تابعنا
كلما مرت البلدان بمشاكل اقتصادية كبرى وأوضاع اجتماعية قاسية، زادت عمليات التحايل، وزادت فرص عمليات الاحتيال والسرقة، ولكنها هذه المرة سرقة من دون عنف ومن دون أسلحة.

على خلفية تورطهما في مخطط بونزي Ponzi الضخم، ألقت الشرطة الفيدرالية القضائية البلجيكية القبض على رجلين من المجتمع الأرثذوكسي اليهودي المتطرف، في مدينة أنتويرب، وذلك ضمن سلسلة المداهمات التي تقوم بها الشرطة في أنحاء بلجيكا، بالتنسيق مع وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون، والتي تقود تحقيقاً متعدد الجنسيات بخصوص مخطط بونزي الشهير.

وأدت المداهمات إلى مصادرة أكثر من مليون يورو نقداً بالإضافة إلى 1.5 مليون يورو من العملات المشفرة و 17 سيارة فاخرة. وفي السياق ذاته صرحت الوكالة أن هذا المخطط ساهم في الاحتيال على 223 ألف شخص تقريباً في نحو 177 دولة.

وكشفت تحقيقات الشرطة البلجيكية بعد إلقاء القبض على المتهمين، عن تورطهما في عمليات احتيال وغسل أموال والانتماء إلى منظمة إجرامية، كما أنهما متهمان بالارتباط بموقع vitae.co الذي قدم نفسه في السابق على أنه "فرصة الجيل القادم للجميع لتحقيق الازدهار العالمي" وموقع vitaetoken.io . ويتبع الموقعان لشركة مسجلة في سويسرا يتم استغلالها لاستدراج الناس في الاستثمار ضمن مخطط بونزي.

بونزي.. إغواء بالثراء السريع

تعود تسمية مخطط بونزي إلى صاحبه الذي ابتكر الفكرة أوائل القرن الماضي، وهو المحتال الإيطالي الشهير شارلز بونزي الذي انتقل للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، واشتهر بالقيام بعمليات تزوير، والاحتيال على مئات الضحايا طيلة سنوات في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.

وانطلقت الفكرة سنة 1919 حين قام شارلز بتأسيس شركة تقوم على تبادل الطوابع البريدية من مختلف الدول واستبدالها في أمريكا لتحقيق هامش الربح. وتمكن عبر تطوير مخططه في استدراج المستثمرين وتشجيعهم على إيداع أموالهم، من جمع مبلغ قيمته 30 ألف دولار وذلك خلال وقت قصير، ثم سرعان ما حقق أرباحاً بقيمة 250 ألف دولار، ليتم اعتقال أكبر المحتالين الماليين في تاريخ أمريكا شارلز بونزي، بتهمة الاحتيال.

و يعرف نظام بونزي بكونه نظاماً هرمياً أو تسويقاً شبكياً، يقوم على فكرة تخليص المستثمرين من أموالهم. وذلك بإغوائهم بالثراء السريع، عبر إيداع أموالهم وكسب أرباح كبيرة خلال فترة زمنية محددة دون التعرض لأي مخاطر استثمارية.

ويتم التحفيز عبر تزوير وثائق تكاد تكون حقيقية، لمشاريع ومخططات وهمية يتم تقديمها للمستثمر بشكل معقول ومنطقي لزيادة فرص إقناعه، إضافة إلى اعتماد التسويق الإعلامي الذي يروج أخباراً عن نجاح مشاريع لمستثمرين آخرين وتحقيقهم أرباحاً طائلة، ضمن نفس المخطط.

إلا أن الحقيقة تكمن أساساً في أن الأرباح المودعة لدى المستثمرين ليست أرباحاً متأتية من المشاريع، بل هي أموال المستثمرين الجدد. وتستمر الحلقة على هذا النحو. وبعد أن يتمكن المحتال من تحقيق أرباح بقيمة معينة يقوم بسحبها وبالاختفاء. ووقع بذلك الكثير من الضحايا حول العالم في شباك مخطط بونزي الشهير الذي جردهم من أموالهم.

أشهر "بونزيي" العصر

انتشر مخطط بونزي حول العالم وطور بأشكال مختلفة وشمل عدة مجالات واستهدف الكثير من الفئات. ومن الملفت للنظر أن محتالي بونزي كانوا يعتمدون بشكل كبير على منسوب الثقة الذي حققوه لفترة طويلة في أوساطهم، كصك لضمان استدراج الكثيرين وإقناعهم بالاستثمار ضمن مشاريعهم.

ولعل أبرز هذه الأسماء في العصر الحالي برنارد مادوف، الرئيس السابق لبورصة ناسداك الإلكترونية، صاحب أكبر عملية احتيال مالية وصلت قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات. إلا أن المثير في القصة أن مادوف طبق سلسلة بونزي الاحتيالية بين أباطرة المال والأعمال، الذين يعرفون عادة بدقتهم وحرصهم في مواضيع الاستثمار والعمليات المالية عموماً، وتطول قائمة الضحايا لتشمل الممثل كيفين بيكون، ومؤسسة وندركيندر الخيرية التي يملكها المخرج السينمائي ستيفن سبيلبرغ، وبنوكاً بريطانية على غرار رويال بنك أوف سكوتلاند، ومان غروب، والشركة القابضة لبنك نومورا الياباني.. وغيرهم.

تمكن مادوف خلال 15 عاماً من تحقيق ثروة بقيمة تعادل نحو 58.7 مليار يورو، وهو تقريباً يماثل الناتج المحلي الإجمالي السنوي لبلد مثل كرواتيا. إلا أن مخطط الممول المحترم من وول ستريت كشف أخيراً، وألقي القبض عليه والحكم بسجنه مدة 150 عاماً، توفي خلالها خلف القضبان.

وعلى غرار برنارد مادوف، ألقت السلطات المصرية أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، القبض على رجل الأعمال المصري الذي اشتهر باسم مستر حسين، الذي تمكن من جمع مبلغ قيمته نحو 1.5 مليار جنيه مصري من المواطنين بغرض تشغيل أموالهم، ليتبين مؤخراً أنه محتال، ولم تكن هي العملية الأولى في مصر، التي استهدفت الكثير من البسطاء الذين كانوا يطمعون بجني أرباح طائلة في فترة قصيرة دون التعرض لمخاطر الاستثمار المعروفة.

وكان آخر هذه العمليات، المخطط الأخير الذي كشفت عنه وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون، بالتعاون مع الشرطة الفيدرالية البلجيكية التي داهمت قرابة 17 منزلاً وصادرت أموالاً طائلة لمحتالين ضمن مخطط بونزي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً