أرمسترونغ: على الرغم من أنني أمثّل الحكومة الأمريكية فإن تلك الحكومة لا تمثّل بعض السياسات الهامة التي أعيش لأجلها (Others)
تابعنا

لم يكن يعرف العازف الشهير لويس أرمسترونغ أنه يُستخدم باعتباره "حصان طروادة" من قبل الاستخبارات الأمريكية لتنفيذ مهام التجسس في إفريقيا خلال الحرب الباردة.

هذا ما أعلنته الباحثة بجامعة لندن سوزان ويليامز في كتابها اللافت "الحقد الأبيض - White Malice"، الذي يتتبع أنشطة وكالة المخابرات الأمريكية في وسط وغرب إفريقيا خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ويكشف المدى البعيد والصادم لتلك الأنشطة.

في واحدة من الأمسيات التي تضمنتها جولة لأرمسترونغ في الكونغو عام 1960 كان يجلس بجانب زوجته وبصحبة دبلوماسي من السفارة الأمريكية في أحد مطاعم العاصمة المستقلة حديثاً حينها لتناول العشاء.

الجولة التي كان يجريها عازف البوق والمغنى وقائد الفرقة الشهير امتدت عدة أشهر في إفريقيا، بتنظيم من وزارة الخارجية الأمريكية ضمن خطة لتحسين صورة الولايات المتحدة في الدول التي تحررت لتوّها من الاستعمار، وفي مقدمتها الكونغو.

لكن ما لم يعرفه أرمسترونغ هو أن مضيفه في تلك الليلة لم يكن الملحق السياسي بالسفارة الأمريكية كما أخبره بل كان لاري ديفلين رئيس المخابرات الأمريكية في الكونغو، وما لم يتوقعه أرمسترونغ كيف مكنّت شهرته الجاسوس الأمريكي من الحصول على معلومات هامة كان لها دور حاسم في مجموعة من العمليات الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الحرب الباردة بأكملها.

تقول الكاتبة والباحثة سوزان ويليامز: "إنها حقيقية مفجعة، لقد جرى إحضار أرمسترونغ لتحقيق مصلحة تتعارض تماماً مع شعوره بما هو صواب أو خطأ"، وفق حديثها لصحيفة الغارديان البريطانية.

تمكنت ويليامز من جمع وثائق من أرشيف الأمم المتحدة كشفت من خلالها أن المخابرات الأمريكية استخدمت الجوقة الموسيقية لأرمسترونغ غطاء يتيح لها الوصول إلى مقاطعة كاتانغا الاستراتيجية والممتلئة بالثروات.

مثلت مقاطعة كاتانغا هدفاً حيوياً للمخابرات الأمريكية في الكونغو بداية من سعيها للتواصل مع كبار المسؤولين هناك، وصولاً إلى البنية التحتية الغنية بالمعادن الحيوية، فقد كانت عين الولايات المتحدة على 1500 طن من اليورانيوم وإمكانية هائلة لشراء المزيد.

كل هذه الأهداف دفعت ديفلين وضباطاً ومتعاونين آخرين معه إلى السفر بصحبة أرمسترونغ وفرقته الشهيرة لاستغلال نفوذ العازف الشهير في تحقيق أهدافهم.

من بين تلك الأهداف التي لم يدرِ عنها أرمسترونغ شيئاً التخطيط لاغتيال أول رئيس وزراء منتخب ديمقراطياً في الكونغو باتريس لومومبا، وذلك لتخوف الولايات المتحدة من موقفه "المحايد" خلال الحرب الباردة.

وخلال شهرين من جولة أرمسترونغ الموسيقية كان لومومبا مقتولاً بالفعل على يد مسؤولين في المقاطعة الانفصالية وقوات تابعة لبلجيكا، ليتولى منصبه موبوتو الذي أحكم قبضته على الكونغو، وفي الوقت نفسه كان "عميلاً مخلصاً للولايات المتحدة".

لاحقاً اعترف ديفلين بأن العملية بأكملها جرت تحت إشراف المخابرات الأمريكية وذكر تحقيق للكونغرس أن "انقلاب موبوتو أدير بالكامل ودعم من قبل المخابرات الأمريكية".

شبكة الجواسيس والمتعاونين التي أسسها ديفلين في الكونغو تورطت في مجموعة من الأحداث المثيرة للجدل والحاسمة في تاريخ القارة الإفريقية بأكمله خلال مرحلة ما بعد الاستعمار.

ففي عام 1962 ربما تكون نصيحة من جاسوس أمريكي تابع لتلك الشبكة، للمسؤولين في نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا، أدت إلى اعتقال نيلسون مانديلا وبقائه في السجن 27 عاماً، وفق ما يذكره كتاب "الحقد الأبيض".

لم يدر أرمسترونغ شيئاً عن كل هذا، إلا أن بعض الشكوك قد تكون راودته، فقد أعرب عن مشاعره المتضاربة بشأن مشاركته في أنشطة تروّج للولايات المتحدة في القارة السمراء.

وقال حينها: "على الرغم من أنني أمثّل الحكومة الأمريكية، فإن تلك الحكومة لا تمثّل بعض السياسات الهامة التي أدعمها وأعيش لأجلها".

TRT عربي - وكالات