تركيا (AA)
تابعنا

فكلما زاد تهديد الامتداد الجغرافي وتهديد المصالح والأهداف الاستراتيجية، كثفت الدول جهودها وطورت من إمكانياتها. وفي هذا الإطار يعد الجانب العسكري من أهم دعائم القوة وحسم الصراع، ومن محددات حفظ الأمن الإقليمي والنظام الدولي.

وانطلاقاً من هذا المبدأ، اشتد التنافس بين القوى الإقليمية في تطوير المعدات العسكرية، وتصدر الأسواق العالمية لتصدير الصناعات الدفاعية، وبالتالي مزيداً من توسيع النفوذ ومزيداً من الأطماح الاستراتيجية.

قوى دولية تتصدر الأسواق العالمية للصناعات العسكرية

من مستورد للأسلحة إلى ثاني أكبر قوة عالمية منتجة للأسلحة، تحقق الصين نمواً ملفتاً. فبعد أن كانت تتحرك في وقت سابق وفق ما تمليه عليها الإيديولوجيا وذلك بتقديم المساعدات العسكرية للقوات الشيوعية في فيتنام وكوريا الشمالية، ودعم الحلفاء في البلدان الإفريقية. شكل تحالفها مع باكستان نقطة تحول جيوستراتيجي، حيث قامت بتصدير أكثر من 60% من الأسلحة إلى باكستان وبنغلاديش، مقابل 22% إلى دول إفريقية، مولية بذلك الأهمية الأولى لتعزيز مصالحها الاستراتيجية، فأصبحت تنافس الدول الكبرى المصنعة للأسلحة في العالم.

تجاوزت الصين روسيا التي كانت من أبرز الدول المنتجة والمصدرة للأسلحة في العالم، فبعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفياتي، لم تدخر روسيا الجهود لاستعادة مكانتها الدولية في وقت باتت فيه الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأولى المهيمنة عالمياً واللاعب الرئيسي، بعد تحولات في المنظومة الدولية منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي.

فتوجهت روسيا إلى المناطق التي تعزز نفوذها وتخدم مصالحها متجاوزة الأقاليم المتاخمة الآسيوية والأوروبية، ومحاولة أن تضع حداً للتمدد الأمريكي عبر اجتياح جورجيا وطرد قواتها من أبخازيا وجنوب أوسيتيا، رغم الملاحقة و المواجهة مع المدمرات الأمريكية. ولم تكن المواجهة الوحيدة للقوتين، ولمواجهة حلف الناتو قامت روسيا بالتعاون مع إيران وسوريا وليبيا، وصدرت أعداداً ضخمة من الأسلحة للأنظمة لهذه البلدان، ولم تأخذ موقف الحياد في الحروب والتحولات التي شهدتها المنطقة، واستفادت بصنع سوق للأسلحة يستثمر من استمرار الاضطراب.

وبنفس الدوافع تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرها من القوى العالمية التي تقدم المصلحة والهدف الاستراتيجي لزيادة إنتاجها العسكري. مستفيدة من أهم المحطات والاستحقاقات التي مرت بها، لذا كان من الطبيعي أن تلتحق تركيا بالدول المصنعة للأسلحة لحماية أمنها الإقليمي ومواردها وحفظ مصالحها.

المصالح الجيوستراتجية تحفز تركيا لصناعة الأسلحة

إن التسلح الذاتي لأي دولة يحقق لها الأمن القومي ويمكّنها من توفير موازنة بين القوى الدولية والتي ترسم خرائط الجغرافيا السياسية في العالم.

وفي هذا السياق تطورت في الفترة الأخيرة الصناعات الدفاعية التركية وباتت تنافس أهم مصنعي الأسلحة في العالم. فبعد أن كانت تستضيف منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكي، منذ انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي الناتو سنة 1952، أصبحت اليوم مصنعاً لأحدث المعدات العسكرية.

فحرب قبرص سنة 1974 شكلت قناعة لدى أنقرة بضرورة التسلح لمواجهة التحديات الإقليمية، في ظل قلة الدعم والفرض المستمر نتيجة لعقوبات تضييقات دولية.

ومع احتدام الصراع بين أذربيجان وأرمينيا، أرسلت تركيا أسلحة عالية الجودة للحسم في الحرب التي استمرت طيلة 6 أسابيع وانتهت بوقف إطلاق النار وإنهاء كل العمليات العسكرية في مناطق النزاع، وتم الاعتراف بالانتصارات العسكرية التي حققها الجانب الأذربيجاني بمساعدة تركيا.

كما شكل موقع تركيا الواقع على تقاطع طرق القوى والمناطق الحيوية في العالم محفزاً مهماً للتطوير من ترسانتها ومعداتها للعب دور فعال في المنطقة، مع تحري الالتزام بسياسة صفر مشاكل مع جيرانها.

وتمتد أطراف المنطقة الجيوسياسية من نهاية درع المتوسط، الذي يغطي غرب وجنوب جزيرة كريت، إلى مقر القيادة المشتركة التركية القطرية المطلة على مضيق هرمز في الخليج العربي.

واستجابة لمتطلبات القوات المسلحة التركية في تحركاتها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، تم الإنتاج المحلي لتقنيات الذخيرة ذاتية الدفع، والذخيرة الموجهة، وأنظمة الصواريخ المتطورة والحلول الباليستية.. وغيرها. كما تم تصنيع حاملات أسلحة عملاقة إضافة إلى الطائرات بدون طيار المسلحة.

ولعل من بين أهم الإنجازات طائرة بيرقدار محلية الصنع، والتي تتمتع بميزة الاستطلاع الليلي، وإمكانية إجراء مهامّ المراقبة والاستكشاف والتدمير الآني للأهداف، والتي تزايد عليها الطلب بعد ذلك في الأسواق العالمية. كما تم تصنيع فرقاطة محلية، تمتلك قدرات عالية في مجال الحرب البحرية والدفاع ضد الغواصات.

وتزايد تنامي الصناعات العسكرية تزامناً مع ظهور مفهوم الوطن الأزرق ، والذي شكل عقيدة بحرية تحتم على الجانب التركي حماية امتداداته وحدوده المائية.

وتزايد الاستحقاق بتوقيع مذكرة ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 والانطلاق في التنقيب على الغاز في المتوسط، فتم دعم الأساطيل البحرية التركية بقدرات جديدة ومعدات متطورة، كالغواصات، وأنظمة طيران بحرية متقدمة مضادة للغواصات، وسفن استخبارات إلكترونية، وفرقاطات حربية مضادة للطائرات، وسفن هجوم برمائية.

أثار التقدم الجيوستراتجي لتركيا الذي يدعمه تسلحها الذاتي وريادتها في مجال تصنيع الأسلحة وما رصدته لذلك من خطط، حفيظة القوى الإقليمية التي اعتادت التفرد بتزويد الأسلحة لحلفائها وتحديدها مسارات النزاع في المنطقة.

لذلك فكل سيناريوهات المواجهة تعد محتملة، والخوف من استهداف الآبار الباطنية والحرص على حماية الثروات الباطنية يعد استحقاقاً ملحاً. واستجابة لهذا التحدي بدأت تركيا بتصنيع غواصات مسيّرة مسلّحة، على شكل سمك الشبح، قادرة على تفجير غواصات وسفن، وحاملات طائرات كذلك وتعد الأولى والوحيدة من نوعها في العالم، حسب ما صرح به رئيس مجلس إدارة الشركة المصنعة للغواصة.

ورغم أنها صُنعت لأغراض استطلاعية إلا أنه يمكن استخدامها عسكرياً، حيث تتمتع بميزة نظام القنبلة المتحركة، فهي قادرة، عبر مغناطيس كهربائي، على الالتصاق بأسفل حاملات الطائرات وتفجيرها.

انطلاقاً من المحددات والمصالح الجيوستراتيجية أحرزت عدة دول نمواً في صناعاتها العسكرية، إلا أن بروز الحضور التركي حقق قفزة لافتة في السنوات الأخيرة، مما جعلها لاعباً رئيساً في المسرح العالمي.

TRT عربي