العلاقات التركية الباكستانية (AA)
تابعنا

تمتد جذور علاقات الصداقة والتعاون التركية الباكستانية إلى فترة حكم الدولة العثمانية، ففي القرن الـ19 دعم مسلمو القارة الهندية العثمانيين مادياً وسياسياً في حرب القرم، ولاحقاً ترسخت العلاقات إبان حرب التحرير والاستقلال التي قادها مصطفى كمال أتاتورك ضد قوى الاستعمار الغربي بين عامي 1919 و1923، من خلال الدعم المادي السخي الذي قدمه الشعب الباكستاني لشقيقه التركي. في المقابل كانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بباكستان عقب تأسيسها عام 1947، ودعمت جميع محاولاتها لتصبح عضوة في منظمة الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من التباعد الجغرافي بين تركيا وباكستان، فإن العلاقات بين البلدين تنامت بشكل لافت خلال العقدين المنصرمين لتصل إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية، ويتخذ البلدان إجراءات من شأنها توطيد هذه العلاقات بشكل أكبر من خلال تعزيز التعاون في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، فضلاً عن التعاون في المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية والصناعات الدفاعية ومشاركة التجارب العسكرية.

وعلى الصعيد الآخر، قوبلت التحركات التركية الباكستانية وما نتج عنها من توقيع اتفاقيات شراكة بقلق وتوجس من طرف بعض الدول، على رأسها الهند وإسرائيل، فالأولى تخشى من أن يؤثر التعاون في مجال الصناعات الدفاعية على الصراع الدائر في كشمير لمصلحة باكستان، فضلاً عن الدور المتنامي لتحالفهما في أفغانستان، فيما تخشى إسرائيل امتلاك أنقرة لسلاح نووي بمساعدة من إسلام أباد، وتبدي انزعاجها من تحرك البلدين جنباً إلى جنب في مسار نصرة القضية الفلسطينية.

تعاون عسكري متنامٍ

انعكس النمو الذي يشهده قطاع الصناعات الدفاعية التركية على علاقات التعاون العسكري المشترك بين تركيا وباكستان، إذ أصبحت باكستان من أهم الوجهات التي تُصدر إليها الأسلحة والأنظمة الدفاعية التي تُنتجها الشركات التركية، ففي الفترة ما بين 2016 و2019 بلغ إجمالي صادرات الأسلحة التركية إلى باكستان أكثر من 112 مليون دولار أمريكي.

وفي يوليو/تموز 2018، وقعت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية "توساش" اتفاقية مع وزارة الدفاع الباكستانية لتزويدها بـ30 مروحية استطلاع تكتيكي من طراز "أتاك تي 128"، إضافة إلى حزمة من العقود الخاصة بالمواد الاحتياطية، واللوجستية، والذخائر والتدريب، الصفقة التي تحاول أمريكا ودول غربية تعطيلها من خلال فرض عقوبات على تصدير المحركات الخاصة بهذا النوع من الطائرات.

وإلى جانب المروحيات، فازت أنقرة في يوليو/تموز 2018 بأكبر مناقصة تصدير في تاريخ الصناعات الدفاعية التركية، تنص على توريد 4 فرقاطات إلى البحرية الباكستانية ضمن مشروع "ميلغم" التركي الخاص بإنتاج السفن الحربية بإمكانات وطنية، حيث اتفق الجانبان على بناء فرقاطتين في مدينة إسطنبول، واثنتين أخريين في مدينة كراتشي الباكستانية. يذكر أن إسلام أباد تسلمت الفرقاطة الأولى التي تم بناؤها في حوض بناء السفن في إسطنبول في مايو/أيار الماضي، فضلاً عن تسلمها لطرادات بحرية تركية بداية العام الجاري.

وفي السياق ذاته، أعلنت أنقرة عن أنها ستشتري مقاتلات من طراز (Super Mushshak MFI-17) إضافة إلى ثلاث غواصات من باكستان، كما سيشارك البلدان في بناء ناقلة أسطول.

توجس هندي

تعزيز التعاون الدفاعي بين تركيا وباكستان يثير قلق الهند التي تربطها علاقات متوترة مع الجارة باكستان، حيث تخشى الهند بيع تركيا باكستان طائراتها المسيّرة من طراز "بيرقدار تي بي 2" التي أثبتت نفسها بشكل عملي فوق أكثر من ساحة صراع في سوريا وليبيا وأذربيجان، والتي من شأنها أن تغير قواعد اللعبة في الصراع الهندي الباكستاني وقت شرائها وإنزالها الخدمة.

وإلى جانب الأسلحة والمسيّرات، شهدت السنوات الأخيرة توقيع البلدين الكثير من الاتفاقيات من أجل تطوير التعاون في المجال العسكري، تركزت معظمها على مشاركة الخبرات في مجال الصناعات الدفاعية، ومشاريع الإنتاج المشترك في المجال الدفاعي العسكري، فضلاً عن التدريبات والمناورات العسكرية البرية والجوية والبحرية التي تجريها القوات المسلحة الباكستانية والتركية بشكل دوري.

وتخشى الهند أيضاً الدور المتعاظم الذي ستلعبه أنقرة وإسلام أباد في أفغانستان بعد استكمال خروج القوات الأمريكية ودول حلف الناتو في سبتمبر/أيلول القادم، فضلاً عن التقارب الأخير بين تركيا وباكستان والصين، والذي ستستغله الأطراف الثلاثة في زيادة نفوذها في أفغانستان التي تعتبر ركيزة أساسية في مشروع طريق الحرير الصيني الجديد، الذي تحاربه الهند والإمارات، والذي من شأنه أن ينهض بالعلاقات التجارية والاقتصادية بين أنقرة وإسلام أباد، فضلاً عن زيادة النفوذ التركي في بلدان وسط وجنوب شرق آسيا.

قلق إسرائيلي

أشار تقرير نشرته صحيفة " جيروزاليم بوست" في فبراير/شباط 2021، إلى أن إسرائيل هي الأخرى قلقة من التحالف الاستراتيجي الناشئ بين تركيا وباكستان، وتخشى أن تتحول تركيا بمرور الوقت إلى دولة نووية بمساعدة من إسلام أباد، خصوصاً مع تنامي المشاريع التي تُعنى بالإنتاج المشترك لأسلحة ومعدات عسكرية حديثة ومتطورة في السنوات الأخيرة، فضلاً عن الاتفاقيات العديدة الموقعة بين البلدين من أجل تبادل الخبرات في المجالات العسكرية.

ولفت التقرير إلى أن التقارب المتزايد يظهر أيضاً في المجال الدبلوماسي، حيث دعمت باكستان عمليات التنقيب التركية عن الغاز في شرق المتوسط، وشاركت إلى جانب البحرية التركية في تدريبات البحر الأبيض المتوسط، وسابقاً دعمت العمليات العسكرية في سوريا. ويتحرك البلدان في مسار واحد لنصرة القضية الفلسطينية، الأمر الذي يشكل صداعاً لإسرائيل، فخلال العدوان الإسرائيلي الأخير على الفلسطينيين في القدس وغزة اتفق وزيرا خارجية البلدين على إثارة القضية الفلسطينية في جلسة الأمم المتحدة الطارئة.

وتدرك تل أبيب جيداً أن العلاقات التركية الباكستانية مبنية على أسس دينية وثقافية وتاريخية عميقة، من شأنها إذا ما وظفت بشكل جيد أن تكون لها تداعيات مهمة على منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد التحركات الأخيرة التي تمخض عنها توقيع إعلان مشترك لوزراء خارجية تركيا وباكستان وأذربيجان تم التوقيع عليه في إسلام أباد في 13 يناير/كانون الثاني 2021 بشأن كشمير ونزاع بحر إيجة وقبرص والصراع بين أرمينيا وأذربيجان، الأمر الذي يعد بمنزلة ولادة كيان قوي على رقعة الشطرنج الجيوسياسية المعقدة في الشرق الأوسط وغرب وجنوب شرق آسيا.

TRT عربي