تابعنا
شهدت الفترة الأخيرة تحوُّل مصير رئيس البعثة الأممية في السودان فولكر بيرتس إلى مثار نزاع بين كل من رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، الذي أعلن رفضه تمديد ولاية بيرتس، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الداعم لإعادة تجديدها.

تبنَّى مجلس الأمن الدولي في الثالث من يونيو/حزيران 2020 قرار إنشاء بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، وهي بعثة سياسية مكلَّفة تقديم الدعم للسودان خلال انتقاله السياسي لحكم ديمقراطي، وتمتد ولايتها إلى 12 شهراً، جُددت دورياً خلال الأعوام الماضية.

وقد شهدت الفترة الأخيرة تحوُّل مصير رئيس البعثة الأممية في السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس إلى مثار نزاع بين كل من رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، الذي أعلن رفضه تمديد ولاية بيرتس، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الداعم لإعادة تجديدها الذي أُقرّ فعليّاً مطلع يونيو/حزيران الحالي.

وبينما أعلن السودان أن بيرتس شخص غير مرغوب به في أراضيه، فقد أكد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) دعمه للبعثة ورئيسها، مؤكداً "الثقة الكاملة" بهم لمساعدة السودان على تجاوز محنته الحالية.

بيرتس أم البعثة؟

يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم، محمد خليفة صدّيق، أن اعتراض رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان يتجاوز شخص فولكر بيرتس إلى البعثة الأممية كلها، ما يعكس شعور البرهان "بعجز المجتمع الدولي عن ممارسة أي دور إيجابي لوقف الحرب".

ويضيف الدكتور صدّيق بأن اعتراض البرهان يعود إلى "خطل مقاربة بيرتس واختياره التعامل مع فئة من السودانيين يتحكم عن طريقهم في مسار الفترة الانتقالية، واختياره أن يرسم مستقبل السودان السياسي والاجتماعي على النحو الذي يخالف الأسس المرعيّة في مثل هذا النوع من المهام".

وفي تصريحه لـTRT عربي يعتقد صدّيق أن البعثة الأممية "تبنَّت منهجاً إقصائياً يقسم السودانيين على أساس اللون السياسي، وتحولت إلى سكرتارية لحلف دولي وإقليمي يحاول تفصيل مواصفات الانتقال على النحو الذي يختاره، وهو ما يخالف ميثاق المنظمة الدولية نفسه وبالضرورة يخالف تفويض البعثة".

ورغم أن الباحث المهتم بالقرن الإفريقي محمد خير عمر يوافق ما ذهب إليه الصدّيق من أن البرهان معترض على البعثة ورئيسها معاً، فإنه يخالفه في الدوافع، موضحاً أن البعثة "كانت مع الحكم المدني في السودان، وكذلك كل الدول الغربية كانت تنحاز بالتأكيد إلى الجانب المدني".

ويضيف الدكتور عمر أن بيرتس "أيضاً كان له أخطاؤه الشخصية كما يحدث مع كل المبعوثين الأمميين والمبعوثين الغربيين الذين يجري إرسالهم إلى دول أخرى"، راجعاً ذلك إلى عوامل، منها ضعف المعرفة بعقلية وثقافة المجتمع المُرسَل إليه، ونقص الدراية بالأوضاع، وبالتالي سوء التقدير.

ويضرب عمر مثالاً أنه بينما كانت المؤشرات كلها تؤكد أن الحرب آتية لا ريب فيها، "فإن فولكر والأمم المتحدة لم يكونا مستعدّين لهذا الاحتمال، فتقديرات فولكر كانت خاطئة، ويحاول أن يحمل الأطراف كلها المسؤولية وكأن بعثة الأمم المتحدة وهو شخصياً بريئون ممّا حدث".

بين النجاح والفشل

وضع القرار الخاص بإنشاء بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس) المساعدة في الانتقال السياسي والتقدم باتجاه حكم ديمقراطي وتعزيز وحماية حقوق الإنسان في السودان على رأس الغايات الرئيسية لهذه البعثة.

ويعتقد صدّيق أن المقصود بهذا الدعم هو الانتقال من الوضع السياسي الذي كان قائماً قبل 11 أبريل/نيسان 2019 (تاريخ تنحي الرئيس السابق عمر البشير من السلطة)، إلى وضع جديد "منفرج اقتصادياً ومنفتح دبلوماسياً ومتعدد سياسياً، يسوده السلام الشامل ويهيئ البلاد لانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها السودانيون مَن يتولى حكمهم"، ويستكمل: "وحين يحدث ذلك تستطيع البعثة القول إنها نجحت، وسينتهي دورها وتغادر".

ويستطرد صدّيق بأن البعثة على ما يبدو قررت "أنّ مهامّها الحقيقية لا علاقة لها بانتقال طبيعي إلى وضع ديمقراطي في وقت معلوم، وإنما بانتقال وفق نظرية وأفعال فولكر خلال السنوات الثلاث الماضية التي تقوم على المداراة السياسية والتجمل للسودانيين والتدليس في تقاريره الدورية لمجلس الأمن، التي وصلت إلى درجة تزوير توقيعات الشركاء في إيغاد والاتحاد الإفريقي".

كان ذلك في يوليو/تموز 2022 عندما ثارت ضجة حول خطاب جرى إرساله إلى قوى سياسية سودانية مذيلاً بتوقيعات بيرتس ومبعوثَي الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد، إذ أنكر الأخيران توقيعهما عليه أو استشارتهما حول نصه.

ووفقاً لمصادر دبلوماسية تحدثت إلى "سودان تريبون" فقد استدعت الخارجية السودانية حينها بيرتس "بشأن تزوير توقيع مبعوثي الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد"، إذ أبدى رئيس البعثة الأممية أسفه للخطأ الذي صاحب الخطاب".

مقاربة فولكر وبعثته -وفقاً لصدّيق- نجحت في "زرع الفتنة المُفضية إلى تفكيك مقومات الدولة في السودان"، في ظل إصرارهم المستميت على "إعادة هيكلة" مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية والقضائية وممارسة العزل والإقصاء السياسي للقطاعات الأوسع من القوى السياسية المدنية، وتبنّيهم لمجموعة سياسية محدودة السند الجماهيري، وسعيهم الدائم لتمكينها من أن تمارس دور السلطة المدنية المنتخبة، دون أي نوع من التفويض الشعبي أو الرضا السياسي، حسب قول صدّيق.

من جانبه يذهب الباحث عمر إلى أن الدور الذي قامت به البعثة كان إيجابياً.

ويمضي في تصريحه لـTRT عربي موضحاً أن البعثة عقدت ورشات مستمرة وبشكل مكثف، كما أن دعمها للتحول الديمقراطي في السودان كان إيجابياً، ويستدرك عمر أنه بالنظر إلى أن "لجان المقاومة والحزب الشيوعي وحزب البعث لم يكونوا جزءاً من الاتفاق الإطاري فقد كان من المفروض أن تكون هناك محاولات للملمة أكبر قدر ممكن من المجموعات المدنية في السودان".

وبينما يرى صدّيق أن "مخالفات البعثة لميثاق الأمم المتحدة وللتفويض الممنوح لها قد تكون أسّست للعوامل التي أدت إلى النتيجة التي نعيشها اليوم من حرب واقتتال"، يذهب عمر إلى الاعتقاد بأن "البعثة غير مسؤولة عمّا حدث، وأنها لم تساهم في تأزيم أوضاع البلاد، لكنّ الإسلاميين يحاولون تحميلها المسؤولية عن كل ما حدث"، على حدّ قوله.

ويضيف بأن التشاحن المتصاعد بين كل من الجيش والدعم السريع كان يتجه نحو الصراع نتيجة الخلافات حول ملف إدماج قوات الدعم في الجيش السوداني، كما أن البرهان كان، وفقاً لعمر، "متخبطاً في موقفه من الاتفاق الإطاري، فتارة يعلن قبوله به ثم يعلن رفضه، وكأن جهات كانت تمارس تأثيرها عليه بالرفض أو القبول".

أي دور للبعثة في إنقاذ السودان؟

وفي ظل تجديد ولاية البعثة الأممية الذي أقره مجلس الأمن الدولي في الثاني من يونيو/حزيران الحالي، يبدو أن أبرز التساؤلات تدور حول قدرتها على المساعدة في انتشال السودان من أزمته الحالية، والخروج من نفق الحرب إلى أفق الحلول السلمية والعودة إلى مسار التحول الديمقراطي.

وفي هذا السياق يرى استاذ العلوم السياسية أن يونيتامس إن كانت تريد أن تستعيد دورها وقدرتها على التأثير في السودان في عهد ما بعد فولكر فعليها أن تعيد جرد حساباتها وتصحح مسارها وتثبت حيادها، وتسعى لاستعادة ثقة السودانيين بها.

وأشار إلى أن هذا لن يكون إلا من خلال "الانخراط الجِدّي مع جميع الأطراف السودانية دون استثناء، والاحتفاظ بمسافة واحدة من جميع الفرقاء، وفق تفويض واضح يُحدد معالم الانتقال وأهدافه وآليات الوصول إليها".

TRT عربي