عنصرية وعنف وفضائح.. ماذا يحدث داخل جهاز الشرطة البريطانية؟ / صورة: Reuters (Peter Nicholls/Reuters)
تابعنا

لا تزال الفضائح وجرائم العنصرية شبحاً يطارد شرطة العاصمة لندن ويعود في كل مرة للكشف عن مدى تغلغل هذه الأعمال المشينة في عمق الجهاز الأمني البريطاني. وهو ما أكدته المراجعة المستقلة التي خضع لها الجهاز، والتي أفضى تقريرها إلى وجود ثقافة "العنصرية المؤسساتية، وكراهية النساء".

يأتي هذا التقرير بعد سلسلة إجراءات عقابية وإصلاحات أطلقتها السلطات البريطانية لتدارك كثرة شكاوى جهاز الشرطة. كما شهد الجهاز استقالات كثيرة بصفوفه أبرزها كانت لرئيسته كريسيدا ديك بفبراير/شباط 2022.

تقرير جديد يدين شرطة لندن

وكان عمدة العاصمة لندن صادق خان طلب بفبراير 2022 مراجعة مستقلة لشرطة لندن في أعقاب جريمة اختطاف واغتصاب وقتل سارة إيفرارد من ضابط في الجهاز.

وقال خان في بيان أخير له الثلاثاء إن البارونة المكلفة إجراء المراجعة لويز كيسي عثرت على "دليل دامغ" على وجود العنصرية المؤسساتية وكراهية النساء، كما وصفت كيسي شرطة لندن بأنها مقاومة للتغيير وغير راغبة بالتعامل مع المجتمعات.

وحسب ما نشرت "الغارديان"، فصّل تقرير المراجعة، المؤلف من 363 صفحة، قصصاً مزعجة عن اعتداءات جنسية عادة ما يجري التعتيم عليها أو التقليل من شأنها. وأورد التقرير أن 12% من النساء بجهاز الشرطة قلن إنهن تعرضن للتحرش أو التهجم عليهم في أثناء العمل، وإن ثلثهن عانى من التمييز الجنسي.

وكانت النساء يتعرضن للانتهاكات المتكررة من كبار الضباط، بما فيه تعرض فتاة صغيرة لمضايقات متكررة. وقد اشتكت وقالت للتحقيق: "ربما كان من الأفضل أن أعاني في صمت، لكنني لم أستطع ذلك".

وكشفت البارونة كيسي في تقريرها حوادث عنصرية على أساس ديني، كتلك التي طالت ضابطاً مسلماً بأن زملاءه كانوا يضعون لحم الخنزير المقدد في حذائه، وكذلك ضابطاً سيخياً قُطعت لحيته. كما كان ضباط الأقليات العرقية أكثر عرضة للتأديب أو المغادرة، فيما لا يزال الضباط البيض أقوى بالجهاز بشكل غير متناسب، في عاصمة تزداد تنوعاً.

ورداً على هذه المعطيات أوضح رئيس شرطة لندن السير مارك رولي مواقف متباينة، فقال إنه يقبل نتائج التحقيق ويريد مزيد وقت لدراسة توصيات كيسي لكنه يرفض توصيف وقائع العنصرية بأنها "مؤسساتية".

سجل حافل من الفضائح

بوقت سابق في أكتوبر/تشرين الأول الماضي قالت البارونة كيسي إن 1809 شرطيين عليهم أكثر من شكوى بانتهاكات مختلفة، إضافة إلى كون 500 منهم يواجهون بين 3 و5 شكاوي منذ 2013 دون أن يُحاسبوا أو تُتابع هذه الشكاوي.

فيما تؤشر هذه الأرقام على سجل الفضائح الحافل لشرطة العاصمة البريطانية، من بينها تلك التي سجن من أجلها الشرطيان دنيز جعفر وجيمي لويس، بعد تصويرهما جثتَي ضحيتين كانا يحققان في مقتلهما، ونشرهما بين شبكات أصدقائهما على تطبيق "واتساب"، مرفقين الصور بنكات عنصرية.

وفي مارس/آذار 2021 اهتزت مدينة لندن على وقع جريمة اختطاف وقتل الشابة سارة إيفرارد التي اكتُشفت جثتها بعد ذلك في منطقة كنت. وقادت تحقيقات الشرطة إلى أن الفاعل لم يكن سوى عنصر من شرطة لندن، واين كوينز، الذي اقتاد الضحية بدعوى خرقها الحجر الصحي، قبل أن يغتصبها ثم يقتلها ويخفي الجثة. وإثر جريمة سارة إيفرارد لاحقت انتقادات شرطة لندن بالتستر على السلوك غير السوي لعناصرها.

وفي فبراير الماضي وجّه رئيس بلدية لندن صادق خان انتقادات لاذعة إلى رئيسة شرطة مدينته، إذ قال إنه "غير راضٍ عن استجابة مفوضة شرطة العاصمة" بعد أن أبلغها بضرورة إجراء تغييرات واسعة في الجهاز.

إثر هذه الانتقادات أعلنت رئيسة شرطة لندن كريسيدا ديك استقالتها، معللة الخيار بالقول: "ليس أمامي خيار سوى التنحّي" بعد فقدان عمدة لندن صادق خان الثقة بقيادتها.

إجراءات عقابية

في يونيو/تموز الماضي قررت "المفتشية الملكية للشرطة وخدمات الإطفاء والإنقاذ"، أعلى هيئة رقابية على أجهزة الأمن والوقاية المدنية البريطانية، فرض رقابتها على جهاز شرطة لندن، كإجراء عقابي على الفضائح التي تورط فيها عناصر الجهاز.

وأعلنت "المفتشية الملكية للشرطة وخدمات الإطفاء والإنقاذ" البريطانية تفعيل آلية "إنغيج" للمراقبة بحق جهاز شرطة لندن، لأول مرة بتاريخه. وقالت المفتشية الملكية بتبريرها الإجراء إنه "يوفر تدقيقاً ودعماً إضافييْن لمساعدة شرطة لندن على إجراء تحسينات، إذ يتطلب الأمر قوة لإنتاج خطة تحسين شاملة".

ويلزم هذا الإجراء جهاز شرطة العاصمة البالغ تعداده 43 ألفاً بالخضوع لفحص دقيق ومتابعة، وسيتطلب ذلك إبلاغ مفتشي المراقبة بشكل أكثر انتظاماً بتفاصيل عملياته ونجاعتها بتحقيق أهداف مكافحة الجريمة باحترام للقانون.

ورداً على هذا القرار قال جهاز شرطة لندن في بيان: "نحن ندرك التأثير التراكمي للأحداث والمشكلات التي يتعامل معها جهاز الشرطة. كما نتفهم تأثير ذلك على المجتمعات ونشاركهم خيبة أملهم". مضيفاً: "نحن مصممون على أن نكون جهازاً يمكن لسكان لندن أن يفخروا به. لهذا نحن في تواصل دائم مع المفتشية حول الخطوات التالية".

TRT عربي
الأكثر تداولاً