كيف اغتال "مرتزقة محترفون" رئيس هايتي في منزله؟ (Dieu Nalio Chery/AP)
تابعنا

استيقظ العالم صباح الأربعاء 7 يوليو/تموز على نبأ اغتيال الرئيس الهايتي جوفينيل مويز ليلاً في منزله على يد "مرتزقة محترفين"، وذلك عن عمر يناهز 53 عاماً، وسط إدعاءات أن المهاجمين عرّفوا عن أنفسهم بأنهم موظفون في "إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية".

من جانبه أعلن رئيس الحكومة في هايتي كلود جوزيف أنه سيتولى إدارة شؤون البلاد، وطالب المواطنين بالتزام الهدوء وعدم إثارة الذعر والبلبلة. وأشار جوزيف إلى أن عملية الاغتيال نفّذها "مرتزقة محترفون" ينطقون اللغتين الإسبانية والإنجليزية.

غير أن صحيفة "ميامي هيرالد" أفادت بأن المسلحين الذين هاجموا منزل الرئيس الهايتي جوفينيل مويس عرّفوا عن أنفسهم بأنهم موظفون في إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، وأن أحدهم صرخ في أثناء الهجوم باللغة الإنجليزية بلكنة أمريكية: "على الجميع البقاء في أماكنهم، هذه عملية لإدارة مكافحة المخدرات".

جاءت حادثة الاغتيال وسط خلافات عديدة وقعت بين الرئيس والمعارضة، أهمّها بحقّ عدم شرعية ولايته الرئاسية، التي ترى المعارضة أنها انتهت بالفعل في فبراير/شباط من العام الجاري.

الأشهر الأخيرة قبل الاغتيال

واجه الرئيس مويز قبل اغتياله معارضة شديدة من شرائح واسعة من شعبه ممن اعتبروا ولايته غير قانونية، كما شهدت ولايته عدم استقرار غير مسبوق بسبب توالي سبعة رؤساء وزراء على رئاسة الحكومة في غضون أربع سنوات فقط، هي إجمالي فترة حكم مويز. وكان آخرهم كلود جوزيف الذي كان من المنتظر تغييره هذا الأسبوع بعد مرور ما يقلّ عن ثلاثة أشهر منذ توليه المنصب.

وسط الخلاف الواقع بين الرئيس والمعارضة حول تاريخ نهاية ولاية الأول الرئاسية، امتنع مويز عن تسليم السلطة في وقت سابق من العام الحالي، معللاً فعلته بأن الولاية الرئاسية تبدأ مع تاريخ أداء القسم، وهو على النقيض مما طالبت به المعارضة مراراً وتكراراً بأن تكون بداية الولاية هي نفس يوم بداية الانتخابات الرئاسية، التي كان من المقدَّر وفقها أن يسلّم مويز السلطة في شهر فبراير/شباط الماضي. وكلا الطرفين استعان بموادَّ من دستور البلاد لتأكيد وجهة نظره، لكنهما لم يتوصلا إلى حلّ.

وكان من المفترض أن يلعب المجلس الدستوري بهايتي دوراً لحسم هذا الخلاف، غير أن غياب المؤسساتية وعدم الفصل بين السلطات، الذي تجلى مع تدخل السلطة التنفيذية ممثَّلة في رئيس الجمهورية بشكل كبير في صلاحيات السلطتين القضائية والتشريعية، حال دون حسم هذا الملف.

مشاركة الرئيس الراحل مويز في احتفالية بمناسبة الذكرى العاشرة لزلزال عام 2010 في تيتانيان (Reuters)

تعديل دستوري مزعوم

مع اقتراب موعد نهاية ولاية مويز -وفقاً لحسابات المعارضة- وتحديداً في 3 فبراير/شباط 2012، فاجأ الرئيس الجميع بإعلان نيته إجراء تعديلات دستورية، وهو ما أثار كثيراً من البلبلة في الأروقة السياسية وبين أفراد الشارع العاديين.

في هذا الصدد صرّح وقتها بيل أونيل، الحقوقي المعنيّ بالشأن الهايتي، لوكالة أنباء أسوشيتد برس، بأن "أولئك الذين صاغوا دستور هايتي عام 1987 المستخدم حالياً، كانوا قد خرجوا من ديكتاتورية استمرت نحو 29 عاماً في نظام يعمل تحت شعار «رؤساء مدى الحياة»، أمثال فرانسوا دوفالييه وجان كلود دوفالييه".

أما عن سعي الرئيس مويز لتعديل الدستور، فوصف أونيل ذلك بكونه "خطوة كبيرة إلى الوراء"، إذ يسمح التعديل المقترح للدستور بأن يبقى رئيس الجمهورية في منصبه لولايتين رئاسيتين متتاليتين، على العكس من الدستور الحالي للبلاد الذي وُضِع بصرامة ليحول دون نشأة أي استبداد وتفرُّد بالحكم.

يشار إلى أن الرئيس مويز كان حلَّ البرلمان وأقال ثلثَي أعضاء مجلس الشيوخ قبل نحو عامٍ ونصف من اغتياله. وماطل الرئيس الراحل عديداً من المرات متحججاً بجائحة كورونا، في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية، علاوة على استفتاء دستوري كان منوطاً به أن يحسم الخلافات الدستورية القائمة بين المعارضة والرئيس.

تولي رئيس الوزراء للحكم يثير ريبة

وفقاً لمحللين، فإن إعلان رئيس الوزراء كلود جوزيف أنه الرئيس الشرعي المؤقت للبلاد، هو خطوة غير دستورية في حد ذاتها، ومناقضة لدستور الدولة الذي ينص على أنه "في حال غياب الرئيس لأي سبب كان، يدير رئيس محكمة النقض المرحلة الانتقالية، وإن لم يكن موجوداً فيتولى نائب رئيس محكمة النقض هذه المهمة، وإن لم يكن موجوداً هو الآخر، فيُختير أكثر القضاة أقدميةً".

كذلك يعمل النص الدستوري في هايتي على إحكام المرحلة الانتقالية بفرض آليات محاسبة ورقابة مُحكَمة من السلطة التشريعية، لأنه "بعد تحديد الشخص وفقاً لنص الدستور، يُعرَض الأمر برمته على البرلمان، الذي يحقّ له التصويت برفض أو تصديق تولِّي الشخص المحدَّد".

ويُلزِم الدستور الشخص الذي يدير المرحلة الانتقالية أن يُجرِي انتخابات رئاسية في غضون 90 يوماً كحدّ أقصى، وهو ما لا يبدو بتاتاً أن استيلاء جوزيف على السلطة سيصبّ في اتجاهه.

TRT عربي