لماذا يستمر ركود الاقتصاد الألماني؟ / صورة: Reuters (Annegret Hilse/Reuters)
تابعنا

تستمر معاناة الاقتصاد الألماني مع الركود الذي يشهده، والذي أعلن عنه رسمياً في شهر مايو/أيار المنصرم. في حين لا تتوقع تقارير حكومية حديثة، نشرتها وزارة الاقتصاد الألمانية يوم الاثنين، انتعاشة قريبة ودائمة لذلك الاقتصاد، مؤكدة إكماله عام 2023 من دون تحقيق أي نمو.

وتأتي هذه التوقعات في وقت سجل فيه إفلاس عدد كبير من الشركات الألمانية، واستمرار المستويات المتدنية للطلب، بالرغم من انخفاض أسعار الطاقة التي تسببت في موجة التضخم والتي شهدتها البلاد، وهو ما يطرح السؤال، حول إلى متى سيستمر ركود الاقتصاد الألماني؟

لا تعافي في الأفق

وفي تقريرها الشهري، يوم الاثنين، قالت وزارة الاقتصاد الألمانية، إنه من غير المرجح أن يشهد الاقتصاد الألماني انتعاشاً مستداماً في الأشهر المقبلة، ذلك بناء على مؤشرات مبكرة مثل الطلبيات الجديدة ومناخ الأعمال، حسب ما أوردت وكالة "رويترز".

ومع هذا، طمأنت وزارة الاقتصاد الألمانية في تقريرها، بالقول: "على الصعيد المحلي، يُظهر الانتعاش الحذر المتوقع في الاستهلاك الخاص والخدمات والاستثمار أولى بوادر الأمل، التي من المرجح أن تزداد مع تقدم العام".

ووفقاً للأرقام الصادرة عن صندوق النقد الدولي، أواخر يوليو/تموز المنصرم، فإن الناتج الإجمالي لألمانيا سيستمر في الهبوط، ومن المتوقع أن ينخفض بحجم 0.3% خلال هذا العام. ويتوافق هذا مع تقارير مكتب الإحصاء المحلي، الذي قال إن الإنتاج الاقتصادي في ألمانيا شهد ركوداً في الربع الثاني من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران.

وفي مايو، كشفت أرقام مكتب الإحصاء الألماني، أن الاقتصاد الألماني دخل في حالة انكماش تقني خلال الفصلين الماضيين من العام الجاري. مع تسجيل تراجع في إجمالي الناتج المحلي للربع الثاني على التوالي، بلغت نسبته 0,3% في المدة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2023.

ويؤكد تقرير حديث لوكالة "بلومبيرغ"، استمرار هذا الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعرفه ألمانيا. وبحسب مسح أجرته الوكالة، فإن الناتج الاقتصادي الألماني سوف يتباطأ مرة أخرى في الأشهر الثلاثة للفصل الجاري حتى سبتمبر/أيلول، ثم ينمو خلال الربع الأخير من السنة بنسبة ضعيفة، قدرت بـ 0.1 ٪ فقط.

وتنعكس هذه الأرقام في الواقع، في شكل الأحوال المتردية التي تشهدها الشركات الألمانية، ما دفع الكثير منها إلى التعسر وإعلان الإفلاس. وحسب ما أعلنه المكتب الفيدرالي للإحصاء، فإنه في شهر يوليو المنصرم وحده، ارتفعت نسبة الشركات التي تقدمت بطلب للبدء بإجراءات إعلان الإفلاس بنحو 23.8% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.

وأبلغت محاكم الولايات الألمانية، خلال شهر مايو الماضي، عن 1478 حالة إفلاس شركات، وهي نسبة مرتفعة بمقدار 19% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. وقدّرت المحاكم المحلية ديون الشركات بنحو 4 مليارات يورو، وهو ضِعف ما كان عليه في مايو عام 2022، إذ بلغ حينها نحو 2.2 مليار يورو.

لماذا يستمر ركود الاقتصاد الألماني؟

لم تكتمل انتعاشة الاقتصاد الألماني، بعد وباء كوفيد-19 الذي تسبب في تراجع إجمالي الناتج المحلي في الربعين الأول والثاني من 2020، لتهزه مجدداً تبعات الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة التي نتجت عنها، وبالرغم من نجاح الحكومة الألمانية في التخفيف منها، بسياسات التقشف الطاقي وزيادة الاعتماد على الغاز المسال، ظلت مستويات التضخم في ارتفاع متزايد.

وبالرغم من انخفاض أسعار الطاقة في ألمانيا، في شهر يوليو، ومعها انخفاض مستويات التضخم بشكل طفيف قدر بـ 0.2% عن الشهر الماضي، تبقى هذه المستويات مرتفعة بشكل كبير مقارنة بالفترة نفسها في السنة الماضية، وبالتالي لا تؤدي إلى الآن إلى إنعاش الإنفاق الخاص الداخلي، ومعه عجلة الإنتاج والاقتصاد الألماني كلها.

وفي السياق ذاته، أشار تقرير وزارة الاقتصاد الألمانية، يوم الاثنين، إلى أن: "الطلب الخارجي الذي لا يزال ضعيفاً، والشكوك الجيوسياسية المستمرة، والمعدلات التي لا تزال مرتفعة لارتفاع الأسعار والآثار الملحوظة بشكل متزايد لتشديد السياسة النقدية، تعمل على تثبيط انتعاش اقتصادي أقوى" للاقتصاد الألماني.

بالمقابل، ترجع جريدة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أسباب استمرار ركود الاقتصاد الألماني إلى النموذج الاقتصادي الذي تتبعه البلاد، والذي يعتمد دائماً على السوق الخارجية، وهو ما جعله أكثر هشاشة أمام الصدمات العالمية خلال السنوات الثلاث الماضية.

ونقلت الجريدة عن كارستن برزيسكي، كبير الاقتصاديين في مجموعة ING المالية، قوله: "على مدار العشرين عاماً الماضية، كانت ألمانيا دائماً ما تحظى بأبٍ راعٍ في الخارج: الصين ومنطقة اليورو ثم الولايات المتحدة".

وانخفض الطلب الخارجي على الصناعات الألمانية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب سياسات الإغلاق عقب الأزمة الوبائية، كما بسبب الحرب في أوكرانيا، وأفادت تقارير محلية بأن نسبة الطلب على الصناعات الألمانية خلال الفترة الماضية، أشارت إلى انخفاض تراكم الطلبات على الصناعات بنسبة 3.3% مقارنة بالوقت ذاته من العام الماضي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً