رأى الدكتور خالد الجابر، مدير مركز مينا للأبحاث في واشنطن، أن الخلاف الخليجي الذي انفجر في 2017 أصبح يؤثر على رؤية كل دولة خليجية على حدة، واختفت النظرة الكلية لمجلس التعاون الخليجي، بحيث "أصبحنا نتحدث اليوم عن دول وليس عن منظومة متكاملة".

وحول أبعاد العلاقات الخليجية مع تركيا أشار الجابر، في حديث مع TRT عربي، إلى أنه بعد الربيع العربي كانت هناك طموحات كبيرة بأن تنتقل المنطقة إلى مرحلة تؤمن بمسار ديمقراطي مختلف عمَّا كان سابقاً وتقترب من تجربة ديمقراطية حقيقية.

اقرأ أيضا:

الخبير والباحث القطري دعا دول الخليج، شعوباً وحكاماً، إلى إجراء نوع من الموازنة ما بين تركيا والقوى الأخرى، سواء كانت إقليمية مثل إيران أو خارجية مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، معبراً عن اعتقاده بأن دخول تركيا في المعادلة "سيحقق نوعاً من التوازن، حتى ولو كان هناك اختلاف في بعض الأجندات مع السياسة الخارجية التركية".

وقال الجابر: إن "على دول الخليج أن تستفيد وتستثمر الوجود التركي في المنطقة ولا تعاديه، وأن تحقق مصالحها من خلال التعاون مع الأتراك والقيادة التركية الحالية".

وحول الدول التي "لا تؤمن بالتغيير" مثل الإمارات، رأى مدير مركز مينا للأبحاث أن "الصوت الإماراتي لا صدى كبيراً له في الخليج، ويقتصر على الإمارات وتشاركها بعض القيادات السعودية.. أما عموم الخليج فيريد الوصول إلى توافق مع تركيا التي تمثل العمق الإسلامي والتاريخي للمنطقة".

عداء لا يمكن أن يستمر

لكن كيف ترى تركيا الانقسام الخليجي تجاه العلاقات معها؟ وهل تبدي قلقها تجاه الحملة المعادية التي يشنها معسكر السعودية والإمارات ضدها، وما يرافق ذلك من حملات تشويه تسعى لتغيير قناعات الشعوب العربية تجاهها؟

الصحفي التركي مصطفى كيركجي أوغلو يرى أنه منذ انقلاب 2013 في مصر تقوم استراتيجية السعودية والإمارات لمحاربة ما يسمى "الإسلام السياسي" في أحد أركانها على وضع تركيا بين فكي كماشة. مشيراً إلى أن هذه السياسة "لم تنجح بشكل ملموس".

ونبه كيركجي أوغلو، في حديث مع TRT عربي، إلى أن "هاتين الدولتين ليستا موحدتين في كل شيء، ولدينا اليمن مثال على ذلك، حيث تنتهج الإمارات سياسة مفارقة لسياسة السعودية".

وبالرغم من أن العلاقات الاقتصادية لم تتأثر كثيراً بالخلاف السياسي بين تركيا وهاتين الدولتين، كما يرى الصحفي التركي، فإنهما "لا تزالان تتخذان خطوات غير عقلانية تجاه تركيا، ومع ذلك لا أعتقد أن تركيا قلقة كثيراً من هذا الوضع، فهي تعلم أن هذه العداء لها لا يمكن أن يستمر، كما أن هذا العداء لا يحظى بشعبية كبيرة على مستوى الخليج العربي".

ويتفق الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، مع هذا الرأي، قائلاً: "الشعوب الخليجية بشكل عام وفي مختلف المواقف تنظر إلى تركيا بعين الإعجاب، فهي إحدى المحطات الرئيسية بالنسبة إلى هذه الدول. والتنمية والنهضة التركية ملموستان بالنسبة إلى الجميع في الخليج، ويمثل النظام التركي نموذجاً في الحالة الإسلامية والشعب الخليجي يرى ذلك، وليس أدل على ذلك من أنه بالرغم من الإرهاب والتخويف من السياحة إلى تركيا فإن السياح الإماراتيين والسعوديين لا يزالون يشكلون كتلة ليست بالبسيطة بين مجمل السياح في تركيا".

وكذلك لفت الدكتور خالد الجابر، مدير مركز مينا للأبحاث في واشنطن، إلى أن "الشعوب في منطقة الخليج تؤمن بغد أفضل، وهي ترى في التحرك التركي أن هناك قوة تحمل راية إسلامية لديها تاريخ في المنطقة، ونظامها السياسي مقارنة بكل دول المنطقة هو الأفضل، رغم محاولة الإعلام المضاد، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، أن يشوه ذلك وأي إنجازات حقيقية تقع في تركيا".

TRT عربي