الحراك السياسي في الجزائر من عام 2019 رافقه تغييرات اجتماعية وسياسية بارزة (Reuters)
تابعنا

اهتزَّت الجزائرُ قبلَ أسبوعين على حادث اعتداء وُصف بـ"الشنيع"، راحت ضحيَّته عشرُ معلمات بمنطقة برج باجي المختار جنوب البلاد. ذلك عندما هجم مجموعة أشخاص مسلّحين بأسلحة بيضاء على سكنهن الوظيفي ليلًا، اقتحموا المسكن وسرقوا مقدراتهن من حواسيب وهواتف، بعدَ أن اعتدوا عليهن جنسياً.

هذه الجريمة ما زالت ارتداداتها تطرح الأسئلة، القديمة الجديدة، في الأوساط العامة الجزائرية، وخصوصاً التعليمية منها، حول وضعية التعليم والمعلِّم. وحول وضعية المرأة داخلَ المجتمع، إذ تتزامن والتحول الاجتماعي الكبير الذي تعرفه البلاد منذ اندلاع حراكها سنة 2019، وتتزامن وظاهرة استغلال وجوه نسائية في الحملة الانتخابية الحالية أو ما بات يعرف إعلامياً بـ"قضية انتخابات الحسناوات".

الاعتداء على الأستاذات.. ردود فعل مستمرَّة

في تفاعل جديدٍ مع حادثة الاعتداء الشنيع الذي تعرضت له المعلمات. قال وزير التربية الجزائري، محمد واجعوط، أثناء إشرافه يوم أمس على انطلاق امتحان نهاية التعليم الابتدائي، إن "الأستاذ خط أحمر"، مستنكراً مرة أخرى ما تعرضت له الأستاذات. ومتعهِّداً: بأنه "سيجري توفير إقامات آمنة لإيواء الأستاذات في شكل مجمعات سكنية". وأنه "سيعمل على فتح مسابقات التوظيف ببرج باجي مختار لأصحاب الإقامات لأجل استقرار الموظفين".

الوزير الذي اختار أن يكون خطابه ذاك من منطقة برج باجي المختار لذلك السبب، اعتبرَ تراجع نقابة قطاع التعليم عن قرارها الاحتجاجي بمقاطعة الامتحانات، أنه "وقفة يشهد لها التاريخ".

وكانت النقابة المذكورة قد قررت ذللك على إثر تواتر حالات الاعتداء على السكن الوظيفي للأستاذات. محملة الوصية مسؤولية ما وقع، وكانت قد أعلنت سابقاً عزمها على توقيف الدراسة ومقاطعة جميع الامتحانات الرسمية والانسحاب الجماعي والنهائي من المنطقة، سرعان ما تراجعت عن قرارها ذاك.

فيما القصَّة بدأت، حين استيقظت الجزائر صبيحة الثلاثاء 18 أيار/مايو الماضي على وقع جريمة اعتداء شنيع راحت ضحيَّتها معلمات، في برج باجي مختار قرب الحدود مع دولة مالي، جنوب البلاد. حيث اقتحم أربعة أشخاص مسلَّحين مسكنهن الوظيفي ليلاً، واعتدوا عليهن بالأسلحة البيضاء، كما جاء في بيان للنائب العام لمجلس قضاء أدرار التي تخضع برج باجي مختار لسلطته القضائية. فيما تحدثت تقارير في وسائل الإعلام عن تعرضهن لـ "اغتصاب جماعي"، أكده مساعد النائب العام محمود بولقصيبات في ندوة صحفيَّة.

إثرها أوضحت النقابة الجزائرية لعمال التربية، في بيان لها، أن "جميع المعلمات يرقدن بالمستشفى وهن في حالة نفسية كارثية يرثى لها، منهن من أصيبت بجروح متفاوتة الخطورة، إضافة إلى سرقة هواتفهن النقالة وحواسيبهن، ومبالغ مالية".

داخلَ السكن الوظيفي لمعلمات الجزائر

حادثة برج باجي المختار لم تكن الجريمة الوحيدة التي تستهدفُ المعلمات في الجزائر الشهر الماضي. ففي الأسبوع نفسه، عرفت البلاد حادثة اعتداء مماثل. حين اقتحم لصوص مقر إقامة المعلمات، فجر السبت، بغرض السرقة، مستغلين في ذلك تنقل أغلب المعلمات إلى منازل عائلاتهن، خلال عطلة نهاية الأسبوع.

توالي هذه الأحداث أعاد سؤال معايير أمان مقرات السكن الوظيفي للمعلمات إلى الواجهة، كما أعاد قضيَّة التعليم برمَّتها، لما للأمر من انعكاسات على ثقة المعلمات في ممارسة مهامهم ولما يؤديه من حرمان شريحة واسعة من الطلاب من حق التعليم.

للحديث عن إجراءات الأمن بالمقرات السكنيَّة الوظيفية، طرحنا السؤال على أمينة سلمان، المعلمة الجزائرية القاطنة هي الأخرى بالسكن الوظيفي، لتجيب بأنها "من اختصاص المدرسة التي يشتغل بها الأستاذ أو الأستاذة، وأن الأمر يقتصر فقط على "حارس ليلي والإمضاءات اليومية لضبط هوية من يلج المقر"، فيما تعتبر نفسها محظوظة كون المقر الذي تقطنه محاذياً لفرع للشرطة بالمنطقة.

وعن تجربته الشخصية تحكي: "غالباً ما يتملكني الخوف حين أبيت وحدي ولا تكون هناك أستاذات معي، أجد نفسي أطفئ الأضواء قبل حلول الليل، وأغلق الأبواب جيداً ولا أنام غالباً حتى للصباح".

الاعتداءات والتسليع "وجهان لعملة واحدة"!

بالنسبة لسلمى قويدر، الصحفية الجزائرية، فـ"في الواقع، لم تكن هذه الجريمة حادثاً عارضاً أو معزولاً، فقد استمرت الشكاوى لكثير من المعلمين والعمال لسنوات من غياب الأمن في المنطقة" تقول في حديثها لـ TRT عربي.

وتضيف المتحدَّثة ذاتها أنه: "في الظروف العادية، تنتفض مؤسسّات الدولة في دول العالم، بكل أركانها رفقة المواطنين عند المساس بسلامة وكرامة أي فرد من أفراد المجتمع بغض النظر عن جنسه، مستواه المعيشي أو تصنيفه المجتمعي. أما في حالتنا في الجزائر، خرج وزير التربية بتصريح مقتضب تمنّى فيه الشفاء العاجل للمعلمات".

وتفسِّر قويدر تفاعل الوزير المذكور مع الحادثة، بأنه: "لكونهن نساء أيضاً صار خطيئة في مجتمع يضعهن دائماً في خانة المذنبات"، تستوجب صمت الرسمي "المخيِّب" على حد تعبيرها.

في السياق ذاته، قال إيدير دحماني في حديث خصَّ به TRT عربي:"أعتقد شخصياً أن ما تعرضت له المعلمات من اعتداء جبان في برج باجي مختار من جهة و استغلال النساء في الحملات الانتخابية و نعتهن "بالفراولة" من جهة أخرى، ينبع من نفس "العقلية"، نفس النظرة للمرأة و إن اختلفت المستويات". وتابع: "في المخيل الشعبي (حتى دولياً) وصف المرأة بالفراولة هو إيحاء للمرأة الجسد، المرأة الجنس و ما قام به أربع رجال ليلا في منازل المعلمات هو اعتداء جنسي و جسدي على النساء".

هذا وعن استغلال المرأة في الترويد للحملات الانتخابية، قال:" استغلال صورة المرأة في الحملات الانتخابية و داخل التشكيلات السياسية و حتى ضمن طاقم الحكومة ليس بالجديد، لكنه برز بقوة في العهدة الثالثة للرئيس السابق ". وأردف:" كان بوتفليقة أول رئيس وظف صورة المرأة في المناسبات و بالطبع هذا "السلوك" أصبح قدوة في قطاعات كثيرة. الأحزاب السياسية و حتى الجمعيات الوطنية".

قبل أن يختم حديثه بالقول: "الأحزاب السياسية و حتى المرأة نفسها أصبحت تستعمل صورتها كإحدى عناصر البرامج الانتخابية. و من نافلة القول أن ذلك لا يساهم في تطوير الفعل السياسي إطلاقا إنما يضاف إلى الخزعبلات الكثيرة التي تطغى على العمل السياسي".

TRT عربي