خلال مدة قصيرة تمكنت الصين من حسم "سباق تسلح البطاريات" لصالحها. (Others)
تابعنا

في ظلّ التحديات التي يفرضها التغيّر المناخي على العالم بأسره، وبالتزامن مع التعهدات التي فرضتها الدول الكبرى على نفسها لتنفيذ مقترحات "اتفاق باريس للمناخ 2015" الرامي إلى الحد من ارتفاع درجة الحرارة الأرض درجتين مئويتين، وجهت الأنظار مباشرة إلى قطاع النقل والمواصلات الذي يستهلك قرابة 60% من إنتاج النفط العالمي سنوياً، وبدأ معها الانتقال إلى عالم السيارات الكهربائية التي تشهد طلباً متزايداً.

وفي خضم الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية عالمياً، بدأت الشركات وحتى الدول تسابق الزمن من أجل حجز مقعد متقدم لها في سباق تقوده الصين حالياً ضمن سلسلة توريد البطاريات، بدءاً من التعدين مروراً بالمعالجة وصولاً إلى تصنيع البطاريات والسيارات التي ستعمل بها.

سوق البطاريات

مع الاعتماد المتزايد على السيارات الكهربائية كإحدى أبرز طرق الحدّ من خطورة التغيّر المناخي الآخذة في الازدياد، تشهد سوق البطاريات ومكوناتها طلباً غير مسبوق. فعلى الرغم من ظهور السيارات الكهربائية منذ وقت قصير نسبياً، فإن عدد السيارات الكهربائية على الطرقات العالمية حتى نهاية العام الماضي بلغ نحو 10 ملايين سيارة، بزيادة 3 ملايين سيارة على عام 2019، أي بارتفاع سنوي يبلغ 43%.

وبينما تسيطر الصين على سوق السيارات الكهربائية حول العالم بإجمالي مبيعات بلغ 1.3 مليون سيارة كهربائية العام الماضي، أي تشكّل أكثر من 40% من إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية حول العالم وفقاً لصحيفة (The Guardian) البريطانية، فإن شركة تصنيع البطاريات الصينية (CATL) تسيطر وحدها على نحو 30% من سوق بطاريات السيارات الكهربائية في العالم.

ولكونهما مترابطين، تزداد صادرات الصين من المعادن اللازمة لصناعة بطاريات الليثيوم مثل النيكل والكوبالت وأكسيد المنغنيز، طردياً مع زيادة الطلب الخارجي القوي على السيارات الكهربائية. وإذا ما أخذنا أكسيد المغنيسيوم مثالاً، نجد أن الصين صدت ما يقرب من 27.5 ألف طن من هذا المعدن خلال الأشهر الـ5 الأولى من هذا العام، بزيادة وصلت إلى 105% على العام السابق.

هيمنة الصين على كنوز الخام

خلال السنوات الماضية نجحت الصين في فرض هيمنتها على قطاع التعدين في عديد من دول القارة السمراء، الأمر الذي ساعدها على فرض هيمنتها أيضاً على صناعة بطاريات أيون الليثيوم التي تعتمد اعتماداً كلياً على المعادن القادمة من المناجم الصينية في إفريقياً، تحديداً من جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وبينما شهد العام الماضي توريد مصافي التكرير الصينية نحو 85% من إنتاج العالم من الكوبالت الجاهز للاستخدام في البطاريات (المعدن الذي يُعزّز استقرار بطاريات أيون الليثيوم)، حسب تقديرات شركة توريد الكوبالت (Darton Commodities). ومعظم خام الكوبالت يخرج من المناجم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تهيمن الشركات الصينية على نحو 70% من قطاع التعدين.

وبفضل خام الكوبالت القادم من إفريقيا، بات الصينيون يهيمنون على صناعة الكاثود، المكون الأهم والرئيسي في بطارية أيون الليثيوم التي تتكون من 4 أجزاء رئيسية: الكاثود، والأنود، والإلكتروليت، والفاصل. وتسيطر الصين وحدها على 74.3% من السعة العالمية، مع توقّعات بوصولها إلى 83.8% بحلول عام 2025، حسب تقرير لشركة أبحاث الطاقة "ريستاد إنرجي".

ومع بدء تفضيل منتجي السيارات الكهربائية والبطاريات كاثود النيكل على كاثود الكوبالت خوفاً من السمعة السيئة المرتبطة بتعدين خام الكوبالت في الكونغو، زادت الشركات الصينية التي تُهيمن على تعدين الكوبالت في الكونغو مثل (Huayou Cobalt) و(CMOC) استثماراتها في مجال استخراج النيكل ومعالجته بإندونيسيا، التي تمتلك أكبر احتياطيات النيكل في العالم، الحركة التي جعلت الصين أكبر منتج للنيكل في الأسواق العالمية أيضاً.

أوروبا تحاول اللحاق بالركب

يسعى بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا للحاق بركب صناعة البطاريات التي تُعتبر العمود الفقري للسيارات الكهربائية، وفي محاولة لتحسُّس الخطى الصينية تضخّ الحكومات الأوروبية تمويلات ضخمة لبناء قدرات متكاملة لمعالجة الموادّ الخام وصولاً إلى صناعة البطاريات.

ولأجل هذه الغاية اتخذت التدابير اللازمة لضخّ ما يزيد على 100 مليار يورو في بناء سلسلة موردين لحزم بطاريات الليثيوم أيون، وذلك بغية بناء مصانع لتويد البطاريات اللازمة لعمالقة صناعة السيارات في القارة العجوز الأوروبية مثل "بي إم دبليو" و"فولكس فاغن" الذين بدؤو التحول تجاه السيارات الكهربائية، لوقف الاعتماد على الواردات الآسيوية، التي يأتي معظمها من شركتي (CATL) و(BYD) الصينيتين.

وعلى الرغم من كل هذه المحاولات، يرى محللو (Darton Commodities) أن الاستثمارات الأوروبية لا تواكب نظيرتها الصينية التي تسبقهم بأميال طويلة في التعدين والمعالجة والتصنيع.

وبينما يشهد العالم سباقاً صاخباً للهيمنة على تكنولوجيا المستقبل، تغطّ أمريكا في ما يشبه السُبات العميق رغم استثمارها 174 مليار دولار "من أجل كسب سوق السيارات الكهربائية"، وفقاً لميزانية البنية التحتية التي أعلنها الرئيس جو بايدن بقيمة تريليونَي دولار في أبريل/نيسان.

وهو الأمر الذي دفع سايمون مورس، الرئيس التنفيذي لشركة "Benchmark Mineral Intelligence"، إلى القول أمام لجنة بمجلس الشيوخ الأمريكي في يونيو/حزيران، إنّ "الصين تبني مصنعاً ضخماً للبطاريات كل أسبوع، فيما تبني الولايات المتحدة واحداً كل أربعة أشهر"، وحذّر قائلاً: "يتشكّل حالياً اقتصادٌ عالمي جديد لبطاريات أيون الليثيوم، لكن أي طموحات بأن تكون الولايات المتحدة رائدة في هذا المجال لن تُحرِز إلا تقدماً بطيئاً، فيما تتفوّق علينا الصين وأوروبا".

TRT عربي