تبنّت الحكومات الغربية الموقف الداعم لقوات الاحتلال الإسرائيلية عقب الأحداث التي تلت عملية "طوفان الأقصى" التي شنّتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بينما ردت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالقصف المتواصل على قطاع غزة، استهدفت خلال غاراتها مناطق سكنية ومستشفيات ومدارس ودور عبادة.
خرجت الولايات المتحدة الأمريكية و4 دول أوروبية ببيان مشترك، أعلنت فيه وقوفها إلى جانب إسرائيل، ومع ارتفاع حدّة العنف من الجانب الإسرائيلي واستمرار القنوات الغربية في نقل روايات عن الجانب الإسرائيلي متغافلة عمّا يُصيب الأطفال والنساء في فلسطين، قرّر عدد من العرب المتضامنين مع القضية الفلسطينية محاولة إيصال الصورة بإعلان تضامنهم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وبدء حملة مصورة شارك فيها المئات من دون اتفاق لنقل ما يحدث في غزة من حصار وقتل للمدنيين، بينما اختار بعضهم الظهور في القنوات الأجنبية وفرض الصورة الحقيقية لما يحدث على أرض الواقع.
بينما قرّر عدد من الرياضيين إعلان دعمهم للقضية الفلسطينية، ليتعرض بعضهم للتهديد أو العقاب، كان بينهم السباح المصري عبد الرحمن سامح الذي أعلن عقب حصوله على الميدالية الذهبية في بطولة العالم للسباحة -التي أقيمت في اليونان- عن تلقيه تهديدات بالقتل لدعمه القضية الفلسطينية. ورفض سامح الاحتفال، بينما يُقتل المدنيون في غزة، فحذف الاتحاد الدولي للسباحة صوره من مواقع الاتحاد الرسمية.
وفي ألمانيا أيضاً، تعرّض اللاعب الهولندي ذو الأصول المغربية أنور الغازي للإيقاف من ناديه ماينز بعد دعمه لفلسطين.
وفي فرنسا، تعرّض اللاعب الجزائري يوسف عطال للإيقاف حتى إشعار آخر من فريقه نيس؛ لارتدائه الوشاح الفلسطيني في مباراة ودية، بينما طالبت فاليري بوير عضو مجلس الشيوخ الفرنسي بسحب الجنسية من اللاعب الفرنسي كريم بنزيما لاعب فريق الاتحاد السعودي بعد تضامنه مع غزة.
ألمانيا.. اعتقال وعنف
جاءت ألمانيا من الدول الأكثر تشدداً في قمع التظاهرات المتضامنة مع القضية الفلسطينية تزامناً مع قصف غزة، فحث الرئيس الألماني فرانك فالكر شتاينمار على منع الاحتفاء بالمقاومة الفلسطينية.
ويقول كاشف، مصري مُقيم في ألمانيا، إنّهم يتعرضون منذ أكثر من 10 أيام للعنف من الشرطة الألمانية، مبيناً أنّ الحق في التظاهر مكفول للجميع حسب القانون الألماني، والأمر لا يتطلب سوى إبلاغ الشرطة بتنظيم تظاهرة في وقت محدد، إلا أنّهم فُوجئوا بأنّ كل الفاعليات المُتعلقة بفلسطين والحرب الأخيرة الدائرة على غزة يجري إلغاؤها قبل البدء بوقت قصير، أو فور البدء بعشر دقائق، فالقانون يمنحهم حق الإلغاء.
ويضيف كاشف لـTRT عربي، أنّ المتظاهرين يرفضون التحرك وترك أماكنهم أو يكون التحرك بصورة بطيئة، وهو ما تُقابله الشرطة الألمانية بتعامل بربري، بين الاعتداء والاعتقال، لافتاً إلى أنّ برلين تضم 4.6 مليون شخص يبلُغ عدد العرب بينهم مليون شخص من جنسيات مختلفة، فضلاّ عن المتضامنين مع القضية الفلسطينية من جنسيات أخرى، ومع الوقت حدثت مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين وخاصةً مع ازدياد وتيرة العنف من الشرطة الألمانية.
ويتابع: "كل ما يُقال عن دولة حقوق الإنسان والقانون فيما يتعلق بألمانيا هو محض هُراء، فمن حقي في دولة تضمن حرية التعبير وإعلاء حقوق الإنسان، التي كفلت للمتضامنين مع الاحتلال التظاهر والتعاطف معه، أن أعبّر أيضاً عن رأيي في قضية تشغل العالم بأكمله".
قلق وتهديدات
يُسيطر القلق على المهاجرين واللاجئين العرب من أداء الحكومة الألمانية والأمن بشأن القضية الفلسطينية، إذ يوضح كاشف أنّ الأمر لم يقتصر على الملاحقة في الشارع وقت المشاركة في التظاهرات فقط، فبعضهم واجه تهديدات بالفصل من العمل، وآخرون استقبلوا بريداً إلكترونياً من مؤسساتهم تحذرهم من الحديث عن القضية أو التضامن أو معاداة السامية أو مهاجمة الكيان، مضيفاً أنّ ألمانيا تُفعّل قانون معاداة السامية وتعاقب كل من ينتقد الكيان وأفعاله.
بدوره يقول إسلام حسني، مصري مُقيم في ألمانيا، إنّ الدولة أعلنت تضامنها الكامل مع الكيان الصهيوني بعد هجمات حماس، وأغلبية الشعب ينساق خلف قرارات الحكومة، والإعلام الألماني هو المصدر الرئيسي للمعلومات، ولقاء ما يحدث قرّر العرب والمسلمون والمناصرون للقضية الفلسطينية الخروج في وقفات احتجاجية لإظهار الحقائق.
ويضيف حسني لـTRT عربي، أنّ هذه الاحتجاجات لاقت مقاومة عنيفة من الشرطة في برلين، إذ اعتقلت عدداً من المشاركين في الوقفة، "حتى إنّ كل من يرفع علم فلسطين أو يرتدي الوشاح الفلسطيني كان مصيره الاعتقال".
ويشير إلى أنّه رغم السماح بالتظاهر للمتضامنين مع الاحتلال الإسرائيلي ورفع أعلامهم، أعلنت بعض الجامعات عدم السماح بالتظاهر داخل حرمها لدعم القضية الفلسطينية، ويتعرض كل من يعلن تضامنه مع القضية على مواقع التواصل الاجتماعي للإيذاء في عمله، فعلى سبيل المثال مُنع طبيب مصري من استلام مناوبة عمله في المستشفى، وأُوقف عن العمل لمجرد كتابته تدوينة أعلن فيها تضامنه مع غزة.
ويبيّن حسني أنّ ذلك يتكرر كثيراً، ويشمل العرب والمسلمين وحتى الألمان المناصرين للقضية الفلسطينية، كما أنّ أي مُقيم سواء للعمل أم الدراسة مُهدد بالاعتقال أو الترحيل في حالة ثبوت تعاطفه مع غزة، مؤكداً أنّ "هناك ازدواجية في المعايير والكيل بمكيالين بشكل مخيف من جانب الحكومة الألمانية التي أعلنت التضامن مع الاحتلال بشكل قاطع ومطلق".
إلى ذلك، تعيش نادية (32 عاماً) القادمة من اليمن منذ 8 سنوات، في مدينة صغيرة في ألمانيا لم تشهد مظاهرات بالحجم الواقع في المدن الكبرى، إلا أنّها تعاني القمع ذاته، فالتضامن مع القضية الفلسطينية وما يحدث في غزة ممنوع، والخروج لإعلان التضامن يعني الاعتقال، كما أنّ "كل من يدعم حماس مهدّد بسحب الجنسية الألمانية".
وتضيف نادية لـTRT عربي، أنّ ألمانيا تتخذ موقفاً تجاه إسرائيل بدافع التكفير عن جرائمها في عهد هتلر، لكنّها "تعيد التاريخ ذاته والجرائم ذاتها لدعم إسرائيل التي ترتكب إبادة لشعب غزة باسم محاربة المقاومة".
فرنسا.. التهديد بسحب الإقامة
أعلن وزير العدل الفرنسي إيريك دوبوند موريتي تعرّض المتضامنين مع فلسطين للسجن مدة تصل إلى 7 سنوات، بينما حظر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان التظاهرات المؤيدة لفلسطين، معللاً قراره باحتمالية تسبّبها في اضطرابات في النظام العام، كما أعلن أنّه أُوقف 102 شخص بتهمة معاداة السامية أو الإشادة بالإرهاب، منذ بدء عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
ازدواجية المعايير في التعامل مع القضية الفلسطينية والحرب على غزة أسقطت أمام اللاجئ إبراهيم عودة (36 عاماً)، ما وصفه بـ"الادّعاءات المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان"، فكان يخرج في تظاهرات في سوريا قبل سنوات للمطالبة بحرية الرأي، وحين انتقل للعيش في الدول التي طالما روّجت لكونها "دول الحريات" فُوجئ بالقمع، حسب تعبيره.
وفي حديثه مع TRT عربي، يصف عودة (فلسطيني سوري لاجئ في فرنسا منذ 10 أعوام)، حالة أسرته المُهجّرة من فلسطين، فوالده من الجيل الأول للنكبة، خرج منها وهو في الخامسة من عمره عام 1948، بينما يأتي هو من الجيل الأول للشتات من أبناء المُهجّرين الفلسطينيين، لافتاً إلى أنّه "منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، يواجه داعمو فلسطين مشكلات شخصية وقانونية بدعوى دعمه للإرهاب".
ويعيش عودة ضغوطاً يومية كغيره من العرب المتضامنين مع القضية الفلسطينية، فيشاهدون تظاهرات لداعمي قوات الاحتلال وإضاءة برج إيفل بعلم إسرائيل، بينما لا يمكنه التعبير عن تضامنه من دون التعرّض لخطر الترحيل أو الفصل.
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول، سمحت فرنسا للمتضامنين بالتظاهر لساعة واحدة في ساحة الجمهورية المُخصصة للتظاهر، بحسب عودة الذي يشير إلى أنّ الشرطة حدّدت موعداً بين الساعة السابعة مساءً حتى الثامنة، في الوقت الذي يُسمح فيه بالتظاهر من 5 لـ6 ساعات داخل الساحة ذاتها لأي قضية في العالم.
ويبيّن اللاجئ أنّهم بدؤوا التجمّع في الساعة السادسة لضمان البدء في تمام السابعة وعدم إهدار الوقت، فحاصرتهم الشرطة بخراطيم المياه وقنابل الغاز في محاولة للتخويف، وقرب انتهاء الوقت المُحدّد بخمس دقائق تقريباً ظهرت سيارات الشرطة الخاصة بالاعتقال وأطلقت المياه على المتظاهرين.
وقبل خمسة أيام من التظاهرة المُصرّح بها خرج المئات في تظاهرة أخرى ضمت أعداداً كبيرة من الفرنسيين، حمل خلالها المشاركون أعلام فلسطين، وردّدوا هتافات داعمة لغزة ورافضة للقصف المستمر، ويقول عودة إنّ "الشرطة تعاملت حينها بعنف شديد، رغم حمايتهم للتظاهرات الداعمة لإسرائيل حتى وإنْ خرجت من دون تصريح".
ويؤكد أنّهم حرصوا على سلمية التظاهر، لكنّهم فُوجئوا بتعامل الشرطة الفرنسية، وذكر أنّ الشرطة قبضت على أحد أصدقائه، وهددوه بسحب الإقامة والسجن لأنَه هتف "غزة نحن معك"، ثم خرج بعد دفع غرامة مالية.
وفي فرنسا أيضاً، تعرّض صانع المحتوى المصري كريم قباني للفصل من عمله، بعد مشاركته في نقاش مع زميلته الداعمة للاحتلال، وخرج قباني في مقطع مصور على موقع إنستغرام، قال خلاله إنّ زميلته قصدت استفزازه وسؤاله لماذا يدعم "الإرهابيين"، في إشارة إلى حماس والمقاومة الفلسطينية، في الوقت الذي لم يسألها عن سبب دعمها الدائم للاحتلال ونشرها محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي تعلن خلاله رأيها.
لماذا اختلف وضع التظاهر في بريطانيا؟
ويوضح عودة أنّ الوضع يختلف في فرنسا وفي ألمانيا التي تشهد عنفاً مُضاعفاً والتي تُعامل المتظاهرين بوحشية، عن إنجلترا التي تضمّ أحد مراكز حركة ناتوري كارتا، وهم مجموعة من اليهود الأرثوذكس الإنجليز الرافضين للصهيونية والاحتلال والانتقال لإسرائيل، مضيفاً أنّ مشاركة هذه الحركة في التظاهرات بإنجلترا يُسهّل الحصول على تصريح التظاهر الذي يأتي عن طريقهم.
وتقول نوال، مغربية مُقيمة في لندن منذ 13 عاماً، إنّ الوضع في إنجلترا يختلف قليلاً عن الدول الأخرى، فرغم إعلان الدولة دعمها للاحتلال، فإنّها لم تمنع التظاهر، ولم يتعرض أحد المشاركين فيها للأذى من الشرطة، وإنّ المضايقات تصدر من جانب اليهود الداعمين لإسرائيل على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وتضيف نوال لـTRT عربي، أنّ "أغلب الصحفيين هنا داعمون لإسرائيل، لأنّ عدداً كبيراً منهم ينحدر من أصول يهودية"، موضحةً أنّه من ناحية أخرى، يوجد عدد من البرامج التلفزيونية التي تعرض وجهات النظر المختلفة بين الداعمة للاحتلال والداعمة لفلسطين.
وتلفت إلى أنّ جميع الحكومات لها أجندات وسياسات، وما جعل الأمر في بريطانيا مختلفاً من حيث التعامل مع المتضامنين مع القضية الفلسطينية، هو أنّ كثيراً من المسلمين المنحدرين من أصول عربية تقلّدوا المناصب، مثل عمدة ويستمنستر وهو مسلم مغربي الأصل، فضلاً عن وجود نساء مُحجّبات في صفوف الشرطة الإنجليزية، وغيرها من الأمور التي تجعل استقبال التظاهرات المتضامنة تختلف بعض الشيء عن أوروبا.