يتسبب انحسار جليد "ثيودول" بقمم الألب نحو الشمال في مشاكل حدودية بين إيطاليا وسويسرا.  (Marco Bertorello/AFP)
تابعنا

يجد "دي سيرفينو"، في قرية قرب قمة "تيستا غريجيا" في جبال الألب الإيطالية، نفسه أمام سؤال عسير الإجابة، هو: هل المكان، الذي قضى فيه معظم سنوات شبابه وكهولته، يقع على أراضٍ إيطالية أم سويسرية؟

إنها وضعية الحيرة التي يتسبب فيها ذوبان نهر "ثيودول" الجليدي للقاطنين بمحاذاته، إذ يمثل خطاً الحدود السويسرية الإيطالية، على مستوى جبل "ماتيرهورن" شرقي البلدين. ما يخلق مشكلة حدودية عويصة بينهما، تخلط فيها تبعات الاحتباس الحراري اتفاقات ترسيم يزيد عمرها عن 160 سنة.

مشكلة الحدود السويسرية الإيطالية

يعود اتفاق ترسيم الحدود السويسرية الإيطالية إلى عام 1861، أي بُعيد نهاية حرب الاستقلال الإيطالية. ويحدد الخط الممتد على طول فجوة التي تتدفق فيها المياه الذائبة على جانبي جبل "ماتيرهورن" شرقي البلدين كحدود بينهما.

وتعبر الحدود الإيطالية السويسرية على مستوى جبال الألب عدداً من الأنهار الجليدية، تتبع الحدود خط مستجمعات مياه الجليد الذائب. هكذا يخلط ذوبان نهر "ثيودول" الجليدي، منحسراً نحو الشمال، هذا الترسيم الذي يزيد عمره عن 160 سنة، حيث فقد هذا النهر الجليدي ما يفوق ربع كتلته بين عامي 1973 و2010.

ويخلق هذا الوضع مشكلة حدود فعلية بين إيطاليا وسويسرا، ووفقاً للمتخصص في ترسيم الحدود في المكتب الفدرالي السويسري للطوبوغرافيا "Swisstopo"، آلان ويتش، فإن "مثل هذه التعديلات متكررة ويجري تسويتها عموماً من خلال مقارنة الاستطلاعات التي أجراها فريقي البلدين دون تدخل سياسي".

فيما على الأرض يختلف الوضع، حيث يدفع ذوبان "ثيودول" قرية "دي سيرفينو" لتدخل أكثر ضمن الأراضي السويسرية، حيث أصبح أكثر من ثلثي المكان اليوم سويسرياً. بالمقابل يصر لوسيو تروكو، البالغ من العمر 51 عاماً، على أن "النجع إيطالي وسيبقى كذلك، لأننا كنا دائماً إيطاليين؛ قائمة الطعام إيطالية، والنبيذ إيطالي، والضرائب إيطالية".

ويحوي نجع "دي سيرفينو"، الذي بُني على نتوء صخري على قمة "تيستا غريجيا" عام 1984، ويضم 40 سريراً وطاولات خشبية طويلة كانت وقتها بالكامل في الأراضي الإيطالية. يثير الموقع الاستراتيجي للمبنى المطامع حوله، إذ يقع عند تقاطع منحدرات زيرمات وسيرفينيا، إحدى أكبر مناطق التزلج في العالم. كذلك على جانب مشروع خط التلفريك بين إيطاليا وسويسرا.

هذا ويخلق النزاع حول المبنى وضعاً معقداً بين البلدين، فحسب المتخصص في ترسيم الحدود آلان ويتش، يحث وجود النجع "آلية أرض مقابل أرض" التي غالباً ما تحل إيطاليا وسويسرا النزاعات الحدودية بينهما من خلالها.

خطر الاحتباس الحراري على جليد الألب

قدمت الأنهار الجليدية، بمثل التي تزخر بها سلسلة جبال الألب، منذ فترة طويلة واحدة من أوضح المؤشرات على ارتفاع درجة حرارة الكوكب، إذ تمكن العلماء من تتبع التغييرات المناخية باستخدام الصور القديمة للمقارنة مع صور الأقمار الصناعية الجديدة للوقوف وتقييم الخطر البيئي الذي تواجهه البشرية.

وفي هذا السياق، حسب خبراء البيئة، فإن موجات الحر التي تضرب أوروبا هذا الصيف ساعدت على زعزعة استقرار الأنهار الجليدية، وذوبانها بمعدل ثلاث إلى أربع مرات أسرع مما يحدث في أجزاء أخرى من نصف القارة الشمالي.

وبالنسبة للأنهار الجليدية في جبال الألب، أظهرت دراسة أن جميع أنهار الجليد الألبية فقدت 15% من مساحتها فقط ما بين عامي 2003 و2019، أي بمعدل 2% سنوياً. وتضيف الدراسة، بأنه من المتوقع أن يكون صيف 2022 أحد أسوأ المواسم على جليد الألب، حيث ينضاف إلى موجات حره المتزايدة أن شتاءه لم يعرف تساقطاً للثلوج بالشكل الكافي لاستدامة مستويات الجليد.

هذا وترجح الدراسة إمكانية أن يفقد الألب حتى حدود 80% من جليده إذا ما استمرت درجة حرارة الكوكب في الارتفاع.

TRT عربي