بعد هجمات ضد قادته ومؤسساته.. كيف يخطط الاتحاد الأوروبي لحماية أمنه الرقمي؟ (ESA)
تابعنا

على ضوء ما كشفته التقارير الاستخباراتية خلال السنوات الأخيرة في تورط "الجواسيس الروس" في اختراق الفضاءات الاستراتيجية والمؤسسات الحساسة لبلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على وجه التحديد، لضمان موسكو نفوذها في هذه المناطق وإحراز تقدم عليها في إطار المنافسة العالمية المحتدمة بينها، قرر الاتحاد الأوروبي عبر سلسلة من المؤتمرات والجولات الماراثونية لمسؤولين ومختصين، رفع مستوى جاهزيته وتطوير تقنياته بشكل مستقل، لتعزيز دفاعه وتأمين اتصالاته وبياناته.

وانطلاقا من هذه الأهداف، أزاح الاتحاد مؤخراً الستار عن مشروع ضخم يعتزم تنفيذه خلال السنوات القليلة القادمة، يتمثل في إنشاء شبكة للاتصالات الفضائية. ورصد لهذا المشروع ميزانية ضخمة، ليكون بذلك مشروعاً رائداً ومنافساً حول العالم.

الشبكة الفضائية.. تعزيز لاستقلالية القارة الأوروبية

بعد أن كاد يصبح على هامش المنافسة العالمية في مجال الفضاء والأقمار الصناعية، أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخراً عن خطته الطموحة التي تجمع بين استحقاقاته في مجال السياسات الدفاعية وأجندته الاقتصادية، الساعية لتعزيز استقلاليته الاستراتيجية.

ووفق ما أشار إليه مسؤولون أوروبيون فإن الخطة تتمثل أساساً في تقديم بديل لشبكتي ستارلينك "Starlink"، وهي شبكة إنترنت تجارية طورتها شركة سبايس إكس "SpaceX" التابعة لإيلون ماسك في الولايات المتحدة، وشبكة وان ويب "One Web " في المملكة المتحدة.

وبحسب ما جاء على لسان المفوض الفرنسي للسوق الداخلية، تيري بريتون، في تصريح إعلامي يوم الثلاثاء 15 فبراير/شباط الجاري، فإن "المفوضية الأوروبية تخطط لبناء نظام للأقمار الصناعية بقيمة 6 مليارات يورو، بإمكانه توفير اتصالات الإنترنت ذات النطاق العريض، ويمكنه المساعدة في الحفاظ على أمن الاتصالات الديبلوماسية والاستخباراتية في أوروبا"

ومن المنتظر أن يبلغ إسهام الاتحاد في البرنامج في القترة بين عامي 2022 و2027 حوالي 2.4 مليار يورو، فيما ستتقاسم بقية الميزانية الحكومات الأعضاء، ووكالة الفضاء الأوروبية (ESA) إلى جانب مجموعة من استثمارات القطاع الخاص.

وأضاف بريتون قائلاً:" 56% فقط من الأسر الأوروبية سيكون لديها إمكانية الوصول إلى النطاق العريض عالي السرعة". وتابع بأن "المشروع يمثل ما نحتاج إلى القيام به، كقارة تدرك بشكل متزايد مسؤوليتها الجيوسياسية".

وكشف المفوض الفرنسي، الذي يحاول هذه الفترة حشد الدعم للخطة بشكل حثيث، بأن خطة المشروع خاضعة حالياً للنقاش من قبل دول الاتحاد الأوروبي وأعضاء البرلمان الأوروبي، ومن المحتمل أن يبدأ التطوير فيها إن تمت الموافقة عليها، انطلاقاً من العام المقبل، وبذلك يمكن أن تكون جاهزة للاستخدام بحلول عام 2028.

وبالتالي، فإنه إن تمت الموافقة على خطة المشروع الجديد للشبكة الفضائية الأوروبية، فإن سيكون برنامج الأقمار الصناعية الثالث للكتلة، وذلك بعد شبكة الملاحة الجغرافية جاليليو "Galileo " وشبكة رسم الخرائط ومراقبة المناخ كوبارنيكوس "Copernicus ".

هل تستجيب الشبكة للتحديات العالمية؟

حسبما جاء في مسودة المشروع التي كشف عنها مسؤولو الاتحاد الأوروبي، فإن شبكة الاتصالات الفضائية الجديدة ستساعد الاتحاد والحكومات الأعضاء فيه على حماية بياناتهم الديبلوماسية والسرية بشكل أفضل، وذلك باستخدام الجيل التالي من "التشفير الكمّي" المصمم للحفاظ على المعلومات آمنة من أجهزة الكمبيوتر المتطورة التي تعمل على فك الشيفرات.

إذ إنه بعد سلسلة الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها وزارات الخارجية والخدمات الديبلوماسية الأوروبية طوال السنوات الماضية، صاغت المفوضية الأوروبية استراتيجية جديدة للأمن السيبراني، لحماية نفسها من هذه الاختراقات، ويعد مشروع الشبكة الجديدة إحدى ثمار هذه الاستراتيجية.

وبينما رصدت المفوضية ميزانية ضخمة لهذا المشروع الذي يهدف أساساً إلى تأمين الاتصالات السرية والدبلوماسية، يرى خبراء ومختصون أنه كان من الأجدى التركيز بشكل كبير على التطبيقات الرقمية لوكالات الاستخبارات والحكومات الأوروبية وتطويرها، عوضاً عن هذه المبادرة عالية الجودة التي لن يستفيد بها الجميع بينما يساهمون فيها من أموالهم، وإنما سيتمكن عبرها فقط "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز من إجراء محادثة سرية"، حسب رأيهم.

وإن كان موضوع السرية وأمان البيانات يحظى باهتمام بالغ في عرض مشروع شبكة الاتصالات الجديدة، إلا أنها ستوفر خدمات أخرى لا تقل أهمية عن ذلك وفق ما أكده مسؤولون ومختصون. إذ إنها ستمكن الاتحاد الأوروبي من معاضدة الجهود الدولية في مراقبة حركة الفضاء، وإدارة سلامة أصوله الفضائية.

كما سيكون بإمكانه المشاركة في التشريعات الدولية فيما يتعلق بالفضاء، ساحة المنافسة والصراع الجديدة. وستوفر له هذه الشبكة القدرة على تحديد المتطلبات المدنية والعسكرية، وتوفير إنترنت عالية السرعة لمواطنيه.

ويأمل بالتالي الاتحاد عبر هذه الشبكة، وفي ظل ازدحام الفضاء بالقوى العالمية، في استعادة قدرته على المنافسة ولعب دور رئيسي في التحول الرقمي العالمي.

TRT عربي