قمة أثينا الثلاثية بين رئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس وزعيم قبرص الرومية نيكوس أنستسياديس (Yorgos Karahalis/AP)
تابعنا

تصاعدت خلال الأشهر الأخيرة وتيرة المساعي التركية-المصرية لعودة العلاقات وتقريب وجهتَي النظر بين إدارتَي البلدين، وتبع عدّة محادثات استكشافية بين المسؤولين في أنقرة والقاهرة تصريحات إيجابية وتطلّعات مستقبلية متبادلة.

غير أنّ اقتران المقاربة الخارجية المصرية بالتحالف مع اليونان وإدارة جنوب قبرص أثار حفيظة أنقرة، التي عقّبت على البيان الختامي لقمة أثينا الثلاثاء، بحثّها القاهرة على التثبّت من تحالفاتها الإقليمية شرقي المتوسط.

فما المنفعة التي تعود على مصر جرّاء تحالفها الإقليمي مع أثينا ونيقوسيا؟ وماذا ينتظرها إذا أحدثت تغييراً في خارطة تحالفاتها الإقليمية؟

قمّة أثينا التاسعة.. مقاربة مصرية حذرة

تُعَدّ قمة أثينا، التي شهدت اجتماعاً ضمّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس وزعيم قبرص الرومية نيكوس أنستسياديس في العاصمة اليونانية أثينا، القمة التاسعة من نوعها.

غير أنّ الرئيس المصري بدا كأنه حذراً في كلمته التي ألقاها خلال القمة، إذ يشير مراقبون إلى تجنُّبه الهجوم المباشر على أنقرة، مع مجرَّد تلميح ضمني بـ"رفض مصر التوترات في المنطقة".

غير أنّ البيان المشترك الصادر عن القمة تَضمَّن انتقادات صريحة لتركيا، مما دفع أنقرة إلى إصدار بيان حثّت فيه القاهرة على البحث عن "العنوان الحقيقي الذي يمكنها أن تتعاون معه شرقي المتوسط".

فيما يشير محللّون إلى أن المقاربة المصرية المغايرة لفكرة التحالف غير المشروط مع أثينا ونيقوسيا تجلّت أكثر في عدم نشر الرئاسة المصرية للبيان المشترك الصادر عن القمة، وهو ما فسّره محلّلون بعدم رغبة القاهرة في خلق أي توتّر مع أنقرة تجنباً لـ"اتساع الهوة" بينه وبين الأخيرة، في وقت توصّلت فيه الإدارتان المصرية والتركية إلى مرحلة متقدّمة من التفاهم والمحادثات الاستكشافية.

ولفت متابعون إلى مشاركة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، مع الرئيسين المصري والقبرصي، بعض المعلومات بشأن اتصالات بلاده الأخيرة مع أنقرة في إطار السعي لحلّ سياسي دبلوماسي لقضية الحدود البحرية مع تركيا، وهو ما رحب به السيسي بوضوح، حسب مصدر مصري دبلوماسي تحدّث إلى صحيفة العربي الجديد.

هل تقف مصر مع "الحليف الصحيح"؟

تتحدّث تقارير وتحليلات عدّة عن أنّ مصر ليست الرابح الأكبر من تحالفاتها في شرق المتوسط مع اليونان وقبرص الرومية وما ترتّب عليها من اتفاق ترسيم الحدود البحرية، بل يعود على مصر بـ"خسائر استراتيجية واقتصادية" جرّاء الاصطفاف في ذلك التحالف.

ويرجع ذلك إلى كون إحدى أبرز استراتيجيات الطاقة التي اعتمدتها الإدارة المصرية مؤخراً هي التحوّل إلى منصة إقليمية لتصدير الغاز الطبيعي، إذ يوفّر حقل "ظُهر" الضخم كميات من الغاز الطبيعي يمكن تصديرها إلى الخارج بأسعار منافسة، إضافة إلى امتلاك مصر البنية التحتية المتمثّلة في محطتَي إدكو ودمياط لإسالة الغاز الطبيعي، التي تمنح مصر الأفضلية والسبق في أن تصبح المنصة الإقليمية الرئيسية لتصدير الغاز إلى أوروبا في المستقبل.

غير أنّ خط غاز "إيست ميد" (East Med) الذي تسعى إسرائيل من خلاله لتصدير الغاز إلى أوروبا مروراً بقبرص واليونان وإيطاليا، لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، يمثّل تهديداً مباشراً للاستراتيجية المصرية محلّ الحديث.

ويشير محلّلون إلى أنّ خط "إيست ميد" يجعل تركيا الحليف الأقرب لمصر، إذ تتوافق مصالح القاهرة مع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، لمنع تلك الاتفاقية مرور الخط إلى أوروبا بلا موافقة من الجانب التركي، وهو ما يعني أنّ أنقرة تستطيع تجنيب القاهرة خسائر اقتصادية وفقدان نفوذ ودور جيوسياسي هامّ في المنطقة.

ويأتي ذلك بالإضافة إلى أنّ موافقة مصر على ترسيم حدودها البحرية مع اليونان وفقاً لرؤية ومعايير أثينا يتضمّن تنازل القاهرة عن مساحة ضخمة من المناطق الاقتصادية الخالصة المصرية والمساحات المائية الهائلة في منطقة واعدة بثروات طبيعية من نفط وغاز طبيعي.

بين الواقعية التركية والوعود الأوروبية

شهدت العلاقات التركة المصرية في الأشهر القليلة الماضية تطورات إيجابية وتقارباً حذراً، وجاء آخر وأحدث التصريحات الإيجابية بين البلدين عندما صرّح وزير الخارجية المصري سامح شكري مطلع الشهر الجاري، بأنّ:"قدراً من التقدّم" تحقّق في العلاقات مع تركيا عقب الجولة الثانية من المشاورات الاستكشافية، مضيفاً أنّه "يأمل البناء عليه"، فيما أعربت الخارجية التركية عن رغبة البلدين في "إحراز تقدّم بقضايا محلّ نقاش وتطبيع العلاقات".

غير أنّ أنقرة اعتبرت مؤخراً استمرار اصطفاف مصر بجانب اليونان وإدارة جنوب قبرص ومشاركتها في البيان الختامي للقمة التاسعة بأثينا، الذي حمل رسائل حادة وعدائية تجاه تركيا، "مؤشراً على أن الإدارة المصرية لم تدرك بعد العنوان الحقيقي الذي يمكنها أن تتعاون معه شرقي المتوسط".

وحسب مراقبين، فإنّ الإدارة المصرية تهدف من خلال تقاربها مع اليونان ومشاركتها في قمة أثينا إلى الحصول على دعم سياسي ومالي، ومنع أيّ عقوبات محتملة على خلفية الملفات الحقوقية والسياسية والملاحظات الأوروببية والدولية العديدة التي تُسجَّل من حين إلى آخر على الممارسات التي تنتهجها الإدارة المصرية.

فيما يعتبر محلّلون الملفات الحقوقية محض تلاعب ومحاولة لابتزاز الإدارة المصرية وجرّها إلى تحالفات لا تعود عليها بأيّ منفعة، بل تكبّدها خسائر استراتيجية واقتصادية لا حصر لها، فيما تبقى "الوعود الأوروبية" المتعلّقة بالملفّ الحقوقي غير مضمونة ولا يمكنها طمأنة الإدارة المصرية على نحو كافٍ.

TRT عربي