تابعنا
يشكل هذا القرار، حسب كثير من المراقبين لانتشار هذه الظاهرة في الغرب، حجر الزاوية في الكفاح العالمي ضد الإسلاموفوبيا، خصوصاً بعد ارتفاع وتيرة كراهية المسلمين في أوروبا خلال السنوات الأخيرة.

تزامناً مع اليوم العالمي لمكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا، الذي يصادف 15 مارس/آذار من كل عام، صدَّقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار بشأن الخطوات المقرر اتخاذها لمكافحة الإسلاموفوبيا.

وصوتت 115 دولة لصالح مشروع القرار الذي قدمته باكستان نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي، فيما امتنعت 44 دولة عن التصويت، ولم تصوّت أي دولة ضد القرار.

ومن بين الدول المحايدة كانت فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، واليونان، والسويد، وسويسرا، وفنلندا، وأوكرانيا، والهند.

وتعتبر تركيا من ضمن المجموعة التي أعدّت مشروع القرار وقدمته، إذ أُعلن في 15 مارس/آذار 2022 "اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا" في الجمعية العامة للأمم المتحدة إثر مشروع قانون قدمته تركيا وباكستان نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي.

ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الإسلاموفوبيا بـ"الطاعون" الذي يمثل إنكاراً وجهلاً كاملين بالإسلام والمسلمين وإسهاماتهم، وقال غوتيريش، بعد انتهاء الدول من مداولاتها بشأن القرار، إن البعض يستغل "بشكل مُخجل" الكراهية ضدّ المسلمين والسياسات الإقصائية لتحقيق مكاسب سياسية، مضيفاً: "يجب أن نسمي الأشياء بتسمياتها ببساطة.. كل هذا هو كراهية".

ويشكل هذا القرار، حسب كثير من المراقبين لانتشار هذه الظاهرة في الغرب، حجر الزاوية في الكفاح العالمي ضد الإسلاموفوبيا، خصوصاً بعد ارتفاع وتيرة كراهية المسلمين في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، في ظل سماح دول أوروبية بجرائم الكراهية ضد المسلمين من خلال إضفاء الشرعية على الإسلاموفوبيا، وإدخال قوانين تحظر أو تحدّ من ممارساتهم الدينية.

ماذا يتضمن القرار؟

إضافة إلى دعوة الدول الأعضاء إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة، بما في ذلك الخطوات التي يتعين اتخاذها في المجالات القانونية والسياسية، لمكافحة التعصب الديني والعنف ضد المسلمين، فقد تضمَّن القرار خطوة عملية تمثلت في الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تعيين ممثل خاص للأمم المتحدة لمكافحة الإسلاموفوبيا.

إلى جانب ذلك، يتضمن القرار إدانة المنشورات والمشاركات التي تشجِّع التمييز والعنف والكراهية الدينية في جميع أنواع وسائل الإعلام، فضلاً عن التعصب الديني والصور النمطية والعداء تجاه المسلمين، بما في ذلك الكتب المقدسة والأماكن المقدسة.

ويشجع القرار أيضاً الحوار بين الثقافات والحضارات والتنوع الديني، كما طلب من الأمين العام للأمم المتحدة إعداد تقرير حول تنفيذ هذا القرار وتقديمه إلى الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويرى الأكاديمي والباحث سلام الكواكبي، أن القرار بهذه البنود مبادرة جيدة جدّاً تُشكِّل بالنسبة للأمم المتحدة انتقالاً من الإطار النظري إلى التطبيق العملي، وخطوة عملية من الأمم المتحدة بعد تحديدها يوم 15 مارس/آذار يوماً عالميّاً لمحاربة الإسلاموفوبيا.

ويوضح في حديثه مع TRT عربي، أن الأمم المتحدة -بوصفها منظمة جامعة للدول- تحدد مناسبات وتواريخ لهذه القضايا، وأنه بهذا القرار انتقلت المنظمة إلى وضع الخطط العملية لتنفيذه، كخطوة تعيين ممثل خاص لمكافحة الإسلاموفوبيا.

مستويات الإسلاموفوبيا مثيرة للقلق

وشهدت السنوات الأخيرة في أوروبا، والغرب عموماً، ارتفاعاً واضحاً في حالات كراهية المسلمين، والاعتداء على رموزهم الدينية، إذ تكررت مؤخراً في السويد والدنمارك حوادث الإساءة للمصاحف من يمينيين متطرفين أمام سفارات دول إسلامية، إضافة إلى الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، التي نشرتها مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية عام 2006.

لكن التطور الخطير في هذا السياق تمثَّل في 15 مارس/آذار 2019، إذ شهدت كرايستشيرش النيوزيلندية مجزرة مروعة هاجم فيها إرهابي يدعى برينتون تارانت المصلين في مسجدي "النور" و"لينوود" بأسلحة رشاشة، وأسفرت المجزرة عن مقتل 51 شخصاً وإصابة 50 آخرين.

وفي هذا السياق، حذر مقررو الأمم المتحدة من أن المشاعر المُعادية للإسلام في جميع أنحاء العالم وصلت إلى مستويات مثيرة للقلق، جاء ذلك في بيان مشترك بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا في 15 مارس/آذار الجاري.

وجاء في البيان: "إننا نشهد وقوع هجمات على المساجد والمراكز الثقافية والمدارس، وحتى الممتلكات الخاصة التابعة للمسلمين في جميع أنحاء العالم".

ويؤكد رئيس هيئة العلماء والدعاة في ألمانيا، الدكتور طه عامر، أن المسلمين في الغرب دفعوا ثمناً باهظاً جراء تفشي ظاهرة كراهية الإسلام في العقود الأخيرة، فالاعتداءات تتصاعد ضد المسلمين ماديّاً ومعنويّاً، وأصابع الاتهام جاهزة للإشارة الفورية ضد المسلمين في حال وقوع أي حدث إرهابي هنا أو هناك.

ويوضح عامر في حديثه مع TRT عربي، أن خطاب الكراهية بلغ مَبلغاً هائلاً ينتج عنه كل يوم عدوانٌ، وشحن إعلاميٌّ، وتنميطٌ للمسلمين في صورة سلبية، وأن حوادث الاعتداء باتت كثيرة ومتكررة.

تأثير القرار في انتشار الإسلاموفوبيا

تعيين الأمم المتحدة ممثلاً خاصّاً بها لمكافحة الإسلاموفوبيا يرى فيه كثير من المتابعين لهذه الظاهرة وانتشارها في أوروبا خطوة عملية وإرادة جدية من المنظمة الأممية للحدّ من انتشار هذه الظاهرة.

ويبيّن الأكاديمي والباحث سلام الكواكبي، أن فعالية هذا القرار وتأثيره مرتبط بتحقق شرطين، الأول شخصية المبعوث الأممي، والصلاحيات والإمكانيات المتوفرة لديه، أما الثاني فيرتبط بتعاون الدول التي تشهد حالات متكررة من الإسلاموفوبيا، إضافة إلى ارتفاع مستوى العنصرية وكراهية الإسلام فيها.

ويستشهد الكواكبي على ذلك بالدول الأوروبية، ويقول إن هذه الدول الديمقراطية لا بُدَّ أن تزود المبعوث الأممي بمعلومات وإحصائيات لحالات العنصرية وانتشار الإسلاموفوبيا من خلال وجود مراصد محلية خاصة لتوثيق هذه الانتهاكات.

في مقابل ذلك، يضيف الكواكبي أن دولاً غير متعاونة في هذا المجال -مثل الصين- يتعرض فيها المسلمون للانتهاكات بشكل متكرر وبأعداد كبيرة، لكنها مع ذلك لا تزود الأمم المتحدة بإحصائيات حول هذه الانتهاكات، ولن تسمح لأي جهة أممية بإجراء تحقيقات حول الموضوع.

وفي هذا السياق، أكدت منسقة المفوضية الأوروبية لمكافحة الكراهية ضد المسلمين، ماريون لاليس، في تصريحات لوكالة الأناضول في 10 فبراير/شباط الماضي، أهمية توثيق حالات الكراهية ورفع مستوى الوعي من أجل مكافحتها.

وشددت "لاليس" على "ضرورة إنشاء شبكة بين دول الاتحاد الأوروبي، لجمع البيانات بشأن الحوادث ومشاركة النماذج الجيدة لمكافحتها".

يُشار إلى أن دولاً غربية بدأت اتخاذ خطوات فعلية في مكافحة انتشار كراهية المسلمين على أراضيها، منها كندا، التي عيَّنت في أواخر يناير/كانون الثاني مطلع العام الجاري أول ممثلة خاصة لديها معنية بمكافحة الإسلاموفوبيا، وهو منصب استُحدِث بعد سلسلة هجمات استهدفت المسلمين مؤخراً في البلاد.

النتائج مرتبطة بالإرادة السياسية

وعملت الأحزاب السياسية اليمينية جميعها في أوروبا على استخدام الإسلاموفوبيا لتعبئة مؤيديها والحصول على مكاسب سياسية، وهو ما فتح الطريق أمام انتشار لغة عدائية ضدّ المسلمين في عديد من الدول الأوروبية.

ويرى رئيس هيئة العلماء والدعاة في ألمانيا، الدكتور طه عامر، أن قرارات الأمم المتحدة ستبقى حبراً على ورق ما لم تشد عزمها الإرادة السياسية لدى الحكومات الغربية عبر اتخاذ خطوات عملية، وسنّ القوانين الرادعة لممارسات الكراهية ضد المسلمين.

وفي الاتجاه ذاته، يؤكد الأستاذ في الجامعة التركية الألمانية، إينيس بركلي، في حديث مع وكالة الأناضول وجود "مقاومة سياسية لعدم الاعتراف بمشكلة الإسلاموفوبيا (...) إنهم يحاولون الابتعاد والتلاعب بهذه المشكلة حتى لا يستخدموا الكلمة (…)، وعندما لا تستخدم المفردة، فهذا يعني بالطبع أنك لا تعترف سياسيّاً بوجود مشكلة".

وفي مقابل جهود الحكومات، يشير الدكتور طه عامر إلى دور المسلمين في الدفاع عن حقوقهم ورفض أي تمييز ضدهم، والحرص على تمثّل قيم الإسلام وتعاليمه العظيمة في سلوكهم وأخلاقهم، وتكوين شراكات واسعة مع مؤسسات المجتمع وأفراده في ما يخدم الصالح العام.

TRT عربي