باتريس لومومبا قائد الاستقلال الكونغولي (Others)
تابعنا

سنة 2020، وافق القصر الملكي البلجيكي على طلب وُجّهت له من عائلة لومومبا بإعادة آخر ما تبقّى من رفاة ابنها باتريس، أول رئيس وزراء للكونغو وقائد استقلالها، الذي اغتاله الاستعمار وأذاب جثّته في الحمض، إلا من ضرس هو محط الطلب المذكور.

ومنذ تلك الموافقة، عُرف تسليم ضرس لومومبا تأجيلات كثيرة، بفعل الأزمة الوبائية التي ضربت العالم. إلى حدود الأسبوع الماضي، حين أعلنت بروكسيل أن الـ20 يونيو/حزيران الجاري سيكون تاريخ احتفال التسليم.

فيما تنكأ هذه الحادثة جراحاً كثيرة خلّفها الاستعمار البلجيكي للكونغو، والذي دام 75 سنة، وجعل من البلاد أرضاً لمبتوري الأيدي، بعد أن نهب خيراتها وشغل شعبها في أعمال سخرة لم يترك لهم خيار بينها وبين الموت، لتكون إحدى أبشع جرائم الاستعمار التي سجلها التاريخ.

قصَّة ضرس لومومبا

"أيها المناضلون من أجل الاستقلال وأنتم اليوم منتصرون، أتذكرون السخرية والعبودية التي فرضها علينا المستعمر؟ أتذكرون إهانتنا وصفعنا طويلاً لمجرد أننا زنوج في نظره؟ لقد استغلّوا أرضنا، ونهبوا ثرواتنا، وكان ذلك بحجج قانونية. قانون وضعه الرجل الأبيض منحازاً انحيازاً كاملاً ضد الرجل الأسود".

كان هذا الخطاب الذي تلاه باتريس لومومبا على مسامع الملك البلجيكي بودوان، بمناسبة يوم استقلال الكونغو، في 30 يونيو/حزيران 1960. وكانت هذه الكلمات كفيلة لتُثير حقد المستعمر القديم على رئيس الوزراء المنتخب، وتغتاله لاحقاً عندما حرمها فرصة الاستمرار في نهب البلاد، عبر خطته لفصل منطقة كاتانغا الغنيّة بالموارد الطبيعية عن باقي التراب الوطني.

وفي ليلة 17 يناير/كانون الثاني 1961، اقتادت كتيبة الإعدام البلجيكية لومومبا واثنين من رفاقه عبر السهول العشبية لكتانغا، وتحت شجرة أُمطرت بوابل من الرصاص، وإنهاء حلم التحرر الذي كان يقوده الزعيم الشاب.

قُطّعت جثث لومومبا ورفاقه ثمَّ أُذيبت في حمض الكبريتيك، كي لا يبقى لهم رفاة تصبح بعدها محجّاً لرافضي الاستغلال الاستعماري. غير أن الضابط البلجيكي الذي أشرف على العملية، جيرار سويت، أياماً قبل وفاته سنة 2000، صرَّح للإعلام بأنه ما زال يحتفظ بضرس الزعيم المُغتال.

الأمر الذي فتح الباب أمام عائلة الزعيم الراحل لتقديم طلب إلى السلطات البلجيكية بإعادة الرفاة إلى أرضه الأم، من أجل تكريمه ودفنه. وفي تصريح له لوكالة الصحافة الفرنسية، قال رولان لومومبا، أصغر أبناء الراحل: "كأفارقة لا يمكننا إنهاء حدادنا بدون رفاته لدينا. وصلنا إلى نهاية نزاع دام ستين عاماً ونحن راضون".

جرائم بلجيكا في الكونغو

ما بين سنة 1885 التي بسطت فيها بلجيكا نفوذها الاستعماري على الكونغو، حتى استقلال البلد الإفريقي في 1960، سفك الاستعمار البلجيكي دماء ما يزيد عن 10 ملايين كونغولي.

أغلبهم قُتل تحت أعمال السخرة التي فرضتها بروكسيل على شعب الكونغو في المناجم والأوراش، كما في حقول المطاط. إضافة إلى المجاعات والأوبئة التي تسببت فيها، والتصفية الممنهجة التي كانت تقوم بها ضد كل من هو غير قادر على العمل وذرّ المنافع الاقتصادية على جيوبها.

ومارس البلجيكيون سياسة بتر أيدي كلّ من "تقاعس في العمل"، حسب زعمهم. وشملت هذه العقوبة قرى بأكملها، إذا ما تعسَّرت في تقديم محصول المطاط بالقدر الذي كانت تطالبهم به السلطات الاستعمارية.

في هذا الصدد كتبت صحيفة "لا كوكارد" الفرنسية، في أحد أعدادها سنة 1896، تصف الأمر قائلة: "لا يوجد حديث في هذه اللحظة في صحافة كل أوروبا عن الفظائع التي ارتكبها البلجيكيون في الكونغو. يقولون إن ما لا يقل عن 45 قرية تحوّلت إلى رماد، قطعت الأيدي ودُخنت".

وفي شهادة نقلتها وقتها صحيفة "لي كليرور" الفرنسية، عن أحد الموظّفين في السلطات الاستعمارية البلجيكية، أنه رأى "مسابح من آذان بشرية جلبها المساعدون المحليون إلى الأوروبيين، وفي مرة أخرى "أظهر له رقيب حقيبة مليئة بالأيدي مقطوعة بأمر من ضابط أبيض، في قرية لم تزوّد بما يكفي من المطاط".

وكتب صحفي بلجيكي لجريدة "لا لونتيرن" الفرنسية، سنة 1897، يلخّص الوضع قائلاً: "دولة الكونغو التي تأسست لقمع العبودية (كما كان يروج البلجيكيون وقتها) نفسها تنظّم تجنيد العبيد، وعملائها هم أكثر همجية بمئات المرات من النخاسين القدامى (...) ومن أجل هذا العمل الرائع المتمثّل في الإبادة والتعدّي على السكان الأصليين نمنح الملايين وضباطنا".

TRT عربي