تابعنا
تستمدّ الشمس، وهي أكبر مصدر للطاقة لكوكبنا، طاقتها المتجددة واللانهائية من خلال تفاعل يُعرف باسم "الاندماج النووي"، تندمج فيه نواتان ذريتان خفيفتان لتكونا نواة ذرية واحدة أثقل وزناً، ويصاحب تكوُّنها انبعاث كميات هائلة جداً من الطاقة النظيفة.

خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بين مصر وسوريا من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، اتخذت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) قراراً بحظر تصدير النفط إلى الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر الداعمين لإسرائيل، وقد أدى هذا القرار إلى ارتفاع أسعار النفط في السنة التالية للحرب، ومن ثم زادت إيرادات الدول النفطية.

هذا الفائض المالي الكبير الذي حققته الدول العربية المصدرة للنفط جعلها تفكر في طريق آمن لاستثمار هذه الأموال الضخمة، وهو ما حدث بالفعل خلال اتفاق بين وزير الخزانة الأمريكي ويليام سايمون والبنك المركزي السعودي، الذي كان يحمل وقتها اسم "مؤسسة النقد العربي السعودي"، في يوليو/تموز 1974، حسب ما ورد في كتاب "أموال النفط: بترودولارات الشرق الأوسط وتحول الإمبراطورية الأمريكية" للأمريكي ديفيد وايت.

كيف بدأ عصر "البترودولار"؟

في عام 1974 بدأت المملكة العربية السعودية بالفعل الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية، وتبعها عديد من الدول النفطية، بالأخص الدول العربية أعضاء أوبك.

ويشير وايت في كتابه المذكور إلى أن هذه الاستثمارات التي ضختها الدول العربية المنتجة للنفط في شراء سندات الخزانة انصبّت في مصلحة وزارة الخزانة الأمريكية، فمن ناحيةٍ وفرت تلك الاستثمارات قروضاً مجانية ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية في سدّ عجز ميزانيتها، ومن ناحية أخرى ساهمت في تقوية وضع الدولار في تجارة النفط تحديداً، إذ بِيع النفط بالدولار الأمريكي بشكل شبه حصري.

ويضيف وايت: "ولا نبالغ حين نقول إن السعودية أنقذت الاقتصاد الأمريكي، بل وأعادت ثقة العالم بالدولار بعد أن أخلّت واشنطن باتفاق بريتون وودز الذي أقامته مع ممثلين لـ44 دولة، اتفقوا خلاله على ربط قيمة الدولار باحتياطي الذهب عام 1944، أي قبل عام واحد من انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكن الرئيس نيكسون أعلن في أغسطس/آب عام 1971 عن القرار بفك ارتباط الدولار بالذهب الذي أصبح مجرد عملة ورقية، بعدما توسعت الولايات المتحدة في طباعة النقود، ما تسبّب في ارتفاع معدلات التضخم".

تلك باختصار قصة "البترودولار" التي جعلت الاقتصاد الأمريكي يهيمن على الاقتصاد العالمي، بسبب ارتباط عملته بأهم سلعة في العالم وهي النفط.

البحث عن بديل للنفط

ما قامت به منظمة أوبك خلال عام 1973 دفع الدول الغربية -أكثر الدول في العالم استهلاكاً للوقود الأحفوري- إلى تأسيس وكالة الطاقة الدولية في العام التالي، للحفاظ على مصالحها تجاه الدول المصدرة للبترول أعضاء منظمة أوبك، والبحث عن مصادر متنوعة للطاقة، وكان الحل المطروح آنذاك هو مفاعلات الاندماج النووي.

تستمدّ الشمس، وهي أكبر مصدر للطاقة لكوكبنا، طاقتها المتجددة واللانهائية من خلال تفاعل يُعرف باسم "الاندماج النووي"، تندمج فيه نواتان ذريتان خفيفتان لتكونا نواة ذرية واحدة أثقل وزناً، ويصاحب تكوُّنها انبعاث كميات هائلة جداً من الطاقة النظيفة.

وفي حال أمكن استنساخ الاندماج النووي على كوكب الأرض فيمكن أن يؤدي ذلك إلى توفير طاقة لا حدود لها، نظيفة ومأمونة وميسورة التكلفة لتلبية الطلب على الطاقة على الصعيد العالمي.

توصل العلم إلى فهم هذه العملية خلال ثلاثينيات القرن الماضي، لكن فكرة إنشاء مفاعل للاندماج النووي لم تكن وليدة فترة السبعينيات بعد قرار منظمة أوبك بحظر تصدير النفط، فخلال خمسينيات القرن الماضي ورغم تصاعد الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وحلفائهم، زار الزعيمان نيكيتا خروتشوف ونيكولاي بولجانيين مع وفد من علماء الذرة السوفييت المملكة المتحدة خلال عام 1956 لتبادل نتائج الأبحاث حول مجال الاندماج النووي، حسب ما يقول كيث روبنز في كتابه "تغيير وجه العالم: التاريخ السياسي العالمي منذ الحرب العالمية الثانية".

وفي سبتمبر/أيلول عام 1958 عقدت الأمم المتحدة المؤتمر الدولي الثاني المعني بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في مدينة جنيف بسويسرا، وكشف خلاله العلماء عن البحوث الجارية بين الدول في مجال الاندماج النووي.

تستمدّ الشمس، وهي أكبر مصدر للطاقة لكوكبنا، طاقتها المتجددة واللانهائية من خلال تفاعل يُعرف باسم "الاندماج النووي"، تندمج فيه نواتان ذريتان خفيفتان لتكونا نواة ذرية واحدة أثقل وزناً، ويصاحب تكوُّنها انبعاث كميات هائلة جداً من الطاقة النظيفة.

هل يمكن الاعتماد على الاندماج النووي قريباً؟

ويضيف روبنز في كتابه المذكور أنه مع مرور الوقت تبيّن أن مشروع توليد الطاقة عن طريق الاندماج النووي يفوق إمكانيات دولة منفردة، من النواحي العلمية والمادية والبشرية، ما دفع رئيسَي الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك، رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف، إلى التعاون لإنشاء مفاعل تجريبي للاندماج النووي في 1985.

وعُرف المشروع بين القطبين المتنافرين باسم المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي أيتر، وانضم إليه لاحقاً عدد من الدول الأخرى، وأصبحت إدارة المشروع وتمويله من خلال سبع جهات، الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية.

وبالفعل خلال عام 1988 اتخذت الدول المشاركة في المشروع قرار إنشاء مفاعل نووي حراري اختباري في جنوب فرنسا، لكن إنشاء المفاعل لم يبدأ إلا في عام 2007.

وفي هذا الصدد تقول أستاذة الفيزياء النووية بجامعة القاهرة الدكتورة هدى أبو شادي إن مشروع أيتر أو ما يُعرف بمفاعل توكوماك بفرنسا خُصصت له مليارات الدولارات وحتى الآن لم يُنتِج طاقة.

وتضيف أبو شادي لـTRT عربي أن السبب هو احتياج المفاعل إلى كمية كبيرة جداً من الكهرباء لتشغيله أكثر من تلك التي سيولدها، لذلك "لا نستطيع القول حتى الآن إنه يمكن الاعتماد عليه مصدراً جديداً وبديلاً آمناً للطاقة، ولا حتى خلال السنوات العشر القادمة، لأن التكنولوجيا تكون مفيدة عندما تحقق مكاسب أكبر من مصادر تشغيلها".

وعن إمكانية دخول الدول العربية في المستقبل القريب في مشاريع الاندماج النووي، تبيّن أبو شادي أن "إنشاء مفاعل للاندماج النووي يفوق قدرات الدول العربية، وذلك لأسباب علمية واقتصادية، فمشروع مفاعل الاندماج النووي يحتاج إلى إمكانيات مادية عالية جداً لا تستطيع دولة منفردة القيام بها".

وتشير عالمة الذرة إلى أن عدداً من الدول العربية دخل في مجال الطاقة النووية بالفعل، لكن الطاقة النووية الاندماجية لها حسابات مختلفة، كما أن العلم لمجرد العلم ليس رفاهية متاحة في دولنا العربية.

بدوره يرى الدكتور جواد الخراز، المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة، أنه لا شيء في العلم مستحيل، وقد تكون الطاقة النووية الاندماجية أملاً في المستقبل.

ويضيف الخراز لـTRT عربي أن الدول كلها تسعى حالياً لإنشاء مفاعلات نووية لأغراض سلمية، وذلك لتوفير الطاقة، وهو ما تسعى إليه دول عربية عديدة بالفعل.

من ناحية أخرى أعلن مختبر لورانس ليفرمور بولاية كاليفورنيا الأمريكية أن تجربة أجراها في نهائيات 202 أنتجت من خلال الاندماج النووي كمية أكبر من الطاقة المستخدمة في أجهزة الليزر لبدء التفاعل، وأن هذا "اختراق علمي كبير" قد يُحدِث برأيهم يوماً ثورة في إنتاج الطاقة على الأرض.

TRT عربي