تابعنا
استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، يوم الأربعاء 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ضدّ مشروع قرار برازيلي يدعو إلى هدنة إنسانية مؤقتة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة.

استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، يوم الأربعاء 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ضدّ مشروع قرار برازيلي يدعو إلى هدنة إنسانية مؤقتة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة.

موقف عدّه كثير من المحللين الأمريكيين دليلاً على الدعم المستمر لإسرائيل وعلى عدم استعداد الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب على غزة.

وصوّت لصالح مشروع القرار الذي يُدين جميع الأعمال القتالية ضد المدنيين، 12 من أصل 15 دولة عضواً في المجلس التابع للأمم المتحدة، في حين امتنعت روسيا والمملكة المتحدة عن التصويت عليه.

وبرّرت واشنطن تصويتها ضدّ مشروع القرار بأنّه لم يفعّل ما يكفي لتأكيد "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس" و"لم يتضمن إدانة كبيرة لحماس".

ما أسباب استخدام الفيتو الأمريكي؟

في هذا الصّدد، يرى الباحث في كلية مونك للشؤون العالمية والسياسة العامّة عارف لالاني، أنّ "التصويت الأمريكي أمر طبيعي".

ويقول لالاني لـTRT عربي، إنّ واشنطن استخدمت بانتظام الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، دفاعاً عمّا تعدّها قرارات مناهضة لإسرائيل.

من جانبه يرى أستاذ العلوم السياسية ودراسات الاتصال في جامعة ميشيغان، مايكل تراجوت، أنّ استخدامَ الولايات المتحدة حق النقض قد جاء لاعتقادها أنّه "غير مكتمل".

ويضيف تراجوت لـTRT عربي، أنّ خُلوَّ المشروع من "إدانة واضحة لمنظمة حماس"، وعدم تأكيد "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، هو ما جعل الولايات المتحدة تعتقد أنّ لغة القرار "غير مكتملة" في جوانب عدّة، وهو ما دفعها لاستخدام حق النقض.

أما فولفغانغ بوستاي، الخبير السياسي والاستراتيجي، فيعتقد أنّ الولايات المتحدة تستخدم حق النقض للسّماح لإسرائيل بمواصلة الحرب.

وفي حديثه مع TRT عربي، يرى فولفغانغ أنّ واشنطن تدرك أنّ إسرائيل تريد إطلاق سراح الأسرى والرهائن و"القضاء على تهديد حماس"، وأنّ "أي وقف لإطلاق النار من شأنه أن يساعد حماس على التعافي من الضربات الإسرائيلية ويسمح لها بإعادة تنظيم صفوفها، ما من شأنه تعقيد إمكانية تحقيق إسرائيل أهدافها"، على حدّ تعبيره.

من جهة أخرى، يعتقد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنوب كاليفورنيا، باتريك جيمس، أنّه إذا لم تكن الولايات المتحدة قد اتخذت زمام المبادرة واستخدمت حق الفيتو، فقد كانت ستستخدمه المملكة المتحدة.

ويقول جيمس في حديثه مع TRT عربي، إنّ الولايات المتحدة متحالفة بشكل وثيق مع إسرائيل، ومن الطبيعي أن تدعم مصالحها داخل مجلس الأمن.

دعم مطلق

ومنذ اللحظة الأولى لقيام إسرائيل بقصف قطاع غزة، رداً على عملية "طوفان الأقصى"، تعهّد الرئيس الأمريكي بدعم مطلق لإسرائيل وعملياتها.

وبالإضافة إلى التصريحات المشجّعة لإسرائيل على اتخاذ خطوات لتجنب قتل المدنيين الفلسطينيين، طلب بايدن من الكونغرس تخصيص أكثر من 14 مليار دولار مساعدات لإسرائيل.

في المقابل، لم تنتقد الولايات المتحدة الحصار على غزة والغارات الجوية الإسرائيلية التي دمّرت أحياءً بأكملها في القطاع، وقتلت أكثر من 6 آلاف شخص، ومنعت الوصول إلى المياه والغذاء والكهرباء والوقود لسكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان فرانسيسكو، ستيفن زونس، أنّ الولايات المتحدة ليست مستعدة تماماً للضغط على إسرائيل "لإنهاء القتل في غزة ووقوع مزيد من الضحايا".

وفي حديثه مع TRT عربي، يقول زونس إنّ تقديم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات لإسرائيل من دون أي شروط، يشير إلى دعم مواصلة الحرب من دون قيود ومن دون النظر إلى مقتل آلاف المدنيين في غزة واستمرار قتلهم مع استخدام حق الفيتو.

ويضيف أستاذ العلوم السياسية أنّه "كان من الممكن أن تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لوقف القتل، لولا استخدامها حق النقض الذي يسمح لإسرائيل بمواصلته".

من جانبه يوضّح بول بيك، أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية في جامعة أوهايو، أنّ الولايات المتحدة تدعم دائماً إسرائيل في التصويت في الأمم المتحدة في أي قرار تتخذه، ولا شيء مختلفاً هذه المرة.

ويبيّن في حديثه مع TRT عربي، أنّ "تداعيات استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضدّ مشروع قرار الهدنة الإنسانية المؤقتة، لن يغيّر من موقف الولايات المتحدة وتحيّزها إلى جانب بعينه".

موقف متحيّز

ويرى الباحث السياسي باتريك جيمس أنّه عندما تحدث صراعات شديدة للغاية، تتقدّم القوى العظمى وتتراجع الأمم المتحدة، "هذه هي حقيقة عالم الفوضى الذي نعيش فيه، إنّ الأمم المتحدة قادرة على تقديم المساعدة في حالة واحدة فقط، وهي عندما يصل الوضع إلى حدّ حفظ السلام".

بينما يصف عارف لالاني الوضع بأنّه "مؤسف للغاية"، ويعتقد أنّ البرازيل والأعضاء الآخرين قد بذلوا مجهوداً كبيراً بشأن صياغة نص مشروع القرار الذي كانوا يأملون أن يكون مقبولاً لدى الولايات المتحدة.

ويقول لالاني إنّه "لضمان تسجيل موقف رسمي للمنظمة وسعيها لهدنة إنسانية، يمكن لأعضاء الأمم المتحدة الآن تقديم قرار في الجمعية العامة لضمان أنّ الأعضاء قد أعربوا عن وجهات نظر المنظمة بشكل رسميّ".

ويشدّد الباحث على أنّه ما دامت هناك دبلوماسية على مستوى الرؤساء، فقد تُحقق تهدئة، قائلاً: "إنّ وجود دبلوماسية رفيعة المستوى فعلياً في المنطقة، يعطي الأمل للعمل وفق الضرورة الإنسانية".

دبلوماسية الألم والمعاناة

في الساعات التي سبقت سفر الرئيس الأمريكي إلى إسرائيل، في 18 أكتوبر/تشرين الأول، وقع القصف المميت لمستشفى الأهلي المعمداني في غزة مخلّفاً 471 شهيداً، وأثار ذلك غضباً تجاه إسرائيل والولايات المتحدة.

ومع حلول الوقت الذي وصل فيه بايدن إلى تل أبيب، كانت الاحتجاجات قد اندلعت في كثير من الدول حول العالم.

ويعتقد بول بيك أنّ زيارة بايدن إسرائيل كانت عملاً رمزياً لإظهار دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، مضيفاً أنّ الزيارة بَدَت أيضاً كأنّها "كانت بمثابة محاولة لإقناع القادة الإسرائيليين باتخاذ نهج أكثر منطقية في التعامل مع غزة، بدلاً من الدعوة لاجتثاث حماس من جذورها".

من جانبه، يعتقد فولفغانغ بوستاي أنّ "الرئيس الأمريكي كان لديه هدفان من زيارته لإسرائيل، أحدهما إنساني بالدرجة الأولى".

ويوضّح أنّ بايدن في البداية كان ينوي إظهار الدعم الأمريكي للحملة العسكرية الإسرائيلية ضدّ حماس، "وكان هذا بالتأكيد تحذيراً قوياً لأي شخص قد يفكر في التدخل في الحرب من الخارج، مثل حزب الله اللبناني وسوريا وإيران على وجه الخصوص".

أما الهدف الثاني، وفق تصوّر فولغانغ، فكان "إيضاح بايدن للقيادة الإسرائيلية أيضاً أنّ أمريكا لا تقبل سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين، وأنّه يجب السماح بالمساعدات الإنسانية"، وربما حثَّ أيضاً على ضبط النفس في الضفة الغربية وعلى الحدود الشمالية لإسرائيل لاحتواء رقعة الحرب.

ويلفت فولفغانع إلى أنّ "هناك احتمالاً كبيراً أنّ بايدن حقّق هذه الأهداف، لأنّ إسرائيل تعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي".

TRT عربي