كيف تعمق أزمة شح العمالة تدهورَ الاقتصاد الألماني؟ / صورة: AP (Carlos Osorio/AP)
تابعنا

تواجه ألمانيا شحاً كبيراً في الأيادي العاملة الماهرة، مع تحول هرمها السكاني نحو الشيخوخة وخروج القاعدة الأوسع من عمالها إلى التقاعد. وهو ما يؤثر سلباً في صناعة البلاد ويعمق المتاعب الاقتصادية التي تعيشها ويكرس حالة الركود الاقتصادي.

ومقابل هذا الوضع، تسارع الحكومة الألمانية إلى إيجاد حلول لاستجلاب العمالة من الخارج، عبر تسهيل إجراءات استقطاب العمال من الدول خارج الاتحاد الأوروبي، من بينها بلدان عربية. وهو جوهر المشروع الجديد الذي وافق عليه المشرّعون الألمان، يوم الجمعة، في سبيل إنقاذ أكبر اقتصاد في القارة العجوز.

أزمة شح اليد العاملة في ألمانيا

بحسب ما كشفته إحصاءات وكالة العمل الفيدرالية الألمانية لعام 2022، فإن 200 من بين 1200 قطاع اقتصادي يعاني نقصاً حاداً في اليد العاملة. ووفق أرقام رسمية أخرى، يوجد نحو 1.2 مليون وظيفة شاغرة و57 ألف تدريب مهني شاغراً في ألمانيا. بينما من المرجح أن يرتفع هذا العدد إلى نحو 3.9 مليون شاغر في سوق العمل عام 2030، إن لم تتوصل الجهات الرسمية إلى حلول مُجدِية.

ويساهم عاملان أساسيان في رسم معالم أزمة نقص اليد العاملة، أولاهما ندرة العمالة المؤهلة. ووفق مؤشر الاقتصاد والمجتمع الرقمي الأوروبي فإن أربعة من كل 10 بالغين يعملون بأوروبا يفتقرون إلى المهارات الرقمية الأساسية. والثاني ارتفاع نسب الشيخوخة مقابل انخفاض معدلات الخصوبة. وترجّح التقديرات أن يمثّل الشيوخ أكثر من 30% من سكان ألمانيا بحلول 2050، وهو ما يفوق ضعف نسبة الشباب لتلك السنة.

وسيصل نحو 320 ألف عامل في ألمانيا إلى سن التقاعد هذا العام، ما يعني أن الاقتصاد الألماني سيفقد العمال، بينما يضطر أيضاً إلى دفع المزيد من أجل المعاشات التقاعدية. وحسب ما صرح به وزير العمل هوبرتوس هيل، شهر أبريل/نيسان الماضي، فإن الاقتصاد سيفقد ما يصل إلى 7 ملايين عامل بحلول عام 2035.

في تصريح سابق قال رئيس الوكالة الاتحادية للتوظيف الألمانية ديتليف شيل، إن بلاده بحاجة ماسّة إلى نحو 400 ألف مهاجر سنوياً، لسدّ النقص في اليد العاملة المتخصصة بعدة مجالات، منها الرعاية الصحية والمناخ وتكييف الهواء والخدمات اللوجستية والأكاديميات وغيرها.

كيف تزيد أزمة شح العمالة تدهور الاقتصاد الألماني؟

وتضرب أزمة شح العمالة الصناعة الألمانية في مقتل، وعلى رأسها قطاع السيارات الذي يمثل مصدراً لنحو 20% من العائدات الصناعية للاقتصاد الألماني. ووفق دراسة مولتها الحكومة الألمانية عام 2020، يتوقع أن يفقد قطاع السيارات الألمانية قرابة 400 ألف وظيفة بحلول عام 2030.

وفي الوقت الحالي، وفق استطلاع أجراه معهد "إيفو" الاقتصادي، ومقره ميونيخ، فإن 43% من شركات تصنيع السيارات الألمانية أفادت بوجود نقص في العمالة الماهرة. ويشمل هذا النقص المهندسين المدربين والميكانيكيين والمتخصصين في تكنولوجيا المعلومات، مع ظهور نقص أيضاً في الموظفين ذوي المهارات المنخفضة.

وبحسب محللين، فإن أزمة اليد العاملة في ألمانيا، وخاصة الصناعية، تكرس الركود الاقتصادي الذي تعيشه البلاد التي تساهم الصناعة بـ19% من ناتجها الخام. إضافة إلى السبب الرئيسي لهذا الانكماش، الكامن في ارتفاع مستويات التضخم، إذ تسجل ألمانيا ارتفاعاً في مستويات التضخم يقارب نسبة 7% على أساس سنوي.

ويشهد الاقتصاد الألماني حالة ركود، أعلنت عنها الحكومة الاتحادية رسمياً أواخر شهر مايو/أيار المنصرم. وكشفت الأرقام التي نشرها مكتب الإحصاء الفيدرالي وقتها، أن اقتصاد البلاد دخل في حالة انكماش تقني خلال الفصلين الماضيين من العام الجاري. مع تسجيل تراجع في إجمالي الناتج المحلي للربع الثاني على التوالي، بلغت نسبته 0,3% في المدة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2023.

وتحدث تقرير مكتب الإحصاء الألماني عن جمود اقتصادي فيما تبقى من السنة، مخفضاً توقعاته لنمو الناتج المحلي إلى 0.0%. وقال المكتب: "استمرار الزيادات المرتفعة في الأسعار شكل عبئاً على الاقتصاد الألماني في بداية العام (...) وقد انعكس هذا بشكل خاص في الإنفاق الاستهلاكي النهائي للأسر ، والذي انخفض بنسبة 1.2% في الربع الأول من عام 2023".

خطط حكومية لإنقاذ الوضع

تسارع الحكومة الألمانية لإيجاد حلول لأزمة نقص اليد العاملة، وعلى رأسها الخطة التي صدّق عليها البرلمان يوم الجمعة. وتروم هذه الخطة إجراء تعديلات على قانون استقدام العمالة الأجنبية الماهرة، من أجل تسهيل هذه الهجرة وتَعرُّف المؤهلات المهنية للعمال وتصنيف الطلبات حسب ما يُسمَّى "بطاقة الفرص" القائمة على أساس نظام النقاط.

وفي شهر فبراير/شباط الماضي كان وزير العمل الألماني أعلن أن بلاده سترصد مبلغاً مالياً مقداره 150 مليون يورو، لإحداث مراكز استشارة للعمال المؤهلين المرشحين للهجرة في تسع دول خارج الاتحاد الأوروبي، من بينها خمس دول عربية: الأردن وتونس ومصر والمغرب والعراق.

وحسب ما صرحت به متحدثة باسم وزارة العمل الألمانية، لقناة "دويتشه فيله" شهر أبريل، فإن الاستراتيجية الجديدة تركّز أيضاً على دول عربية، منها الأردن الذي يُعَدّ "منفتحاً للغاية على هجرة اليد العاملة إلى ألمانيا". وأضافت المتحدثة أنه في مايو 2022، أبرمت وكالة العمل الاتحادية اتفاقاً مع الأردن لاستقدام طواقم تمريض ورعاية طبية للعمل في ألمانيا، في إطار برنامج "Triple Win".

وفي السياق ذاته التقى وزير الاندماج الاقتصادي والمقاولات الصغرى المغربي يونس سكوري، السفير الألماني لدى المملكة روبرت دولغر، في يناير الماضي، وخلال اللقاء اتفق الطرفان على التزام تطوير القنوات المنظمة لاستكشاف فرص هجرة اليد العاملة المغربية إلى ألمانيا، بهدف تلبية احتياجات السوق في البلد الأوروبي مع احترام نهج النوع الاجتماعي.

كما أجرت الحكومة الألمانية تعديلات على قانون الهجرة من أجل العمل، لتسهيل إجراءات هذه الهجرة لتخفيض عتبة المعايير المفروضة بشأن الراتب. وبشأن المؤهل العلمي والمهني، توسّع السلطات الألمانية دائرة اعترافها بالشهادات الأجنبية، وتخفيض مدة الخبرة المهنية إلى سنتين على الأقلّ.

وستُصدِر السلطات الألمانية وثيقة خاصة باسم "بطاقة فرصة"، التي ستُمنَح للأفراد الذين ليس لديهم عرض عمل، ولكن لديهم القدرة على العثور على عمل. وتتبع هذه البطاقة نظاماً قائماً على النقاط، يأخذ في الاعتبار المؤهلات والمهارات اللغوية والخبرة المهنية والاتصال بألمانيا والسنّ.

TRT عربي
الأكثر تداولاً